تحقيقات وتقارير
عاطل أخير من القاعد ساي

عدة مشاهد كانت قد رسمت تفاصيل الأحد، يوم المطالبة بالوظائف من أمام مكتب والي الخرطوم الذي لم يقابل الشباب بحسب إعلانه وترك المهمة لآخرين، وانتهى الأمر بفضّ التجمهر سلمياً، في وقت عاد فيه الحالمون إلى منازلهم ببقايا رهق، ومزيد من الانتظار، بعد أن كلفوا خزائن الولاية قيمة حبر الأقلام التي ملئت بها الأوراق، وقيمة إيجار الكراسي التي تراصت أمام المدخل، وثمن نصف لوح ثلج صب فيه ماء في الحافظة برتقالية اللون.
* لقاء لم يتم
الدكتور عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم بدا وكأنه رجل تحاصره الأزمات، فقبل أن تنتهي تداعيات التجاوزات في مكتبه عاد إلى الواجهة بأزمة جديدة، فالخبر المنسوب للرجل بأنه سيوفر وظائف للعاطلين حال وصلوه في مكانه بدا وكأنّه أزمة جديدة تطرق على حواف كرسيه، وبشدة. محاولة الرجل التراجع عن حديثه وان الأمر أخرج من سياقه لم يمنع القادمين من الوصول إلى النقطة التي حددوها سلفاً، فالكلمة تسمع لحظة انطلاقها ولا تعود. الخضر في ذات الوقت لم يلتزم بمقابلة الشباب الذين عادوا أدراجهم دون لقائه، وهو لقاء كان أشبه بالمستحيل يوم أمس، فالمكان الذي تجمهر حوله الشباب كان عكس اتجاه مدخل مكتب الوالي. الحركة تكاد تتوقّف في مكتب الاستقبال الرئيس لأمانة الحكومة، وبالضرورة ليس هو المؤدي إلى مكتب الخضر، وبحسب خريطة المقر فإن للخضر مدخلا آخر يلج عبره إلى مكتبه، ويقع في الجهة الغربية من المبنى، وتقف خطوات الباحثين عن عمل عند ثلاثة شباب تتوسطهم شابة، يجلسون خلف ترابيز، يشرحون للحاضرين كيفية ملء الاستمارة، وشروط الحصول على تمويل للمشاريع الإنتاجية التي يوفرها صندوق تشغيل الخريجين.. إذاً، لا لقاء يمكن أن يجمع بين الحضور والوالي المسؤول في ذلك الصباح!
الباحثون عن وظيفة
أكثر من ثلثمائة شاب وشابة كانوا هناك، بدأ وصولهم إلى المنطقة حول مكتب الوالي بعد العاشرة والنصف وعند وصولهم فوجئوا بكراسي متراصة وكان موظفو الولاية في انتظارهم قبل أن يتم توجيههم نحو مكتب الاستقبال حيث ملء الاستمارات المتعلقة بمشاريع تشغيل الشباب والتمويل الأصغر.. ربما ردة الفعل الأولي كانت في هتاف قبل أن يرسمه أحدهم في ورقة كان يحملها (ما عاوزين تسجيل عاوزين تشغيل).. البعض اعتبر الرقم ضئيلاً مقارنة بحالة القبول التي وجدتها الدعوة، فالعدد الذي وصل مكتب والي الخرطوم يمثل نسبة ضئيلة جدا مقارنة بآلاف من مؤيدي الدعوة في الفيس بوك، بيد أن مراقبين أرجعوا ضآلة الحضور إلى ضعف التنسيق وعدم دراية أعداد من الشباب بموقع مكتب والي الخرطوم..
آخرون علقوا باحتمال ذهاب مجموعات من الشباب إلى مقر أمانة الحكومة الجديد بشارع النيل في الخرطوم، غير أنه لم يثبت حقيقة ذلك ونفت مصادر وصول أي مجموعات من الشباب إلى الموقع القديم لكن من حضروا استطاعوا إيصال الرسالة بحسب ما أرادوا ذلك، هكذا قال أحد مكوني المجموعة خالد بحر الذي أوصى الشباب بالجلوس في الأرض ورفع لافتاتهم دون الاهتمام بالاستمارات الموجودة داخل استقبال مكتب أمانة الحكومة، وهو ما حدث بالضبط حيث جلس الشباب منذ الساعة الحادية عشرة وحتى الثانية عشرة بعدها غادروا المكان.
* استمارات حصر
بدا الوالي ذكياً في تعاطيه مع أمر القادمين إليه يبحثون عن وظيفة حين انتظرهم باستمارات حصر، وهي الاستمارات الخاصة بصندوق تشغيل الخريجين وشروط التمويل مما جعل خطوات الشباب تقف عند ثلاثة شباب تتوسطهم شابة يجلسون خلف ترابيز يشرحون للحاضرين كيفية ملء الاستمارة وشروط الحصول على تمويل للمشاريع الإنتاجية التي يوفرها صندوق تشغيل الخريجين بحسب حديث إبراهيم الخليل ممثل الصندوق في شرحه لطبيعة المشروعات المقدمة للشباب، ويقول إن الصندوق يستهدف تشغيل كل الخريجين عبر مخاطبته وتعامله مع البنوك بغية منح التمويل لصاحب المشروع ويؤكد إبراهيم أن ما يجري في مكتب الوالي فقط مجرد حصر وتسجيل للراغبين عبر ملء الاستماره الخاصة وشرح مطلوبات وشروط الحصول على مشروع ومن ثم ينبغي على الراغبين التوجه إلى مقر صندوق تشغيل الخريجين بـ(حي الصفا) وتقديم ملف كامل يحتوى على دراسة جدوى وشهادة سكن ورخصة مزاولة نشاط وفواتير مبدئية وعقد إيجار لمحل وغيرها من مطلوبات الحصول على التمويل، ويشير إبراهيم إلى أن الاقبال يعد جيداً، إلى حد ما، ولكنه ليس بالدرجة التي توقعها الناس، بيد أنه أكد على أن أكثر من مائة شخص وصلوا للمكتب وملأوا استمارات تسجيل وحصر، واطلعوا على الشروط.. إبراهيم في حديثه لـ(اليوم التالي) قطع بجاهزية الصندوق لتوفير المشروعات الإنتاجية التي تصب في اتجاه المصلحة العامة وتحقق استراتيجيات حكومة الولاية التي أقرت التوجه نحو زيادة الإنتاجية والإنتاج، وقال إن كل الراغبين في الحصول على تمويل لمشروعات سيلبي الصندوق طموحاتهم وسيوفر لهم التمويل اللازم شرط أن يكون في نطاق المشروعات الإنتاجية.. إلى هنا ينتهي حديث ممثل الصندوق تاركاً المساحة لتساؤلات لا تنتهي لعل أبرزها: ما السبب الذي جعل موظفيه يتركون مكاتبهم في (حي الصفا) وينتظرون الشباب عند استقبال مكتب الوالي؟ الاستفهام يمضي أكثر من ذلك ليتعلق بقدرته على إيجاد حلول لمشكلة العطالة وهو الموجود مسبقاً؟ وما الذي يمكن انتظاره منه؟.
أحد الشباب في الضفة الأخرى لنهر التسجيل يقول ساخراً إنه لا يمكن أن يترك شهادته في الكيمياء الحيوية ليقوم بافتتاح كشك.. فهذه هي مشاريع التشغيل بحسب وجهة نظره..
بدت (هيام عابدين) كما لو أنها تستجلي الأمر في حضورها لمكتب والي الخرطوم، أكثر من كونها تتوغل في اجراءات لنيل أحد مشروعات التمويل الأصغر أو البحث عن وظيفة أعلنت عنها حكومة والي الخرطوم الخضر، هيام التي تخرجت في العام (2010)، وتحمل صفة “عاطلة”، حسب حديثها، تمضي لتقول ملوحة باستمارة أيضا: “لقد شرعت في ملء استمارة تحتوي بيانات عن نوع المشروع المفضل الذي يتوافق معي”. دهشة هيام تبدت لكونها وجدت أوراقا وموظفين وحبرا مدلوقا بوعد جديد ولم تجد المشهد الذي كانت تتخيله برقم وظيفي ينهي كابوس العطالة لديها، باختصار أكثر لإفادتها قالت: “قلنا نجي نجرب يمكن تصدق”.
رفيقتها (سماح عثمان) ذات الخمسة والعشرين ربيعا فيما يبدو من هيئتها وتاريخ تخرجها في العام (2012)، بدت أكثر حرصا على دقة حديثها وهي تقول: “أعوام التخرج بدأت تتراكم وعلى الحكومة أن توفر الوظيفة المناسبة للخريجين”، لكن (ريماز محمد) الخريجة الحديثة من إحدى الجامعات السودانية، جاءت مستفسرة عن حاصل تراكمت حوله الاستفسارات كثيرا وطالته تدوينات الفيس بوك، ريماز أطلقت أولى عباراتها قائلة: “دايرة أشوف الحاصل شنو” تواصل: “سمعت الخبر في الإذاعة بتوفير فرص للعمل أو التمويل” وحول توقعات فشل أو نجاح محاولتها بالعمل في مكتب والي الخرطوم أو في أي مؤسسة أخرى بالحكومة تضيف ريماز: “إن شاء الله خير”.. في الحقيقة فإن الجميع ممن لبوا الدعوة لم يكن يساورهم شك في أن الأمر ليس سهلا أو لا يخلو من “جرجرة” معتادة، فالجميع كان مهيئا لأي نوع من المواجهة.. على الأقل بالحقيقة الصادمة وهي تتبدى أمام أعينهم، لكن في النهاية لا محالة أنهم حركوا ساكن آمالهم الرتيبة والقاتلة بمسلسل العطالة، وغبروا أرجلهم في سبيل الحصول على وظيفة.
* “تشغيلة شديدة”
بناء على الوعد الحكومي جاء الشباب والشابات تسبقهم لافتاتهم بتعليقاتها الساخرة.. (عاطل لا تكلمني.. الوالي واعدني قال بشغلني).. أخرى ترفع أمامها لافتاتها (عاطلة وعايزة أعرس) وثالثة كتب عليها (شغلني وتحلل من مأساة عطالتي) وأخرى كتب عليها (عاطل أخير من القاعد ساي) قبل أن تقف الكاميرا في حروف تلك اللافتة المحمولة على أيادٍ شابة أخرى وقد كتب عليها (أنا واحد من مليونين عاطل) بدأت معالجة أزمتهم أمس بين خط مبادرة العطالة التي يقودها الشباب الذين أكدوا انهم سيعودون مرة أخرى إلى مكتب الوالي تحت شعار (يا تشغلنا يا نشغلا ليك).. حسناً، في الملخص نقول بأنّ حكومة الخضر اكتفت أمس بحصر العطالة في أوراق تنتظر أن ينال صاحب الحظ السعيد فيها تمويل بعد أن يحضر شهادة السكن والمشروع وجدواه الاقتصادية لاستمرار مشاريع الإنتاج في البلاد أو كما قال ممثل الصندوق في استقبال مكتب والي الخرطوم في الأحد الذي اختار البعض أن يطلق عليها اسم (اليوم الوطني للعطالة)..
صحيفة اليوم التالي
أ.ع
النيلين مواضيعكم اصبحت شبه تافهة .. هيام منو؟؟