د. إسماعيل الحاج موسى في إفادات قانونية حول تطورات قرار الجنائية: نسعى لمقاضاة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة و المحكمة الجنائية
خدمة/ SMC
** حدثنا عن المحكمة الجنائية وقضاياها مع السودان؟
* تختص المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم التي تسمى (أشد خطورة) والتي دائماً ما تكون موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وهي أربعة أنواع من الجرائم تتمثل في (جرائم الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب، جرائم العدوان) وقد تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو في يوليو 2008م بطلب للدائرة التمهيدية مُلتمساً موافقة المحكمة على توقيف الرئيس عمر حسن أحمد البشير، مُدعياً أن القبض عليه يبدو ضرورياً لضمان حضوره أمام المحكمة لِمنعه كما يدعي من الاستمرار في ارتكاب الجرائم، وكان من قبل قد طلب من المحكمة توقيف كل من السيدين الوزير أحمد هارون وعلي كوشيب لمساءلتهم حول جرائم يدعي أنهما ارتكباها في دارفور. ومن الواضح أن مذكرة المدعي العام في حق الرئيس وكلاً من السيدين هارون وكوشيب تُمثل حلقة من سلسلة التآمر الدولي ضد السودان والذي تخطط له وتقوده الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا.
** هل هنالك دور لمجلس الأمن الدولي في التآمر ضد السودان؟
* لقد كان ولا يزال مجلس الأمن الدولي ضالعاً وبشكل سافر ومفضوح في هذا التآمر الذي يُحاك ضد السودان، فقد ظل مجلس الأمن يعمل بطريقة دائبة لتعويق وعرقلة كل المساعي التي ظلت تبذلها حكومة السودان لوضع حدٍ للنزاع في دارفور، ويتضح ذلك من أن مجلس الأمن وفي ظرف أقل من عام واحد أصدر تسع قرارات خاصة بالوضع في دارفور، وكل هذه القرارات كان يدعي المجلس فيها أن الوضع في دارفور يهدد السلم والأمن الدوليين وكانت كلها تُلوح بتوقيع عقوبات على حكومة السودان. و تزامنت كل قرارات المجلس في الأوقات التي كانت فيها مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة على وشك أن تفضي إلى نتائج إيجابية وتخلص إلى توقيع اتفاق للسلام، وقد تواصلت قرارات مجلس الأمن إلى أن وصلت إلى ستة عشر قراراً مع الإصرار والمثابرة والتربص، وقد كان من بين هذه القرارات العديدة التي أصدرها مجلس الأمن حول الوضع في دارفور القرار رقم (1593) والذي حُولت بموجبه قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. منذ البداية أبدى السودان اعتراضه وانتقاده لهذا القرار والذي كان قراراً معيباً جداً بكل المقاييس القانونية والأخلاقية والسياسية ويفتقر إلى أبسط قواعد ومقومات العدالة والأمانة.
** كيف تقرأ القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من مارس؟
* إن هذا القرار تضمن صفقة رخيصة ومضمونة، غير قانونية وغير أخلاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بصورة لا يجوز التعامل بمثلها في مؤسسات دولية ينبغي أن تكون قدوة في الحرص على المساواة والعدالة وتفادي الانتقائية الظالمة وازدواجية المعايير في تعاملها مع الدول، ونجد أن القرار فيه كلمات لا ينبغي أن ترد ضد قرار خاص باتهام جنائي وذلك مثل (يشتبه ويعتقد)، ولا يوجد اشتباه ولا اعتقاد في القضايا الجنائية خاصة التي تحددها المحكمة الجنائية الدولية، واعتقد أن قرار المحكمة الذي صدر في الرابع من مارس قرار ضحل وضعيف من الناحية القانونية ومبتذل وركيك من الناحية اللغوية، لأنه بُني على مذكرة المدعي العام التي يتضح الغرض منها وهو غرض مرضي لأن هؤلاء النسوة الثلاث والمدعي العام ومجلس الأمن كل هذه أدوات في أيدي أمريكا تستخدمها كما تشاء، فالقرار يُبين لنا أننا أصبحنا نعيش داخل غابة وتحولنا من منطق قوة القانون إلى قانون القوة.
** ماهي الحيثيات التي استند عليها المدعي العام؟
* اعتمد المدعي العام على بينات سماعية والبينات السماعية لا يعترف بها في القانون الجنائي ولا أي قانون، واستمع أيضاً إلى شهادات عدائية وأيضاً لا يعترف بها فالمدعي العام لم يزور دارفور ولا يعلم شيء عن جغرافية وتاريخ دارفور. اعتمدوا فقط على بينات سماعية والقوانين المحلية والإقليمية والدولية لا تقبل الشهادة بالتسامع لذلك كان إدعاءه ضعيف للغاية ومذكرته مخجلة وتمثل فضيحة.
** كيفية التعامل مع هذا القرار قانونياً؟
* يمكن أن نتعامل مع القرار بالاهمال التام لأننا لسنا أعضاء في هذه المحكمة، ونحن الآن عبر برنامج مرافعات التلفزيوني الذي يضم عدد من الخبراء القانونيين لدينا اجتهاد في أن نسعى ليست لندافع بل نقاضي، ويمكن أن نقاضي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ونقاضي المحكمة الجنائية لأنها تستثني الولايات المتحدة وإسرائيل، فلما سُئل المدعي العام لماذا لا تحاكمون زعماء الصهيونية أجاب بأن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية، إذاً السودان أيضاً ليس عضواً، وأنه قد يذكر أن قضية السودان أحالها إليه مجلس الأمن فلمـــــاذا لا يحيل إسرائيل والولايات المتحدة ؟.
** ماهي الإجراءات التي يمكن أن تتخذ بمجابهة هذا القرار؟
* الإجراءات كثيرة ربما أن هذا القرار سياسي فالرد عليه لابد أن يكون سياسي، ولابد من التحرك الدبلوماسي والسياسي والقانوني فالتحرك القانوني يكون بالتعبئة والتوعية للجماهير داخلياً وخارجياً، في محاولة لإقناع الجميع أن مجلس الأمن والمحكمة الجنائية والمدعي العام لا يتعاملوا بطريق قانونية، أما التحرك الدبلوماسي فلابد من الاتصالات الداخلية والخارجية فالسودان يتمتع بما يوازي 90% من دول العام معه في هذا القرار ولم يتبقى سوى دول الاستعمار الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا) وبعض الدول الأوربية التي تؤيد بحياء مثل إسبانيا وإيطاليا والدنمارك وغيرها من الدول التي لا وزن لها.
** أين يكمن الخطر في هذا القرار؟
* إذا كان هنالك خطراً فربما تحاول بعض الدول مثل الولايات المتحدة من قبيل نفسها أو من خلال مجلس الأمن أن تصدر قرار عقوبات دبلوماسية واقتصادية على السودان، ولكن السودان قد تأقلم السودان على مثل هذا، ففي النصف الأول من التسعينات كانت كل الدول المجاورة للسودان في حالة عداء معه، ولكنها الآن أصبحت ذات علاقة ممتازة مع السودان ورافضة للقرار، ولكن إذا صدر قرار عقوبة على السودان فإنه سيتخطاه كما تخطى ما قبله من القرارات.
** القرار اعتبرته الحركات المسلحة بمثابة النصر والتحفيز للقيام بالمزيد من الهجمات الإرهابية؟
* القرار صب زيتاً على نار النزاع في دارفور فإنه بدلاً من أن يساعد في حل مشكلة دارفور زادها اشتعالاً، حيث أنه حرض حاملي السلاح من الجماعات المختلفة في دارفور على الفتن والتطرف في العمل على إجهاض كل محاولات الحلول السياسية السلمية للنزاع التي كان يرعاها الاتحاد الإفريقي في أبوجا. فقد عوق هذا القرار وعرقل كل المساعي سواء التي كانت تقوم بها الحكومة السودانية أو التي يرعاها الاتحاد الإفريقي في أبوجا، فالحركات المتمردة الآن اغتنمت هذه الفرصة إعلامياً وسوف يحاولوا ان يفتنوا سياسياً ،في محاولة للضرب على هذا الوتر، وإذا حاولوا أن يقوموا بهجمات إرهابية فليعلموا الحكومة جاهزة والقوات الحكومية جاهزة، لكنهم يتحدثوا بأكبر من حجمهم.
** هل يمكن أن يعرقل القرار ترشيح الرئيس في الانتخابات؟
* هذه الفكرة يفتكر بها كثير من أهل السودان، لكن قانون الانتخابات سوداني ولا شأن للدول الخارجية به. البعض يقول إن الرئيس قد فقد شرعيته كما ذكر ذلك (خليل إبراهيم) الجاهل، لكن الرئيس لم يفقد شرعيته فهو أثناء صدور القرار كان يخرّج الضباط بكرري وفي النهاية الرئيس يقوم بترشيحه حزبه فإذا قرر المؤتمر الوطني أنه يريد ترشيح الرئيس لا يوجد هنالك ما يمنع، لأننا نحتكم بقانون الانتخابات السوداني وله مواصفات كلها تنطبق على الرئيس البشير.
** الشارع العام يردد أن القرار سوف يحصر حركة الرئيس داخل السودان فقط؟
* هذا حديث أوكامبو أيضاً، لكن ليس له معنى لأنه لا توجد مؤسسة عدلية دولية قانونية تقوم باختطاف رئيس. الاختطاف في حد ذاته جريمة جنائية في كل القوانين المحلية والدولية ولا تشبه إلا المدعي العام، فالآن وصلت دعوة من دولة قطر ومن دول إريتريا إلى الرئيس وذكر بأنه سيذهب إلى كل من الدولتين ولكن إذا كانت يوم من الأيام حركة الرئيس داخلية أو محدودة فهذا سيكون بأسبابنا نحن من جانب الحذر من إخواننا في المراسم والأمن.
** هل يؤثر القرار على عملية السلام في السودان؟
* قد يؤثر القرار إذا لم نأخذ حذرنا وانسقنا وراء هذه المؤامرات. ولكن افتكر الآن كل شيء هادئ في السودان وقد حدث عكس ما هو متوقع من تفلت أمني وانشقاقات في الجبهة الداخلية فهذا يؤكد إن القرار لم يؤثر على الشعب السوداني.
** إلى أي مدى يستطيع الاتحاد الإفريقي والدول الرافضة للقرار تجميده أو تعليقه؟
* نحن لا نعترف بالمحكمة الجنائية الدولية. ولم نطلب تجميد القرار، لكن هذا رأي أخواننا ولكي لا نحرجهم نقول أفعلوا ما شئتم، ولكن نحن سنظل نحاول إلغاء هذا القرار تماماً وأثناء التأجيل سنناضل من أجل إلغائه وأشك في نجاحهم في هذا المطلب لأن مجلس الأمن به بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وهذه الدولة يمكنها استخدام حق الفيتو لإسقاط هذا الطلب.
** أجمعت القوى السياسية إن القرار بداية للاستعمار الجديد؟
* قطعاً الأمر كذلك، فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة منفردة وتعس في الأرض فساداً وتستعمر العراق وتعدم رئيسها وتجمع الدول معها ليضربوا أفغانستان صباح مساء وتدعم إسرائيل بالأسلحة وتقتل الأبرياء في غزة. ودائماً ما يقال إن أعلى مراتب الاستعمار في العالم هي الإمبريالية والآن توجد إمبريالية جديدة في العالم تقودها الولايات المتحدة وأذيالها (فرنسا وغيرها).
** كيف يمكن للسودان أن يجابه هذا الاستعمار؟
* هنالك مقول شهيرة وهي إن الدول الكبرى المتغطرسة كأمريكا لا يصح أن نتعامل معها بالتناطح ولا الانبطاح، فالحل الوسط هو تجميع القوى، فلا بد ان يقف العرب مع السودان وقفة صارمة وكذلك الأفارقة ودول منظمة المؤتمر الإسلامي ولكل الدول التي ترفض القرار وقفة فعليه صارمة بالتأييد فالآن الأفارقة لديهم (38) دولة عضو في المحكمة فلينسحبوا، إذا انسحبوا من هذه المحكمة سوف تسقط.
** هنالك مساومة للتطبيع مع إسرائيل مقابل تسهيل كافة الصعوبات التي تواجه السودان؟
* هذه عروض غير أخلاقية يقدمها أناس لا علاقة لهم بالأخلاق. و نحن لدينا أخلاقنا المنطلقة من ديننا وأعرافنا وأفتكر أن هذا العرض فيه إساءة لنا.
** هل سيستمر السودان في التعامل مع القرار كأنه لم يكن أم ان التطورات يمكن ان تغير هذه النظرة مستقبلاً ؟
* فعلاً القرار بالنسبة لنا وللدول المتعاطفة معنا لم يكن، لأننا إذا اعتبرناه كان فإننا سنسلم الرئيس وكوشيب ولم نعتبره تماماً لأنه بالنسبة لنا ليست قانوني، لأن المادة (13) التي تعطي مجلس الأمن حق الإحالة فإن المجلس لم يفهمها أو إنه فهمها وأراد التآمر علينا لأن حق الإحالة للدول الأعضاء في ميثاق روما.
** كيف تنظر إلى قرار طرد بعض منظمات الإغاثة؟
* قرار الطرد قرار ممتاز لكنه جاء متأخر جداً، أذكر أننا في منظمة سند قمنا بزيارة إلى منطقة الجنينة قبل حوالي ثلاث أو أربع سنوات وفي ذلك الوقت اشتكى الوالي والحكومة من المنظمات، وذكروا بأن المعسكرات يوجد فيها جو عدائي ضد الحكومة وضد السودان، ففي ذلك الوقت كان يعلم كل المسئولين في الخرطوم وفي دارفور إن هذه المنظمات عميلة وتدس السم في الدسم وكانت تسرب معلومات حتى لأوكامبو، لذلك القرار جاء متأخرا، فقانون المنظمات لا علاقة له بالقانون الدولي وهذه المنظمات جاءت بقانون سوداني.
** ماهي الآثار المترتبة على السودان بعد طرد هذه المنظمات؟
* هنالك آثار داخلية يمكن أن تُحدث فجوة ولابد من سدها بالأموال والإغاثة، ولكن الآن الإخوة في العون الإنساني أكدوا لنا أنه لا توجد مشكلة إلى الآن، ربما تحدث دوشة مثل التي يقودها الآن أوباما وبان كي مون ولكن سنضرب بها صفحاً.
** البعض ينظر إلى طرد المنظمات بأنه رد فعل غاضب من الحكومة السودانية؟
* أغرب شيء إن قرار الطرد لم يكن رد فعل ولكن من الصدفة أنه جاء في اليوم الثاني من القرار لكن هذه المنظمات سبق وأن أنذرت.
** عن ماذا يسفر تحرك فرنسا السريع إلى مجلس الأمن بعد طرد المنظمات بشأن إدانة السودان في هذا الاتجاه؟
* فرنسا دولة استعمارية ولا زالت عقليتها استعمارية، ففي وسط وغرب إفريقيا نجد استعمار ثقافي تام، ومن الناحية العسكرية نجد أن هنالك جيش فرنسي كامل في تشاد، لذلك تتعاطف معها فهي رأس الرمح في هذه المسألة هي وعملائها.
** هنالك تخوف من أن ينجح مجلس الأمن في إدانة السودان لطرد المنظمات بعد أن أخفق؟
* بالفعل فقد سبق من قبل أن أصدر مجلس الأمن أكثر من (16) قراراً، وكما قال الرئيس (ليبلوها ويشربوا مويتها).
صحيفة الوطن[/ALIGN]