تحقيقات وتقارير

مشروع تقوية مرحلة الأساس.. منحة دولية تثير جدلاً واسعاً

تربويون: لا توجد دولة في العالم (تطبع) منهجها بالخارج
لماذا تمت طباعة (الطبعة الثالثة) للكتاب المدرسي في فيتنام؟
عثمان البدري: لا مبرر لطباعة الكتاب داخلياً ما دامت تكلفته أقل بالخارج
ما سر مجيء شركات محلية في المراكز الأخيرة لعطاء الطباعة؟
تيراب: المنحة كسب للبلاد ويجب أن تُوجه للاستفادة منها
استمرار طباعة (الكتاب) بالخارج يتسبب في إغلاق مطابع محلية
خبراء: طباعة الكتاب صاحبته أخطاء في المواصفات

أثارت منحة البنك الدولي الخاصة بمشروع تقوية مرحلة الأساس والبالغة 67 مليون دولار جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية، ووصف عدد من التربويين تحدثوا للصيحة المبلغ بالخرافي إذا ما قورن بقيمة الميزانية المخصصة للتعليم داخلياً وجزموا بأن المبلغ كفيل بحل مشاكل التعليم بالنظر إلى وجود دورات مياه تنهار آبارها بالمعلمين داخل ولاية الخرطوم، بجانب رداءة البيئة المدرسية بشكل عام، في وقت أكد فيه العاملون بوزارة التربية أن المنحة موجهة إلى بناء مدارس وفصول في أصقاع بعيدة بالولايات، ليست بها كثافة سكانية في حين أن (التلميذ) بمنطقة أمبدة يصل المدرسة عبر المواصلات إلى مدرسته الأمر الذي اعتبروه إهداراً للموارد، وقالوا إن الخرط التي بنيت بها المدارس الممولة من المنحة لم تكن خرطاً علمية.
غير أن جانب طباعة الكتاب المدرسي خارج السودان والتي خصصت لها 20 مليون دولار من مجمل قيمة المنحة، أثبت عدد من الخبراء أن طباعته صاحبتها ضبابية.
خط أحمر
وجزم خبراء تربويون تحدثوا لـ(الصيحة) بأنه لا توجد دولة في العالم تطبع منهجها بالخارج، لاعتبار أن المنهج خط أحمر وبه رسائل قومية لا تقبل أي تجاوزات، وأن تلك التجاوزات في حال حدوثها تعتبر غير مطلوبة، وبها شبهة لتسريب ثقافة البلاد، وأن أي تلاعب في هذه الثقافة يعتبر خيانة عظمى للبلاد، لذا تستوجب الضرورة ألا تتم طباعة المنهج خارج السودان، غير أنه لابد من تواجد جهة فنية داخل السودان تكون مسؤولة عن طباعة الكتاب المدرسي.
أصل تفجُّر المشكلة
تم تنفيذ السنة الأولى من العطاء لطباعة ما سمي بـ(طباعة كتاب البنك الدولي لتعليم الأساس في السودان) والذي قدر بمبلغ (3) ملايين يورو، ثم طرح عطاء ثانٍ بنفس المبلغ، وأخيراً تمت الطبعة الثالثة بفيتنام، وسوف يستمر هذا المشروع لمدة سنتين قادمتين.
وقد شارك عدد من الطابعين المحليين في العطاء الأول ولم يفز منهم أحد، حيث حلوا جميعاً فى المرتبة الأخيرة للترتيب المالي للعطاء، وكان الفائز في العطاء مطبعة أجنبية، علماً بأن اتحاد المطابع يطبع الكتاب المدرسي في السودان منذ عام 1970، واعتبر اتحاد الغرف الصناعية السوداني هذا الوضع شاذاً، لذا حرروا خطاباً موجهاً لوزيرة التربية والتعليم السابقة سعاد عبد الرازق، وقالوا إنه تم طرح العطاء بالشروط العالمية، واعتبروا أن هذا قد يتسبب في الإضرار بمطابع القطاع الخاص في السودان خاصة وأن المشروع سيستمر لمدة عامين مقبلين تكفي لإغلاق كافة المطابع العاملة في طباعة الكتاب المدرسي. ويقول رئيس غرفة الطباعة والتغليف الموقع على الخطاب محمد حمدنا الله محمد إنهم يتطلعون متعاونين في بذل الجهود من أجل التوصل لصيغة تضمن مشاركة مطابع القطاع الخاص السوداني في هذا المشروع، معرباً عن أمله بأن يسهم العائد منه في دعم هذا القطاع، وبالتالي المساهمة الفعالة في الاقتصاد السوداني بشكل عام.
ويقول اتحاد الغرف إن استمرار هذا المشروع سوف يحرم قطاع الطباعة في السودان، والذي بذلت الدولة فيه جهداً كبيراً ومقدراً في السنوات السابقة أتت نتائجها تطورًا كبيرًا في هذا القطاع.
اتحاد الغرف يستغيث
ويبدو أن المطابع السودانية أصابها الجزع من تنفيذ طباعة الكتاب ثلاث مرات خارج السودان، والشاهد خسارة تلك المطابع مبالغ طائلة كانت تجنيها من طباعة الكتاب، وهذا الأمر جعل اتحاد الغرف الصناعية يتحرك في جميع الاتجاهات مؤملاً في إرجاع ما تبقى من أموال المنحة المخصصة لطباعة الكتاب إلى مطابعه والاستفادة من كيكة البنك الدولي، لذا شرع الاتحاد بتحرير شكوى ضد وزارتي المالية والتربية والتعليم العام يدفع بها إلى رئيس مجلس الوزراء.
وطالب أصحاب المطابع بتحريك إجراءات قانونية ضد الوزارتين، ذلك أنه يعتقد أن تنفيذ منحة من البنك الدولي لتقوية تعليم الأساس تمت بصورة مخلة وضارة كلفت البلاد خسائر فادحة. وظل الاتحاد في حالة استهجان من إبعاد المطابع السودانية من طباعة الكتاب المدرسي وتنفيذ طباعة الكتاب المدرسي 3 مرات خارج البلاد آخرها بفيتنام.
وشكك عضو غرفة الطباعة عبد الله الطيب في موتمر صحفي عقد الأيام الماضية، في أمر طباعة الكتاب بقيمة 3 جنيهات خارج السودان، وقال: إما في الأمر خطأ أو هناك كارثة، مقارناً ذلك بطباعة الكتاب داخل السودان التي تكلف مبالغ ضخمة، وطفق يقذف تحذيرات من استمرار طباعة الكتاب المدرسي خارج السودان سيما أنها تسببت في إغلاق عدد كبير من المطابع داخل السودان وعملت على تشريد العاملين وإيقاع خساىر فادحة على أصحاب المطابع، وبدأ رمي وصفات سالبة ضد طباعة الكتاب لثلاث مرات التي تمت خارج السودان، واعتبر أن طباعة الكتاب تشوبه أخطاء كثيرة وغير مطابق للمواصفات، في ظل عدم علم إدارة المناهج بما يحدث. واعتبر أن وزارة المالية لها الضلع الأكبر في الإخفاق لجهة أنها موقعة على إبرام العقد مع البنك الدولي، فضلاً عن أن المنحة التي خصصت لطباعة الكتاب بالخارج أوقعت المطابع في ديون مثقلة.
من جهته أوضح الأمين العام لغرفة الطباعة سيف الدين حسن أن هناك حلقة مفقودة في تنفيذ المنحة فيما يخص طباعة الكتاب خارج البلاد، واستشهد بمراوغة وزارة التربية والتعليم، ويقول إن السودان لم يستفد من المنحة وإن البلاد طبعت مؤخراً 10 ملايين كتاب خارج السودان صاحبت الطباعة أخطاء والشاهد أن الطباعة لم تستصحب الرأي الفني.
التربية تدافع
يقول إسماعيل تيراب الذي تنقل في عدد من الإدارات بوزارة التربية والتعليم منها إدارة تعليم الطوارئ في حديثه لـ(الصيحة) إنه شهد الفترة الأولى من فترات تنفيذ مشروع المنحة، وقال إنه حسب متابعته للفترة الأولى فإن السودان استفاد من المنحة إذ تم بناء حوالي 800 فصل دراسي، كما استفادت المناطق التي نفذ فيها المشروع من مكوناته أهمها طباعة الكتاب المدرسي، غير أن وحدة تنفيذ المشروع اختارت كوادر متخصصة وبمواصفات دولية حسب الجهة الممولة، وهي البنك الدولي.
ويضيف تيراب، أنه فيما يختص بالكتاب المدرسي، فإن للبنك الدولي شروطاً فيما يختص بخامة الكتاب المدرسي عطفاً على تجربة سابقة لوزارة التربية والتعليم العام مع المطابع السودانية خاصة بعد أن تمت خصخصتها، إذ ترى الوزارة أن طباعة الكتاب، لم تكن بالصورة المطلوبة، غير أن البنك الدولي وقف على طباعة الكتاب في فترات سابقة بمواصفات متدنية.
ولكن تيراب جزم بأن الجزء الفني لتنفيذ المنحة يرجع إلى الجهات الفنية بوزارة التربية والتعليم، ويعتبر أن المنحة كسب للبلاد، ويجب أن توجه للاستفادة منها بصورة ممتازة، سيما أن الميزانية المدرجة للتعليم ميزانية ضعيفة، وأن الفصول التي تم بناؤها في عدد من المناطق تعتبر كسباً للسودان.
أسئلة حائرة
أطلق عدد من التربويين تحدثوا لـ(الصيحة) أسئلة حسب رؤيتهم تحتاج إلى اجابة من وزيرة التربية السابقة سعاد عبد الرازق، أهمها أن طباعة الكتاب صاحبته أخطاء في المواصفات، وأن هذا الأمر لم يجد المعالجة، وأن هناك ضرورة لتوضيح الأسباب، غير أن هذا الأمر كان مقدوراً عليه عند توفر المراجعة الداخلية للكتاب المتمثلة في اتحاد الغرف الصناعية، ثانياً أن الوزارة كانت تمتلك مطبعة خاصة فضلاً عن أنه كان يتوفر (تيم) للمراجعة، إلا أن الوزارة قامت ببيع المطبعة، ولم توضح الأسباب التي من أجلها تم بيع المطبعة، فما هي ميزة أن يطبع الكتاب خارج البلاد، غير أن الكتاب بعد وصوله إلى الولايات لم يصل بالجودة المطلوبة، فضلاً عن أن الطباعة بالخارج تثقل الوزارة بالديون الخارجية، وأن الجهات الخارجية تضع شروطاً جزائية، هذا خلاف أن تأخير الكتاب ووصوله في أوقات متأخرة، ويصل في أحيان كثيرة في نهاية العام تعتبر مشكلة تعاني منها الوزارة.
ويرى التربويون أن البنك الدولي عندما يطرح مشاريعه فإنه يخضعها إلى المراقبة، فأين الرقابة في طباعة الكتاب المدرسي، ويقولون إن هناك جهات تسرب منها الكتاب المدرسي لتتم طباعته خارج البلاد، وبالتالي يقع ضرر على التلاميذ والبلاد، وبالتالي يأتي السؤال أين الجهات العديدة التي منحت الجهات الخارجية الضوء الأخضر لطباعة الكتاب، ابتداء من وزارة المالية والتربية وانتهاء باتحاد أصحاب العمل، أين هذه الجهات من مشاكل الطباعة، وتأخير الكتاب المدرسي، غير أن وزير التربية الذي قام ببيع مطبعة وزارة التربية، لم يتحصل على قرش واحد من بيع مطبعة الوزارة حسب التربويين الذين أكدوا وجود ضبابية في الوزارة، وقالوا إن مشروع تقوية الأساس يخص مجلس الوزراء والبرلمان وأن الطباعة كأنها تمت بمعزل عن الحكومة.
وأضاف تربوي ـ رفض الإفصاح عن هويته ـ أن طباعة الكتاب المدرسي ترجع إلى شبكة، وقال: (هذا عمل كبار)، ويضيف: حسب تجربتي مع المنظات الدولية الداعمة للتعليم وأنا أعمل بوزارة التربية لفترات طويلة، أعلم أن هذه المنظات تقف عن حد أخذ دراسة للمشروع فيما تقوم تحويل المسائل الفنية إلى الجهات الداخلية المستفيدة من المنحة. ويشير هنا إلى وجود خبايا في الموضوع لا تستطيع جهة التحدث عنها بمعزل عن جهاز الأمن الاقتصادي، وإرجاع الحقوق خاصة أن هناك ضرراً على المدارس التي أنشأها البنك، وتساءل: هل المدارس تم بناؤها بالفهم العلمي والخرط المدرسية، وهل التكلفة واقعية.
وهنا يشير إلى بناء مدارس في مناطق بالولايات تبعد 5 كيلو عن السكان وفيها عرب رحل أي بناء مدرسة دون وجود كثافة سكانية، وبذا يكون هناك إهدار موارد أصبحت مورداً قومياً، وتساءل لماذا تم بناء الفصول الدراسية جلها خارج العاصمة، هل كان الغرض من الابتعاد الهروب من الرقابة المالية والأمنية والإعلامية. كما تساءل عن الحكمة من إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت، وبعد أن نزلت وزيرة التربية السابقة سعاد عبد الرازق من كرسيها، منوهاً إلى وجود تكتم في أداء إدارة المشروعات بوزارة التربية والتعليم .
حديث المنطق
ويرى الاقتصادي د. عثمان البدري في تصريحه لـ(الصيحة) أنه لا يوجد أي مبرر لطباعة الكتاب داخلياً ما دامت تكلفته أكبر من تكلفة طباعة الكتاب خارجياً متسائلاً كيف لجهة ترفض طباعة الكتاب بقيمة 3 جنيهات حتى يصل إلى الولايات، وتقبل بأن تتم طباعته داخلياً بقيمة أكبر، وقلل من صحة حديث اتحاد الغرف الصناعية باستفادة الدولة من طباعة الكتاب داخلياً وقال: لا تستفيد الدولة من طباعة الكتاب داخلياً، معتبرا أصحاب المطابع تجاراً.

الخرطوم: إبتسام حسن
الصيحة

تعليق واحد

  1. والله الواحد يستغرب من بعض العقليات الإدارية في السودان وبعض العقليات الاقتصادية كلهم مختلفين في وُجهات النظر تمام الإختلاف ولا حتى الحد الادنى من الإتفاق على شئ لمصلحة البلد بدءا من الوزيرة السابقة للتعليم مرورا بخبراء المناهج ومرورا بوزارة المالية و حتى الجهة المانحة يُخيّل للواحد أنه هناك قصد خفي داخل المنحة كانه السم في الدسم.خصوصا مسالة بيع مطابع وزارة التربية كيف تم بيعها؟ ولمن تم بيعها؟ ولمصلحة من يتم طباعة كتب تعليمية باللغة العربية في دولة مثل فيتنام؟ أشياء كثيرة في دغمسة وغُموض واشياء تحت الطاولة. حسبنا الله ونعم ااوكيل في ادارات كهذه الإدارات. والتتيجة تقع على عاتق طلاب وتلاميذ مستقبل البلد.لا حول ولاا قوة إلا بالله العي العظيم فيكم جميعا من اصغركم لاكبركم.