رأي ومقالات

مقداد خالد: السُفيانية الجديدة .. الصحفي الذي يدخل (دار الأمة) فما هو بآمن

(لو فقد “بهرام” في كل مرة يدافع فيها عن المهنة زر قميص، لسرنا نحن الصحفيين مستقبلاً بلا ثياب).

(1)حين صدر فرمان من منتسب حزب الأمة القومي بإلقاء الزميل بهرام عبد المنعم خارج دار الأمة، قال عتاة غلاظ (آمينا). فكان أن رأينا بأم أعيننا بهرام وهو مدفوع نواحي الخارج، بعد أن تساقطت بعض من عرى قميصه. خرج تشيعه اللعنات، فيما يُسَب زملاء مهنته.

أحد أنصار المهدي (أدكر) بعد أمة جذور أجداده الذين اجتثوا رأس غردون؛ فأمر بقطع رأس بهرام، فقال (اقطعوا رأسه) ولو استمر المشهد الدراماتيكي لثوانٍ أخرى لحول العتاة فرمانه ـ كذلك- إلى بيان بالعمل ولجلبوا له رأس بهرام في (مخلاية).

(2)وقتئذٍ تدخل الصحافيون لحماية زميلهم، وتدخل العقلاء أيضاً، على نحو ما فعل القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل) محمد ضياء الدين؛ مذكراً الغوغائيين المحيطين ببهرام بموقف الشاب الذي اعتاد لبس مسبحة في يده، على أيام سبتمبر. موقف تمناه الجميع بما في ذلك قادة الأحزاب أنفسهم.

(3)بهرام في سبيله للخروج، يجعلنا نتذكر كيف دخل الصحافيون في خضم ذلك كله. فحين انتصفت شمس الأمس في كبد السماء، التأم شمل الصحافيين بدعوة من حزب الأمة لحضور مؤتمر صحفي حول ملابسات اعتقال رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي. وفعلاً لبى حملة الأقلام الدعوة بكثافة، فكان أن حضروا من كل صحيفة مثنى وثلاث ورباع.

وضمن قاعة ضيقة لاحت بوادر شيء يعتمل في الغيب، إذ اتخذ الصحافيون مكاناً شرقيًا وحفهم شباب أنصاري هم والصحافيون ارتدوا أزياءً (إفرنجية)، ومن ناحية الغرب جلس الأنصار بعمائمهم وجلابيبهم الموسومة بـ (أم جكو) بينما شكلت المنصة التي جلس فيها رئيس الحزب بالإنابة اللواء فضل الله برمة ناصر، ونائب الرئيس الفريق صديق محمد إسماعيل، والأمين العام سارة نقد الله، والقيادية مريم الصادق المهدي.

الشيء الذي أحس الصحفيون بأنه واقع لا محالة بدأ في التشكل بصعوبات قابلت المنصة في إدارة الأنصار خلال المؤتمر المفترض أنه للصحافيين. الهتافات كانت تنطلق بحماسة دون مراعاة لتصريحات المنصة، ولذا كثيراً ما وقفت سارة مخاطبة الأنصار بمراعاة النظام، وأحياناً تستجديهم بعبارات من شاكلة (الله يرضى عليكم يا أحباب)، وأحياناً تحسمهم كما فعلت مع أحدهم بأن (التزم النظام يا زروق).

(4)الشد الكبير في المؤتمر الصحفي الذي صُلب بعض مدعويه من الصحافيين وقوفاً، بدأ بأن نهض رجل (هتافي) في ترديد شعارات تشتم النظام، إلى هنا والأمر عادي، لكن ما جعله استثناء توجهه تلقاء الصحافيين مستنكراً انتظاره الفراغ من الحالة التي تتلبسه ومن ثم سؤالهم بعنف وهم الواقفون على مسافة واحدة من الجميع بحسب ما تقتضي مهنتهم: (مالكم ساكتين؟).

وحين فتحت الفرصة لأسئلة الصحافة، انفتحت عليهم طاقة جهنم، فوقت نعت رئيس تحرير (المستقلون) أسامة عوض الله صحيفته بأنها معارضة، أنبرى له أحد شباب الحزب بعبارة تعميمية حارقة طالت أثواب الجميع: (كلكم أمن). وقتها بدأ الجانب الشرقي يضج فالزميل بالصحيفة خالد فرح أنبرى مدافعاً عن الصحافيين، وحين أمسكت الزميلة بـ (الرأي العام) أم زين آدم بالمايكروفون سائلة عن موقف ابن المهدي العقيد عبد الرحمن من نظام يعتقل والده وهو أحد رجالات القصر البارزين، حينها انفجرت الأوضاع إذ هاجمها بعض الأنصار (الشرقيين) وتكررت الإساءات لها ولرصفائها بانتماءاتهم للأجهزة الأمنية، وحينها فقط قرر خالد ورفاقه الخروج، وفي طريقهم ناحية باب القاعة لفحتهم منتمية للحزب بعبارة (الداير يطلع يطلع).

(طلعنا) جميعنا زملاء وزميلات، وحين انتظرنا بعض إنصاف من المنصة فجعنا باللواء برمة ناصر يعلن نهاية المؤتمر وزادنا كيل بعير بأن (الطالع يطلع).

(5)وفي فناء دار الأمة، وشارع الموردة وصلت الغرائبية أقصى حدودها، إذ سمعنا أقذع النعوت، فاتُهمنا بـ (أنه يعوزنا الاحترام، ونأخذ الرشوة، ونوالي الحزب الحاكم، ونتبع لأجهزته الأمنية).

الدم غلى في رأس بهرام، وخالد فرح، ولؤي عبد الرحمن، وزهير عثمان، وفاطمة غزالي أربعتهم انخرطوا مع مطلقي التوصيفات المسيئة في حوارات شديدة اللهجة والكلمات. صحيح؛ الكلمات لم تتحول للكمات ولكن لولا (الحجازين) لحدث ما لا تحمد عقباه.

ولعلّ من المضحكات المبكيات أثناء حوارات الزملاء وبعض الأحباب أن أخذ بهرام المنتمي لمؤسسة (اليوم التالي) بجريرة أنه يعمل ضمن طاقم صحيفة عنونت اليوم في مانشيتها (إلقاء القبض على الصادق المهدي) واضعة المهدي في قوائم النهابين (حد تعبيرهم)، وأدين الزميل المصور بـ (رمتان) محمد الفاتح بأنه يكتب عمودًا موالياً للحكومة! فيما اشتبك آخر مع الزميل خالد فرح لأنه لا يصدر كتاباته عن الإمام الصادق المهدي بكلمة (سيدي)!!

(6)شارع الموردة تحوّل لساحة حرب كلامية بين الصحافيين والمسيئين لهم، حروب كانت نتيجتها توقف السيارات، وتجمهر المارة، فيما تأهبت عربة شرطة ربضت على مقربة من الدار لعملية (التدخل السريع).

وبعد لأي كبير حشرنا خالد فرح في سيارة مغادرة مع بعض الزملاء. الزملاء الذين ما كنا ننزع أحدهم من يد المسيئين، إلا ونفاجأ بآخر اصطدم بهم. وبعد أكثر من ساعة جاهد خلالها عبد المنعم أبو إدريس، وأحمد يونس، وخالد عبد العزيز، ومزدلفة محمد عثمان في حمل الصحافيين نواحي السيارات، فأودعوا بهرام سيارة مزدلفة، وفاطمة سيارة أحمد يونس، ولؤي وزهير سيارة (الصيحة).

(7)تقتضي الأمانة الإشارة إلى أن د. مريم الصادق، ومحمد زكي، ود. ياسر فتحي، ما فتئوا يحاولون الاعتذار للصحافيين. حاولوا رغم استمراء البعض مقاطعته إياهم للتنكيل بالصحافيين، وأصر ثلاثتهم على جمع الصحفيين مجددا لمعرفة ما جرى، وحثّهم للتأشير على كل من داس لهم طرفاً.

بيد أن كل تلك المحاولات ـ والتي نقر بنبلها- قد باءت بالفشل، لكونها لم تتم في منصة المؤتمر، ونبعت عن مبادرة (شخصية)، وجاءت وسط أجواء مشحونة، وعقب مغادرة عدد ممن تم الاعتداء عليهم للموقع، بل وبعد أن سبق السيف العذل.

(8)عليه يتوجب على الزملاء الهضيبي يس، وأم زين آدم، والبقية، وقبل أن يثبوا من أسرتهم عند الخامسة فجراً لمرافقة الإمام في رحلاته الولائية، ألا ينسوا بأن كل ذلك الجهد يمكن أن يروح (شمار في مرقة). هذا إن لم يكونوا (الشمار) في (مرق) الأمة الذي يغلي قدره بأكثر من عامل، ليس بينها مطلقًا (الصحافة).

الخرطوم: مقداد خالد: الصيحة

الاثنين 19 مايو 2014

تعليق واحد

  1. السؤال يا مقداد هل الصحافة في السودان توالي الحزب الحاكم؟
    لأول مرة نسمع بالتصفيق في المؤتمرات الصحفية
    لقد أدمت أيادي الصحفيين من التصفيق في المؤتمر الصحفي لحمدتي.
    بالتأكيد هنالك الكثير من أهل الصحافة يحترمون مهنتهم ولا نؤيد الاعتداء على بهرام وزملاؤه
    بشهادة بهرام نفسه أنه مرق سليم من المؤتمر الصحفي الشهير بتاع احمد بلال والخضر وعاملوه بلطف بعد توصية الخضر