فكري أبوالقاسم : ظاهرة الطيب مصطفى (1) !!
كيانات سياسية ذات ميول عنصرية تتقدم الآن على حساب هذه الفئة بفضل الرعاية الأوربية والكنسية الطويلة وتداعيات ما بعد الإنفصال!!
الطيب مصطفى يصدح بالحق وهو في حالة هروب . أشبه بمن يجري نحو الشمال في قطار مندفع (للجنوب )، والسبب أنه محسوب على حزب منتكس ، في مفاوضاته يوقع على عقود التنازل وقد بح صوته وهو يطارد (الانبطاحيين) الذين دفعوا ثمن أخطاء قادة (الإنقاذ)!!
***
هذه الشخصية المحورية التي تلعب دور الرمز وسط هؤلاء هو صاحب جريدة (الانتباهة ) سابقاً و(الصيحة ) حالياً. استطاع في العقد الأخير من عمر (الإنقاذ) أن يبقى مثيراً للجدل أكثر من غيره من قبيلة الحركة الإسلامية. عملية إثارة الجدل مطلوبة في حد ذاتها إذا كان الأمر أمر عمل صحفي يتطلع للانتشار ولكن أسباب الجدل حول هذه الشخصية أعمق من مجرد ترويج لصحيفة.
الحكومة:
بين صفوف الحزب الحاكم والحكومة يتبنى أشواق أنصار الحركة الوطنية المسكوت عنها، لهذا يدعمونه من الخلف ولا يتبنون آرائه في العلن. يستفيدون منه في عملية توزيع أدوار ضرورية بطريقة شبه علنية، لا يمثل حزباً جديداً بل مجرد تيار داخل الحزب القديم ، أي منبر. يلعب أحياناً دوراً مزعجاً في تتبع عورات المفسدين في الحكومة وهم (على قفا من يشيل).
لم ينتزع هذه الجرأة التي ظهر بها فقط بالحوافز التي يقدمها لقبيلته السياسية، بل يستند لتاريخه الشخصي العائلي في الحركة الإسلامية، ثم لديه حظوة ما في مجلس الرئيس باعتباره من (الخؤولة) وهو لا يخفي التباهي بذلك. أنصاره الحقيقيون هم من مريدي الحركة الإسلامية الجالسون على الرصيف. أما اولئك الذين يديرون الحزب أو التنفيذيون منهم يحتضنونه بحذر كمن يخشى لعابه!
هذه المسافات التي استطاع أن يصنعها بينه وبين الحزب الحاكم في مسألة التعامل مع الجنوبيين أو مطاردة بعض المفسدين لن تعفيه من تحمل مسؤولية الخراب الذي أحدثه حزبه في الحياة السودانية!!
المعارضة:
أما في المعارضة فيعتبرونه متباهياً بخلفياته (العرقية) العروبية وهو- في رأيهم- سبب الفتنة بين الجنوب والشمال!! أمتدت تأثيراته عليهم حدَّ أنهم اختصروا تاريخ الصراع الجنوبي الشمالي في مواقف الطيب مصطفى. يرمون كل من يعارض الجنوبيين بأنه من أنصار الطيب مصطفى!
ومن أجل احقاق الحق نقول: إنهم لم ينصفوا هذا الرجل.. هذا الشخص ليس عنصرياً ، في استعمال هذا المصطلح نوع من الإرهاب الفكري نجده دائماً لدى مثقفي (الجنوب الجديد).
أن تكون راضياً عن خلفياتك الأسرية أو هويتك الثقافية أو حتى متباهياً بتاريخك لا يجب أن يعد تعنصراً مضراً بل هو حق طبيعي مطلوب في عمليات المثاقفة المشروعة بين المكونات السودانية المختلفة!
ويجب أن لا ننسى أن من فقد بوصلة هويته الخاصة أو الجزئية لا يستطيع أن يساهم بفعالية في بناء هوية جامعة للوطن!
حتى هذا التباهي المشروع لم يمارسه هذا الرجل في منابره العلنية، كل الذي حدث أنه تمترس بهويته (العربية) التراثية، وهو في موقف دفاعي لا يحسد عليه ويكفي أنه لا يطلب سوى عدالة في (السلام) و (زفرات حرى) يتنفس من خلالها!
السياسات الكنسية القديمة والطويلة النفس والتي بدأت مع المبشرين منذ عهد الخديوي إسماعيل بدأت تؤتي أُكلها الآن في السودان!
هذه السياسات التي اسفرت عن وجهها عام 1926م بسياسات المناطق المقفولة استفادت في السنوات الأخيرة من ضغوطات العولمة والفوارق الحضارية ومن أخطاء الساسة الشماليين، ولا سيما انتكاسة المشاريع (الإسلامية) بشقيها الطائفي القديم و(الأخواني) الحديث.
على أثر هذه الانتكاسة بدأت (العرقية العربية) تتقهقر وهي في طبيعتها ضعيفة، لأنها لاتشرب من جذر حيوي في العقيدة الإسلامية! والعروبة في المفهوم الإسلامي الصميم مفهوم ثقافي.العروبة (لسانية) وليست عرقاً واضحاً أو لون بشرة. هذا التقهقر تم تتويجه بانفصال الجنوب.
هذا الانفصال فتح شهية كيانات عنصرية كانت نائمة؛ لهذا يبدو في الآفاق (جنوب جديد) بميول العنصرية القديمة، ويبدو من أجندتها أنها لا تملك سوى اللجوء للسلاح القديم الذي أثبت نجاعته وهو سلاح (الدراما النفسية). الملاحظ أنهم يرمون كل من يرفض أجندتهم بأنه عنصري!
وواضح أن العروبة ستكون مستهدفة لدى (الجنوب الجديد) أعمق من ذي قبل. الجديد في هذه الأجندة (أجندة ما بعد الانفصال) هو أن (الإسلام) لن يكون مستهدفاً في هذه المرحلة باعتبار أن الأطراف جميعهم مسلمون!! نعم هناك أصوات بين المثقفين الجدد تسأل عن مسؤولية الإسلام في ترسيخ (العبودية) لكنها ستظل ضعيفة لعمق التدين في المنطقة وخاصة دارفور!!
إذن يمكن القول أن سياسات التبشير المسيحي لم تنجح فقط في (فصل الجنوب)..! بل استطاع أن يشوش على الوعي الإسلامي في (الجنوب الجديد). لهذا يجب أن تناقش قضايا الهوية الملبوسة بالأعراق ولون البشرة. ويجب أن توضع هذه القضية على (بلاطة) وتناقش في الهواء الطلق دون حساسية أو هروب آخذين في الاعتبار هذه الملاحظات وهي:
ü ليست هناك في البيئة السودانية سوى مقامات سواد هناك انسان أقل سواداً في الشمال وأكثر سواداً في الجنوب!!
üالبشرة السوداء ليست مرغوبة في الوعي الوطني السوداني.. يهرب الشمالي إلى (كريمات) أنساب عربية، ويهرب (الجنوبي ) إلى دراما نفسية تحكي قصة التهميش العنصري ليدر بها عطف العالم.. والأزمة في الأصل أزمة فقر اقتصادي وضعف ثقافات.
ü الأفراط في محاربة العرب والعروبة هي السبب الأساسي لانطلاق ظواهر مقاومة قد تذهب هي بدورها في الإفراط في إبداء الكراهية أبرزها ظاهرة الطيب مصطفى ،وأكثرهم تطرفاً هم أولئك الذين يخلطون بين العقيدة و(العِّرْق ) العربي!!
üلا يجب أن تتمدد ظاهرة الطيب مصطفى في كراهية الجنوب القديم اعتماداً على حقيقة أنهم لم يتركوا ذكرى حسنة في وعي الشماليين.. وذلك لضرورة التعايش!
üلا يجب على (الجنوب الجديد) أن يتبنى أجندة (الجنوب القديم) لكي لا تشتد عليهم العزلة، فالزمان قد تغير ويجب أن لا تمتد طموحهم لحكم السودان باستغلال المظالم العرقية فهذا الأمر لن يؤدي إلا إلى مزيد من الأحقاد..
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]
[SIZE=4]هي معركة هوية خسرها (الجنوب الكبير) عندما رضى بغنيمة الانفصال … ومنطق الأشياء يقول كيف يكسب الجنوب الجديد (الصغير) معركة لم يكسبها عندما كان متحدا مع أخيه الكبير.[/SIZE]