منى سلمان

أمي يا بحر المحنة الفيك كِتِل


أمي يا بحر المحنة الفيك كِتِل
[JUSTIFY] مدخل:
زمان تعبتي وسهرتي وشلتي العمر ليالي
ولسه برضو دلوقتي بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري.. وتباتي تفكري
وتصحي من الآذان .. وتيجي تِشأري ( تتفقدي)
يا رب يخليك يا أمي .. يا ست الحبايب يا حبيبة
تسهر كل الأمهات الليالي ويتعبن من شيل الفلذات علي الكتوف صغارا وشيل همهم في القلوب بعد الكبر.. طوال سنيني معها قبل أن تفرقنا الأقدار لم يحدث أن استيقظت من النوم صباحا دون أن أجدها قد سبقتنا من (الدغش النسايمو يهبهبن) .. تصلي وتدخل لعمل الشاي، تلك المهمة التي لم يقعدها عنها تعب أو مرض ثم تقضي يومها في التنقل بين نار الفطور ونار الغدا وتظل تدور في مطبخها كالساقية تروي العطش وتطعم البطون دون شكوى أو ملل.
– حنان الصغيرة غنت:
أمي حنونة وأمي عظيمة .. زهورا أنحنا وهي جنينة
بتربينا وبتراعينا وتسعد بينا
– (جبدتني) أمي بالدمعة القريبة، فكلما كانت تذهب للعزاء في بيت بكاء كنا نلاحقها بالمحاذير والممنوعات وأهمها عدم الإنبهال واستلام البكاء كما لو كانت (ست الوجعة)، فكم جررناها جرا من بيوت البكيات خوفا عليها من الهلاك شنهفة وبكاء .. نراجعها:
المات ده أبوك ولا أخوك؟؟
فقد كانت وحيدة أمها، فتجيبنا في مسكنة من بين دموعها:
ما وجعني يا أخياتي .. كر علي من نارو!
أما في المسلسلات فحدث ولا حرج، فمع كل موقف درامي تسيل منها الدموع (ارباع ارباع)، وعندما أسرفت على نفسها بالبكاء مرة كعادتها منعتها شقيقاتي من متابعة مسلسل عفاف شعيب الشهير (اليتيم والحب) حتى تعهدت بعدم رمي دمعة واحدة خلال بث الحلقات لكنها سرعان ما (لحست) وعودها مع أول لقطة ظهر فيها اليتيم وسالت دموعها مدرارا، وعندما وجدتهن ينظرن إليها شذراً صاحت فيهن:
يا أخياتي ما أتيم ومسكين .. أنتوا ما عندكم رحمة؟؟
– كانت تركب مع أبي العربة في ابوروف شارع البحر (جنب الزرايب) عندما اعترض طفل صغير العربة وعبر أمامها حتى كادت أن تدهسه .. فرمل أبي بصعوبة بالقرب من أقدام الصغير فما كان منها إلا أن نزلت مسرعة وهي تقول:
الخلا علي أمك الغبيانة .. ده صغير منو يا ناس؟؟
احتضنته في إشفاق ثم حملته للبيت المواجه وأدخلته ثم أحكمت إغلاق الباب خلفه، بينما ظل أبي ينظر إليها ويضحك دون أن يتمكن من الحديث، وعندما عادت للعربة قال لها:
هسي يا الفويلحونة حشرتي الشافع في البيت ده .. العرفك شنو ده بيتم؟؟
قالت في ثقة:
ما مشكلة بودوه لـ أهلو .. أخير من تطقو عربية تودرو علي أمو.
– عدت ذات يوم من المدرسة متوعكة واشعر بالحمى، شكوت لها وجعي وهي جالسة على بنبرها (تنضف) في الخضار جوار حلتها، مست رأسي المتقد بيدها الحانية وقالت:
آى والله محمومة .. امشي ارقدي في البرنده دابن اقضى من ملاحي ده واجيك.
دخلت وتمددت على السرير وسرعان ما استغرقت في النوم، لم يطاوعها قلبها فأرسلت خلفي (عايدة) لتتفقدني والتي جاءت تهزني في مكايدة وتقول:
هوي قومي أمي بتناديك .. عاملة فيها عيانة؟
تجاهلتها ورفضت الاستجابة بالرد عليها فما كان منها إلا أن صاحت:
يمه.. صحيتا .. أبت ما تصحا!!
وقبل أن أستدير أليها زاجرة، وجدت أمي تقفز متخطية النار والحلة وتندفع إلي جريا ثم تنهار إلى الأرض جاثية على ركبتيها أمام سريري، فقد حسبت أن مكروها ألم بي .. انحنت علي فالتقت عيني بعينيها فوجدت فيهما جذعا لم أصادفه من قبل ولا بعد .. سألتني في لهفة:
مالك ؟
أشفقت عليها من (الخلعة) فطمأنتها:
أنا كويسة ما تخافي يمة!!
– مخرج
رغم ما عرف عنا من سخونة العواطف والمحنة إلا أننا شحيحين في التعبير عنها، ورغم أن أمهاتنا هن سبب وجودنا في الحياة إلا أننا قد لا ندرك معنى ولا عمق ارتباطنا بهن بحبل سري خفي، إلا ساعة إنقطاعة لحظة مغادرتهن لهذه الفانية إلى دار الخلود، وحينها لا يكفينا أن نعيش باقي العمر ندما على ما فرطنا فيه من صحبتهن، فقد قالت أمثالنا عن مصيبة فقدان الأم ( موت الأب نعمة وزالت .. وموت الأم هملة وطالت) .. وآ هملتنا بعدك يا أمي الحبيبة.

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email][/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. [SIZE=5][frame=”24 80″]
    قلبت علينا المواجع يا منى…انا بعد ست الكل ما اتوفت بقت كل الارض منفي وبقي ما فارق السودان من باكستان وكل ما اتذكرها دمعتي تفر وصحيح اللي قال (توفت التي ببرها ادخل الجنة وبدعوتها يوسع لي في رزقي ويغفر لي ذنبي) الله يرحمك يا ست الكل….[/frame][/SIZE]

  2. [SIZE=6][B]الله يديك العافية يا أستاذة مني … كتاباتك بتدخل فى اعماقنا وبنعيشها امامناواجمل شيء هو التلقائية وإستخدامك لعبارات من العامية السودانية وإستشاهدك بأمثالنا الجميلة[/B][/SIZE]

  3. موضوع جميل جداً، بس أرجو أن لا يكون لهذا الموضوع علاقة بعيد الأم؛ لأن هذا العيد من الأمور المحدثة التي لم تأت بها الشريعة، فالمسلمون لهم عيدان فقط، الفطر والأضحى، وجزاكم الله خيراً.

  4. جزاك الله خيراً يا أستاذة منى،على هذا الموضوع الجميل، بس من باب التنبيه، أرجو أن لا يكون لهذا الموضوع ارتباط بعيد الأم، لأن هذه الأعياد كلها محدثة، ولم يأت بها الشرع؛ لأن للمسلمين عيدان فقط الفطر والأضحى، هذا ما اقتضى التنبيه إليه!! وشكرا.

  5. ان شاء الله ربنا يحفظ ويرحمجميع الامهات ويقدرنا على رد ولو جزء من افضالهن علينا