تحقيقات وتقارير

صحة الرئيس: عامان ولا شيء يربك (الوطني) مثل شائعات متواترة عبر “الأسافير”.. القصر يبارح محطات الصمت الرسمي

[JUSTIFY]على مدار عامين والحزب الحاكم يغالب متوالية عددية من الأزمات، أي منها تؤدي إلى الأخرى، بدءً بالأزمة الأخلاقية لانفصال الجنوب معطوفة بتجفيف حقول النفط التي تكلس معها الاقتصاد فزاد ذلك من حدة السخط الشعبي الذي تجلى في سبتمبر الماضي، وتصدعت منه جدران النادي الكاثوليكي، فحاول تداركه بالمزايدة على جوبا حيال العائدات النفطية، فكان التوتر العسكري معها، وارتفاع كلفة الحرب بالوكالة مع المتمردين، ما أثر مجدداً على الاقتصاد الذي خنقته المزايدة أكثر لأنها رفعت من وتيرة العزلة الدولية وانضم إليها شيئاً من العزلة الخليجية.. لكن كل هذا لم يشغل الحزب الحاكم كما شغله الوضع الصحي لرئيسه، بوصفه محور التماسك الوحيد للحزب الوحيد.

عامان ولا شيء يربك الحزب الحاكم كما تربكه الشائعات التي تتناقلها “الأسافير” والتي لا تمل من الحديث عن مرض الرئيس، وكان من عوامل تغذية الشائعات في البدء الصمت الرسمي. حيث لم يكشف عن العملية التي أجريت له في الحنجرة في أغسطس 2012 بالعاصمة القطرية الدوحة، إلا بعد مرور شهرين، لتضع حداً للتكهنات.

وكان هذا الصمت كفيلاً بانتقاده من الداخل وهو ما سلكه وزير الدولة برئاسة الجمهورية وقتها أمين حسن عمر بالقول: “ربما أخطأت الجهة المسؤولة عن إعلام رئاسة الجمهورية بعدم إصدار تقرير مبكر قبل رواج الشائعات عن وضع الرئيس الصحي”. وإفادة عمر التي نقلتها عنه صحيفة (الشرق الأوسط) اكتسبت أهميتها يومذاك لأنها تزامنت مع عملية جراحية ثانية أجريت للرئيس في الحنجرة بعد أقل من ثلاثة شهور وتحديداً في نوفمبر بالعاصمة السعودية الرياض زادت معها حدة الشائعات رغم كشف القصر الرئاسي عنها مسبقاً ووصفه لها بأنها “عملية صغيرة” لسبب بسيط هو الشح في تزويد الرأي العام بتفاصيل العملية التي كلفت البشير 10 أيام في عاصمة المملكة. وبالطبع، تزداد أهمية إفادة عمر لتزامن العملية الثانية مع محاولة الانقلاب التي اتهم فيها مدير الأمن السابق صلاح قوش والعميد ود إبراهيم واللذين نسبت إليهما السلطات جريرة الشائعة لخلق بلبلة تمكنهما من إنجاح انقلابهما.

ولهذه التعقيدات سارع القصر في مارس الماضي لوأد شائعة عن رفض الأردن استقبال البشير لإجراء فحصوات طبية ووصفها بأنها “اختلاق ساذج” واستشهد بممارسة البشير لمهامه آنذاك بشكل عادي. حيث استقبل الرئيس التشادي إدريس ديبي في بورتسودان ومكث فيها عدة أيام وسافر بعدها إلى أديس أبابا للمشاركة في قمة “إيقاد” وغيرها من المهام المعلنة.

ولأن حبل الشائعات لا ينقطع سارع القصر الجمهوري بإعلان العملية الجراحية التي أجريت للبشير في مفصل الركبة بمستشفى رويال كير، لأن شاهداً ما كان يدل على شيء غير طبيعي وهو غياب البشير عن وداع نظيره الإريتري أسياس أفورقي بمطار الخرطوم السبت الماضي رغم أهمية الضيف الذي قضى عنده ثلاثة أيام، فما أجج شائعة السرطان بالأساس هو عزوف البشير عن خطاباته الجماهيرية التي اشتهر بها بعيد إجرائه لعملية الدوحة الأولى.

ورغم إفادة عمر التي مضى فيها بوعد تحقق نسبياً: “لن نخفي وضع الرئيس الصحي عن الشعب لأن المرض والصحة بيد الله سبحانه، ولا توجد ضمانة إلهية بأن لا يمرض أحد”، إلا أن السؤال المحوري هنا.. لماذا كل هذه الجلبة حيال وضع صحي ثبت علمياً أنه طبيعي وغير خطير؟. فالوضع الصحي لأي رئيس في أي بلد من بلدان الغرب الأوروبي أو الأمريكي لا يبدو حساساً كما هو في البلدان العربية والأفريقية. حيث يعلن هناك عن أي شيء مسبقاً حتى وإن كان داءً لا يتطلب سواء حبة “إسبرين” بينما يتطلب هنا كل شيء.!

والسؤال غاية في البساطة بالنسبة للمحلل السياسي حاج حمد محمد خير الذي يجيب عليه “هذا الوضع يعود إلى طبيعة الأنظمة في دول العالم الثالث التي تتطلب قدراً كبيراً من السرية، لأن القضية مرتبطة بتوريث الحكم الذي عادةً لا تكون هناك ضوابط تحكم المتنافسين عليه”. ويجمل حاج حمد رؤيته باختصار “الرئيس هناك يستمد قوته من المؤسسة وهي التي تعبر عنه ولا شيء يحدث بغيابه، أما هنا فالمؤسسة تستمد قوتها من الرئيس وهو الذي يعبر عنها ولا تعني أي شيء بغيابه”.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]