تحقيقات وتقارير

النيليّون من النوبيين أصل سكان العالم.. هل صحيح أنّ أولى خطوات البشر كانت في منطقة شرق أفريقيا والسودان؟

[JUSTIFY]الجباه يكسوها العرق.. أبواق السيارات تتداخل وأصوات الناس.. درجة الحرارة تجاوزت الأربعين.. (الكمسنجي) يرفع صوته بالنداء: “جاكسون، جاكسون” ويضع ابتسامته على قارعة الطريق، فيكتسي زفت الزلط بلون آخر وكأنه يعلم ما سيقال داخل القاعة في مركز الأمراض المتوطنة التابع لجامعة الخرطوم.
أرفع صوتك أكثر فأنت أصل العالم. أول من بنى الأرض في الفرض كان سوداني. هنا كانت البدايات الأولى للبشر.. هنا هي المنطقة الواقعة في شرق أفريقيا والتي يقع السودان في إطارها.
البروفيسور منتصر الطيب إبراهيم داخل القاعة الملحقة بمركز الأمراض المتوطنة في كلية طب جامعة الخرطوم يرفع الستار عن الورقة البحثية التي تم إنجازها بواسطة مجموعة من العلماء من شرق أفريقيا ومن المملكة المتحدة ومن الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة باحثين من السودان والتي توصلت إلى نتيجة مفادها أن الدراسات التي قدمت حول المجموعات المؤسسة لجنسنا البشري لم تكن دقيقة بالمعنى المطلوب، وترد عدم الدقة إلى أن هذه الدراسات لم تأخذ عينات من شرق أفريقيا ومن السودان، باعتبار أن الدراسات اثبتت أن سكان تلك المناطق من الفاعلين وراثياً، وهو الأمر الذي دفع بالبروف منتصر لإعلان نتائج الدراسة، التي ستنشر قريباً، والتي أوضحت أن هناك اتفاقاً بين العلماء على أن مجموعات قليلة من السكان قد غادرت شرق أفريقيا مكونة بقية السكان الموجودين في العالم الآن.
الإنسان خطا خطواته الأولى في منطقة شرق أفريقيا؛ وهو ما تقول به الدراسات التي ثبتت صحتها عن طريق تحليل عينات تم أخذها من السودان ومن القرن الأفريقي عن طريق تتبع سلالات وراثية معينة أثبتت نتائجها التنوع الهائل في المنشأ الوراثي، وأن أقدمية سكان القرن الأفريقي تؤكد أنهم يقعون في مكان الجذر من شجرة التطور البشري، التي تم عرضها أمس في المركز، وبحضور عدد كبير من المهتمين في مجالات متعددة.
البروف منتصر بدا حانقاً على عدم اهتمام الإعلام بهذا النوع من الدراسات، وقال مازحاً: “يبدو أنكم ساكين (حميدتي والصادق)”، ولكن حنقه لم يمنعه من إثبات فرضية أن أصل الجنس البشري كان في منطقة شرق أفريقيا أو منطقة الصحراء، وذلك لارتفاع درجات الحرارة، مقارنة ببقية المناطق التي كان يغمرها الجليد بحسب ما أوضحت الصورة، والتي تثبت في المقابل فرضية أخرى، مفادها أن سكان المنطقة هم من قادوا الهجرات إلى الجزيرة العربية، وليس العكس، مؤكداً أن النيليين من النوبيين كانوا هم السكان الأوائل في العالم.
لكن الأمر لم يتوقف عند السبق في ما يتعلق بالوجود؛ حيث أن نتائج الدراسة تشير في جزئية أخرى إلى التوسع البشري في منطقة شرق أفريقيا قبل عشرين ألف عام، باعتباره المدخل للتطور الثقافي المتعلق بظهور حرفتي الزراعة والرعي وهو ما أطلق العنان لتحولات في أنماط السلوك البشري؛ فسكان هذه المنطقة لم تسمح لهم الظروف بأن يصلوا إلى الفضاء كما فعل الآخرون ولكنهم كانوا السبب الأساسي في استمرارية الحياة من خلال اكتشافهم لحرفة الزراعة التي أطلقت العنان لتحولات ثقافية وسكانية بما فيها الهجرات إلى خارج المنطقة.
ثمة ما يتوقف عنده في الدراسة: وهو إثبات فرضية قدم الملاريا فقد وجدوها في عظام أحد أبناء منطقة (كرمة) باعتبارها من أقدم المدن في العالم، مما يعني أن الملاريا كانت موجودة باعتبارها حمى المناطق الحارة.
وقال بروف منتصر أن معركة كبيرة كان عليهم خوضها من أجل أن ترى هذه الدراسة النور؛ فثمة صراع بين سكان شرق أفريقيا وجنوب أفريقيا، والكل يحاول أن يثبت فرضية أنه الأصل، كما قال إن بعض الغربيين يستكترون على سكان هذه المنطقة أن يكونوا أصل العالم. وأكد أن هذه الدراسات لها فوائد جمة في ما يتعلق بالحقل الصحي وتحديد الأمراض عبر دراسة النوع البشري مع التركيز على المجموعات البشرية المتشابهة، كما يمكن من خلالها تحديد الأقراص المعالجة للأمراض، فمثلاً الأدوية المعدة لسكان الهند قد لا تصلح لسكان السودان كما أن درجة الاستجابة تختلف من شخص لآخر في ذات المنطقة.
الجنس البشري كانت بدايته من هنا؛ فهل تكون نهايته أيضا في ذات نقطة الانطلاق التي تواجهها الحروب وعدم الاستقرار السياسي والمجاعة؟ الاجابة تركها بروف المنتصر دون تحديد واكتفى بتأكيده على أن الأصل في الجنس البشري سوداني.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. هذا المقال إهداء لكل المصريين الذين لا يعجبهم مثل هذا الكلام ؟