منى سلمان

حنان سيطرة

حنان سيطرة
[JUSTIFY] تجمعت النسوة قبيل نهاية اليوم الدراسي، لا يجمع بينهن رابط سوى أنهن أمهات طالبات ذلك المجمع التعليمي الخاص.. كان المكان يضج بالكركبة الناجمة عن حركة جرجرة الكراسي والأدراج على سراميك الأرضية، مع صرير مزعج يضرس السامعين، بينما انهمكت الحاضرات في ورجقة سلامات ومطايبات مع بعضهن، ومحاولة كل منهن جر صاحبتها وكرسيها لتجلس في جوارها في مقدمة الصفوف، بينما كانت (المنصة) تحاول ضبط النظام ودعوة الحريم للروقة والجلوس لبداية اجتماع أولياء الأمور، الذي عادة ما يتحول لـ (وليات الأمور) لانشغال الاباء ..
انتبهت (حنان سيطرة) الجالسة في الصف القدام، لملامح الزهج الممزوجة بالغضب المكبوت التي علت وجه مديرة المدرسة وهي تواصل الضرب على المنضدة والمناداة بصوت مهذب:
نقعد يا أخوات.. نرجو الهدوء يا أخواتنا.. قدامنا بنود كتيرة عايزين نناقشا يا جماعة والزمن روّح علينا!
فقامت من مجلسها وصاحت بصوت رعدي:
يا نسوان! احرجتونا مع حضرة المديرة.. انتن الورجقة دي ما بتفترن منها؟ اسكتن خلونا نشوف الحاصل عشان نفرتق نمشي .. ورانا مشاغل ياخ!!
حل صمت مفاجئ على جموع الأمهات.. دام الهدوء بضع ثواني استغرقتها النسوة ليستوعبن الموقف، ثم انطلقت همهمات الاحتجاج على تسلط (حنان سيطرة) ومحاولتها المريسة عليهن، وهنا سارعت المديرة باغتنام الفرصة لتعلن عن بدء الاجتماع بتلاوة بضع آيات من الذكر الكريم ..
توالت الموضوعات على طاولة الناقش وسط الونسات الجانبية والمواضيع الانصرافية والمقاطعات الظهورية، حتى انطلق الجرس معلنا نهاية اليوم الدراسي وخروج الطالبات.. انتبه بعضهن لكون أن أمهاتهن يا للفرحة – موجودات في حرم المدرسة، فتوالى دخولهن متسللات للفصل كل واحدة تبحث عن أمها، ثم عندما تجدها تدفن نفسها لتندعك في حضنها كـ عتود يتشمم أمه قبل الانغماس في الرضاعة ..
في نفس الوقت كانت (حنان سيطرة) تحاول (دفر) بناتها الثلاث اللاتي اقتحمن الفصل مع المقتحمات، وتحثهن لتركها لتكمل الاجتماع والخروج للحاق بوالدهن الذي ينتظر في عربته ليعود بهن للبيت ..
لم تنقض بضع دقائق على خروج الصغيرات حتى عادت كبراهن لتهمس في أذن أمها بصوت سمعته من جاورتها من الحاضرات:
أبوي قال ليك ارحكي هسي دي معانا.. هو ما بقدر يجيك راجع تاني!!
ولكن (حنان) منعتها من إكمال الكلام بنهرة مكتومة:
أمشي قولولي ليهو أمي قالت ليك بترجع براها!!
غادرت الصغيرة على مضض لتعود بعد حوالي الربع ساعة لتهمس لأمها بصوت أعلى: أبوي قال ليك اجتماعكم ده لسه ما انتهى .. أصلو شنو الحكاية ؟!!
انتهرتها (حنان) بغضب: يا بت قتا ليك امشوا خلوني .. مشش يكسر ركبك !!
فغادرت الصغيرة وهي تطنطن: أنا مالي ومالك؟ أبوي قال لي إلا تنادي أمك حتّان نَمِش!!
استمر الاجتماع دون أن يتأثر برياح المناورات والمفاوضات الجارية، ولكن الصغيرة عادت مرة أخرى عبر الشباك الخلفي للفصل.. نادت من بعيد على أمها الجالسة في الصف الأمامي ومستلمة الاجتماع على حسابها .. صاحت بصوت رددت صداه جنبات الفصل:
يمه!! أبوي قال ليك خلاس كفاية أمرقي ياخ!!!!
التفتت (حنان) بحنق وصاحت:
يا بت انتوا لسه ما مشيتوا.. طيري قولي ليهو الليلة كلو كلو ما راجعة البيت!!
ثم التفتت إلى بقية المستمعات اللاتي يتابعن الحاصل في اندهاشة قائلة في شيء من الخجلة:
شوفوا يا اخواتي حركات الراجل؟ ما داير يرجع براهو مع الشفع عشان ما يسخن ليهم الغدا!!
تبادلت النسوة النظرات وهزت المديرة رأسها وهي تعتذر للجميع:
معليش يا اخوات أخدنا من زمنكم الكتير .. نحنا عارفين مشغولياتكم والناس الراجنكم وجيعانين، عشان كده نحاول نختصر اجتماعنا ده سريع سريع عشان نطلق صراحكم.
عندما غادرت النسوة مكان الاجتماع، كانت المدرسة هادئة بعد مغادرة الترحيلات وأغلبية الطالبات، وعندما وصلن للشارع كانت هناك عربة واقفة بداخلها زوج (حنان) وصغيراتها ينتظرون في استكانة.. رأتهم من بعيد فوقفت وضربت يدا بيد وهي تقول لصويحباتها:
يا اخواتي شوفوا جنس الراجل العلّة ده.. لي هسي واقف مستنيني!!

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email][/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. الاخت الكريمة منى سلمان
    انتى كاتبة متمكنة من ناصية الحكى والسرد
    ندعو لكى بالتوفيق والسداد… مع خالص المنى