منوعات

مواعين السودان القديم: الأزيار في الصيف.. للماء قيعان خزفية باردة


[JUSTIFY]صناعة الفخار أو الخزف واحدة من أقدم الحرف اليدوية التي عرفها الإنسان، فكان الخوف هو المادة الرئيسية لصناعة الأواني المنزلية كالصحون والطناجر والجرار والأكواب والأزيار، وكان بجانب ذلك وإلى وقت قريب تصنع منه عناصر الديكور المنزلي بالداخل والخارج، ولعل الأزيار هي واحدة من أهم المصنوعات الخرفية يدوياً، وزير الماء في شكله التقليدي هو آنية خزفية أسطوانية الشكل تتسع في وسطها، وتضيق قاعدتها، لها عنق دائري أطول من عنق الجرة، وربما كانت قاعدته أكثر اتساعاً كما في بعض الأماكن في السودان.
طين محروق
وغالباً ما تصنع الأزيار من الفخار أو الطين المحروق، وتستعمل لحفظ ماء الشرب وتبريده بعد جلبه من الآبار أو الينابيع. ويمتاز الزير بقدرته على تبريد الماء وتنظيفه من الشوائب بشكل يستسيغة الشارب.
وتبعاً لسنة الحياة فى سيرها وتقدمها للأمام، تطورت أشكال واستخدامات الفخار بصورة عامة على أيدي حرفيين مهرة لم تتوقف عقولهم عن التفكير في تطوير هذه الحرفة وابتداع أشكال منها تواكب روح العصر من خلال النقوش جذابة التي تنضح بروح الأصالة وروعة الحاضر.
بدائل حديثة
ورغم احتفاظ البعض بهذه الحرفة إلاّ أن هذا الاهتمام لم يوقف عجلة سيرها نحو بؤرة الخطر والاندثار والزوال خاصة الأزيار التي تعد من أهم الصناعات الفخارية، وخطر زوال الأزيار على أهميتها يعود بسببه لعدة عوامل أهمها اتجاه الناس لاستخدام بدائل أخرى كالثلاجات وغيرها.
تراجع ملحوظ
والشاهد أن الأزيار تراجعت وتكاد تكون انحسرت لما وجدته من منافسة من المبردات بأنواعها (الثلاجات والكولر)، والحافظات الموضوعة الآن على شوارع الخرطوم بمياهها (المثلجة)، إذ نافست هذه الأشكال من (السبيل)، إذ استغنى كثير من الناس من استخدام الأزيار لوجود إقبال شديد من الثلاجات التي يفوق أداؤها الأزيار، ولكن هذا لا يمنع بأن الزير مازال محتفظاً ومتمتعاً بمكانته خاصة في الريف السوداني الذي يحتفظ بها كارث قديم تتناقل من الأجداد وفوق ذلك، فهي صحية 100% ونقاع الزير يعد أنقى وأصفى من المياه (المصنعة والمعبأة في قارورات)، وهي ما يعرف بالمياه الصحية.
خاصية إعادة الماء لطبيعته
ولكن للأزيار خاصية في إعادة الماء إلى خواصه الطبيعية الأولى، فهي بالضرورة بمكان وجودها في المنزل. و(المزيرة) أو(السبيل) عادة سودانية مازلت تجد اهتماماً عند الكثير من الأسر السودانية، إذ يضعونها خارج المنزل تحت ظلال الأشجار أو عمل مظلات خصيصاً لها ليشرب منها كل عابر سبيل أو طريق من شدة حر السودان وسخانة نهاراته خاصة في فصل الصيف سيما وأن مياه (الزير) لها نكهة خاصة وهي تروي (العطش)، أكثر من مياه الثلاجة وفوق كل ذلك، فهي صحية كما أسلفنا سابقاً.
أزيار على حافة القبور
وبالقرب من مقابر أحمد شرفي توجد الكثير من الأزيار كثيرة موضوعة ومرصوصة، (ومندية) استطلعنا صاحبها وهو (عابدين درمة) حفار القبور المعروفةن الذي أجابنا قائلاً: نملك (30) زيراً نضعها على أشجار خارج المنازل لتكون سبيلاً لمن هو عطشان، وهذه الأزيار من زمن آبائنا كل ما يتكسر زير نأتي بغيره على الأقل يكون عمره 10 سنوات، وذلك رغم أعمال النظافة و(الحك)، ونحنا نقوم بنظافتها بصورة دورية كل شهر ثلاث مرات، وخرطوم المياه يكون مفتوحاً على طول فيها، وأنا بالقرب منها أراقبها حتى تمتلئ، ويشرب منها لاعبو كرة القدم بملاعب الليق المقابلة لمنزلنا، وهذه المزيرة موقعها أيضاً قريب من القضائية، لذا كلهم يشربون منها كما يشرب منها كل من يعبر بهذا الطريق.
درويش يرتوي من (النقاط)
كما قال (درمة) إنه يتذكر ذات يوم، جاء إليه رجل وهو درويش في شكله لا يشرب من المياه التي توجد في داخل الزير، وإنما يشرب الماء التي تنزل من نقاع الزير، فأدخل راسه تحت الزير وشرب منها، فسألته لماذا؟ فرد قائلا أنتم وضعتم الأزيار لتكسبوا أجراً، فالماء التي تنزل من نقاع الزير تعد أجرا .

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]