تحقيقات وتقارير

الأفلام الإباحية: أمراض نفسية ومشاكل زوجية.. الطريق إلى الـخطر


ثمة مهدد خطر بات يتربص بالمجتمع السوداني فيستلب كثيراً من قيمه وموروثاته، كما يستلب عقله وقلبه اللذين بحثوا تباعاً تحت وطأته، فغُيبوا عن قيم الحق والفضيلة وضلوا سواء السبيل. ولعل خطورة مشاهدة الأفلام الإباحية التي جعلوا من مواقعها الإلكترونية مستوطنة يعبثون فيها طوال النهار وآناء الليل تكمن في التداعيات التي تتمخض عنها، فنظرة، ثم إعجاب، ثم تطبيق يفضي بك إلى متاهات ومنعطفات أخلاقية غاية في التردي، ومن ثم يصير هذا الدرك الأخلاقي واقعاً بإفراز أطفال ينتهي بهم المطاف وصمة اجتماعية.
بيد أن مهدداً أسرياً آخر ينبثق من هذه الرغبة المشاهدة والولع بها، وهو نسف الحياة الزوجية والعلاقات الطبيعية المفترضة لاحقاً للشباب، وتؤدي إلى تدميرهم تماماً، الأمر الذي يعرقل سير حياتهم الخاصة قبل وبعد الزواج.. ولأهمية القضية رغم أنها من المسكوت عنه، فإن دراسات عديدة انبنت على أساسها، فضلاً عن اهتمام علم النفس والطب المختص ورجال الدين بها.. فماذا قال هؤلاء في سياق هذا التحقيق؟؟

نسب مزعجة
تؤكد بعض الدرسات أن مشاهدة المناظر الإباحية تنعكس بشكل خطير على صحة الإنسان، وكذلك على حالته النفسية والاجتماعية خاصة على أسرته وزوجته، وجزم باحثون أستراليون بأن الأشخاص الذين يشاهدون الأفلام الإباحية أكثر عرضة للقلق النفسي والتوتر. كما حذر عدد كبير من علماء النفس من مشاهدة هذه الأفلام لما تتركه من آثار نفسية كبيرة, وتكون مدخلاً لعلاقات حقيقية تنتهي بالايدز والأمراض الجنسية الخطيرة. وأثبتت دراسة أمريكية أن (7%) من ممثلي الأفلام الإباحية والذين يظهرون في الصور- التي تحقق عوائد سنوية عالمية بقيمة (20) مليار دولار أمريكي- يحملون فيروس الايدز.
ومن جهة أخرى، قالت الدراسات إن احتمال النظر إلى المواد الإباحية يكون أقل بنسبة (63%) عند الأشخاص السعداء في زواجهم، وأقل بنسبة (45%) عند الأشخاص الذين لديهم أولاد مراهقون في البيت، كما ثبت أن أكثر من واحد في كل عمليات بحث على الهواتف المحمولة هي لمواد إباحية، ويستخدم حوالي (64-68%) من الرجال الراشدين الشباب وحوالي (18%) من النساء المواد الإباحية على الأقل مرّة واحدة في الأسبوع.
فقدان الثقة في النفس
وقال اختصاصي الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم وأمراض الذكورة الدكتور «مدني ابنعوف» لـ(المجهر), إن هذه الآثار تتوقف على ظروف المشاهد المختلفة، منها العمر والتجربة الجنسية وما إذا كان الشخص متزوجاً أم لا، فضلاً عن ثقافته الجنسية والعلمية والطبية.
وفي حال كان الشخص غير متزوج وليست لديه تجارب جنسية وثقافته العلمية والجنسية متواضعة، فهي تدخله في موقع المقارنة وعدة تساؤلات منها (هل يا ترى لديه القدرة على ذلك أم لا؟ وهل الطرف الآخر سيكون كذلك؟) فيجد نفسه في دوامة وتفكير مستمر، فيقوده الأمر إلى فقدان الثقة في نفسه.
ليس ذلك فحسب، بل وحسب قول دكتور «ابنعوف» فإن هناك ثمة مقارنة تعقد في أحجام الأعضاء التناسلية التي عادة ما تظهر في الصورة بحجم أكبر يجعل المشاهد يقلل من حجم أعضائه، معتقداً أنها غير عادية، ومنهم من يساوره الشك فيخفي ذلك مفضلاً الصمت، لكن بطريقة أو بأخرى يؤثر الأمر ويظهر في كل تصرفاته، وهناك من يلجأ إلى الطبيب مضخماً مشكلته مطالباً بحلها بأية صورة، فيبذل الطبيب جهداً في إقناعه بأن الأحجام تتفاوت، كما أن الحجم ليس بمشكل في الممارسة الجنسية فهو ضمن منظومة كبيرة.

سلاح ذو حدين
واستطرد دكتور «ابنعوف» أنه وفي حال كانت مشاهدة الأفلام الإباحية من قبل المتزوجين فهي تعدّ سلاحاً ذا حدين، لأن منها ما يكون سبباً للإثارة المفقودة في الطرف الآخر وهذا يساعده على الممارسة، ومنهم من يفكر وينشغل بعملية المقارنة فيكون ذلك سبباً في عجزه الجنسي حيال الطرف الآخر، على أن الأخطر أن يجد البعض في مشاهدتها متعة تغنيه وتبعده من الممارسة الفعلية فيتحول إلى مدمن مشاهدة بعيداً عن الفعل.
عزلة نفسية واجتماعية
وعن الجانب النفسي المتمخض عن أدمان مشاهدة الأفلام الإباحية أوضحت المحاضر بجامعة (الأحفاد للبنات) الأستاذة «هادية حسب الله» بقولها: (المشكلة أن الأفلام عبارة عن منتج، وأي منتج يسوّق تضاف إليه تحسينات، فهذه الأحجام غير حقيقية، والرومانسية مجرد تمثيل, وعندما يواجه الشاب الجنس الحقيقي يشعر أنه أقل إثارة، كما تحس الشابة بأنه أقل رومانسية مما يدخلهما في حالة إحباط كبيرة)، وأضافت إن مشاهدة الأفلام مرتبطة بممارسة العادة السرية, وهي في الغالب تخلق عزلة نفسية، فأنت تثير نفسك وتمتعها، وهذا يؤدي إلى عزلة اجتماعية- على حد تعبيرها.
ومضت أستاذة «هادية» بقولها إن المخ يوزن على وقت محدد للقذف، وفي الممارسة الحقيقية سرعة القذف تدخل الطرف الآخر في حالة من الإحباط، وبدلاً عن معالجة الموضوع بترو يلجأ عدد من الرجال إلى العنف الجنسي، وفي حالات أخرى إلى الإعتداء بالضرب وذلك عندما يشعر أنه غير قادر على إشباع الزوجة.
أدلة من الكتاب والسنّة
ويقول عضو هيئة علماء السودان الشيخ «محمد هاشم الحكيم» مستشهداً بالكتاب والسنّة: (لا شك أن البصر من نعم الله التي أمر بحفظها لأنه مسؤول عنها.. «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا».. كما أمر تعالى بغض البصر « قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…».. فمن لم يغض بصره فقد خالف أمر الله، وعرض نعمة البصر التي أنعم الله عليه بها للزوال، وهي نعمة لا يعرف كثير من الناس قيمتها إلا عند فقدهم لها). وأضاف إن البصر شاهد أمام الله تعالى على صاحبه.. (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فيخاطب المرء جوارحه.. (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا..).. لمَ يا عين تشهدين؟! لمَ يا سمع تشهد؟! ولكن الجواب أعظم (.. قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..).
مقولة رئيس وزراء إسرائيل
وزاد بقوله: (من المعلوم أن الجنس قيمة نفسية أباحها الشرع في الإطار المشروع بين الزوجين.. «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»).
وقال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).. وقال «صلى الله عليه وسلم»: (العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام.. والقلب يشتهي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه).
وقال «الحكيم»: (أيضاً لا شك أن الأمة الإسلامية مستهدفة في قيمها وأخلاقها)، واستصحب حديث رئيس وزراء إسرائيل السابق عندما قال: (كأس وغانية تفعلان في أمة محمد ما لا يفعله ألف مدفع).. وقد عمّت البلوى بانتشار الأفلام والصور الإباحية وتيسر وصولها للجميع، والتثقف بها أصبح وسيلة لهدم البيوت والحض على الخيانة وإشاعة الجنس.. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ..)، ولا يختلف عاقلان في تحريم النظر إليها لما يترتب عليها من مفاسد واعتداء على الأعراض، وتغول على القيم الشرعية ودعوة للفاحشة.
التثقيف الجنسي المباح
ويضيف الشيخ «الحكيم» ينبغي مراقبة الذي لا تخفى عليه خافية قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).. وقال: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ..).. وفي رأيي- والحديث لـ»الحكيم»- أن هاتين الآيتين تكفيان، لمن استشعر عظمتهما وأدرك معناهما.
وينبغي على ولاة الأمور سد المنافذ لذلك، باستجلاب الأجهزة الرقابية وبذل الجهد في إغلاق الدور والأمكنة التي تبثها، والتشويش على القنوات الفضائية التي تتاجر فيها. ولفت شيخ «هاشم» إلى أن الأسرة صاحبة الدور الأعظم في التربية والتهيئة والتثقيف الجنسي المباح والمراقبة، وينبغي شغل المراهقين والشباب عن ذلك بالبرامج النافعة ومراقبة الفراغ السياسي والاجتماعي في نشاط الشباب، الذي أصبح أغلبه منغلقاً على نفسه، وتحوّل الترفيه للذات بدلاً عن المجتمع.
قصص تنذر بالخطر
وروى الشيخ لـ(المجهر) قصته مع ثلة من الأطفال، منوهاً من خلالها إلى خطورة وصول الأطفال إلى تلك الأفلام والصور.. قال: (سألت تجمع أطفال أقل من 11 سنة بعد حادثة طفل قبض عليه متلبساً بالدخول إلى موقع إباحي بالجوال، فقالوا لي: كلنا نعلم بس بنمشي نكتب كلمة جنس ونشوف الصور).. وأم أخبرتني أن طفلها وقف أمام الكمبيوتر ليشاهد ما نسيه أبوه مفتوحاً من أفلام إباحية، كما تشكو زوجات من إدمان أزواجهن لهذه الأفلام حد أن البعض يصرّ على المشاهدة المشتركة ويطلب من الزوجة أن تفعل كما في المشهد، مذكراً بحرمة العائد من ذلك مادياً.
وختم بقوله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).. فالفطرة السليمة والأعراف المستقيمة تستنكر هذا الأمر.

أسماء علي–المجهر