رأي ومقالات

د. عوض الحسن النور : دور القاضي الجنائي في تطبيق الدستور

[JUSTIFY]الأخوة القراء الكرام
انقطعت صَلَّتي بالنشر منذ عام وما بعثني على الكتابة أمور ثلاثة : اولا سعادتي بان يعتلي امر القضاء الأخ الكريم دكتور حيدر احمد دفع الله الصديق والأخ الكريم الاجتماعي النبيل والذي لا أودّ ان أطيل في الثناء عليه فقط أرجو له التوفيق ونجاحه نحاج كل من سعى ويسعى الى الإصلاح القضائي وما نتوقع ان يحدثه من تطوير وخاصة في مجال التدريب القضائي الذي باشره داخل وخارج السودان . والثاني قضية الردة والحكم الصادر بالإعدام في حق المدانة مريم رغم ان الحكم لم ينشر ولم نطلع على حيثياته ، حيث إن كثير من الأحكام الناضجة يرد على ما يثيره الرأي العام وليس هناك ما يمنع نشر الحكم ولو كان قابلا للطعن فيه ، والثالث هو تصريح الدكتور الفاتح عز الدين رئيس المجلس الوطني ، إن الحكم بإعدام الفتاة المتهمة بالردة حكم ابتدائي، وسيتدرج في مراحل القضاء المختلفة إلى أن يصل الى الدستورية
وقبل الحديث عن الردة يثور السؤال كيف للقاضي اذا ما وجد تعارضا او خلافا في النصوص بين القانون والدستور والمواثيق الدولية ام ان القاضي المدني او الجنائي يطبق النص القانوني رغم مخالفته لهما ويبقى الشخص بمواجهة زنزانة الإعدام استئناف وطعنا ثم الدستورية وتنتظر الدولة سهام الانتقادات الدولية من دولها ومنظماتها وقتا طويلا ؟ ومثالها حد الردة
النص في القانون الجنائي :
126ـ يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة .
(2) يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصرعلى ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام، يعاقب بالإعدام .
(3) تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ .
النص في الدستور :
المادة 24: حرية العقيدة والعبادة
لكل انسان الحق في حرية الوجدان والعقيدة الدينية، وله حق إظهار دينه أو معتقده ونشره عن طريق التعبد أو التعليم أو الممارسة، أو أداء الشعائر أو الطقوس، ولا يكره أحد على عقيدة لا يؤمن بها أو شعائر أو عبادات لا يرضاها طوعاً، وذلك دون إضرار بحرية الاختيار للدين أو ايذاء لمشاعر الآخرين أو النظام العام، وذلك كما يفصله القانون.
النص في المعاهدات الدولية
1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
إلزامية المعاهدات الدولية والدستور :
يقول الله تعالى وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم. ويقول الدكتور محمد طلعت الغنيمي ان الدولة الاسلامية لها الدخول في معاهدات مع الدول طالما كان موضوع المعاهدة مشروعا في حكم النظرية الاسلامية .
وقد وضعت اتفاقية فينا لأحكام المعاهدات الأحكام التي تنظم على الصعيد الدولي التزام الدول تجاه بعضها وهي اتفاقية جماعية أبرمت في نطاق الامم المتحدة ودخلت طور التنفيذ في ١٩٨٠ وقد وقعت السودان على المعاهدة في ٢٣/٥/١٩٦٩
وقد ثار التساؤل بمدى التزام المحاكم السودانية بالمجاهدات الدولية والتقيد بنصوصها واعتبارها جزء من قوانين السودان وقررت المحكمة على لسان رئيسها العالم دكتور على ابراهيم الامام متعه الله بالصحة وهو يعمل رئيساً لمحكمة التمييز دبي لتطبيق المعاهدة ببحث هذه المعاهدات هل تم بواسطة الدولة المصادقة عليها او الانضمام إليها، وان المحكمة بحثت ووجدت ان السودان قد انضم الى معاهدة وارسو لتوحيد بعض قواعد النقل الجوي لسنة ١٩٢٩ كما صادق على تعديل المعاهدة الواردة في تعديل لاهاي لسنة ١٩٥٥ بموجب القرار الجمهوري ..كما انه في سابقة الياس خليل يارد والتي أرست ان المعاهدة لا تنفذ الا اذا صادق عليه مجلس الشعب …… وبذلك قررت المحكمة أن الاتفاقية في السابقة الاولى تشكل جزء من قوانين السودان حيث صادق عليها السودان وفقا للدستور وبهذه الصفة تكون واجبة التطبيق للفائدة يمكن الرجوع الى سابقة علي الخضر ابراهيم ضد الخطوط الجوية السودانية المنشورة في مجلة الأحكام القضائية 1987 وفي الثانية رفضت المحكمة الدستورية التطبيق حيث إن المعاهدة وإن صدر بها قرار جمهوري إلا ان مجلس الشعب لم يصادق عليها
كما نص الدستور على ان الدستور القومي الانتقالي هو القانون الأعلى للبلاد، ويتوافق معه دساتير الولايات وجميع القوانين. كما ينص قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤ وهو من اهم القوانين ان لم يكن أهمها على انه اذا تعارض اي نص في اي قانون مع اي حكم من احكام الدستور تسود احكام الدستور بالقدر الذي يزيل التعارض وأرجو ان يطلع الأخوة على كتاب المستشار العالم عبد الحافظ في كتابه الصياغة التشريعية . كما نص الدستور تحت عنوان حُرمة الحقوق والحريات على :
48- مع مراعاة المادة 211 من هذا الدستور، لا يجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة، وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأُخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها في الدولة وفقاً للمادة 142 من هذا الدستور.
وفي تقديري ان لكل محكمة وكل قاض ان يودي دروره في تطبيق المبدأ الصحيح دون ان ينتظر محكمة اخرى اعلى لتذكره وتلغي حكمه ويكون المواطن المتهم قد تضرر من هذا الانتظار دون ذنب جناه وتعويض يستحيل دون الانشغال بأمر الرأي العام .
واذكر وكنت قاضيا اتراس محكمة كبرى في قضية رأي عام بمدينة عطبرة وكان معي عضو شهير من أعضاء مجلس القضاة رحمه الله عندما تداولنا وكان القرار بالبراءة طلب منا ارضاء للرأي العام ادانته وان نترك البراءة لمحكمة الاستئناف حيث يكتفي الرأي العام بذلك ولن يسال فرفضت وزميلي حتى يأخذ القانون مجراه وهذا ما ادينا عليه القسم
وبهذا الترتيب تعلو المعاهدات الدولية على الدستور والقوانين كما ان الدستور هو القانون الأعلى الواجب .
بعد هذه المقدمة أورد السؤال التالي هل هناك تعارض بين النص الوارد في القانون الجنائي والشريعة الاسلامية ودستور السودان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي انضم اليه السودان وأصبح جزءا من قوانين السودان حول الردة ؟ الإجابة بإذن الله في المقالة القادمة .

النيلين
د. عوض الحسن النور
دكتور عوض الحسن النور قاضي المحكمة العليا السابق[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. قمة المتعة ان تقرا مقال لإنسان متخصص في مجاله، خاصة اذا كان الدكتور عوض الحسن النور الذي جمع بين الخبرة العملية والتأهيل الاكاديمي .
    فهل السودان مقيد باتفاقيات دولية صادق عليها تتعلق بحرية الاعتقاد ، واذا كانت الاجابة نعم فهل الردة حد واذا كانت الاجابة بنعم هل التقيد بنصوص اتفاقية يمكن ان يعطل تطبيق حد من الحدود
    نامل ان يواصل الدكتور عوض الحسن النور