رأي ومقالات

عبدالله عبدالرحيم : البشير.. هل يتدخل لإطلاق سراح المهدي دفعاً للحوار؟

[JUSTIFY]ساد الساحة السياسية جدلٌ كثيف حول فعالية انطلاق الحوار الوطني الذي ابتدره المؤتمر الوطني بعد أن دفع به للأحزاب السياسية عن طريق المشير عمر البشير رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني، في وقت أحدثت فيه الخطوة مفاجأة تعاملت معها الأحزاب بحذر شديد وتخوف من عدم جدية الحزب الحاكم في الإيفاء بمستلزمات الخطوة التي خطاها نحو الوفاق السياسي والتسامح لأجل بناء وطن يسع الجميع. وقد أدى اعتقال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي إلى خلق هوة كبيرة في الثقة وإطلاق الحريات بين الحكومة ممثلة في المؤتمر الوطني وبقية الأحزاب السياسية التي أعلنت مشاركتها في الحوار.

وقد طالبت القوى السياسية الحكومة وعلى رأسها المشير البشير بضرورة إطلاق سراح المهدي للسير قدماً في الحوار الذي بدأ ولم تنطلق مسيرته حتى الآن، رغم أنه ظهر للعلن وكونت مسمياته قبل أكثر من ثلاثة أشهر. ولم تكتف المطالبات بهذا، فقد دعا حزب المؤتمر الشعبي البشير إلى ضرورة إطلاق سراح المهدي عبر تدخله الشخصي والفوري وباستخدام المادتين «208 و211» اللذين تنصان بل وتسمحان لرئيس الجمهورية باستخدام سلطاته في إلغاء العقوبة عن أي مدان في حال لم تكن جريمة متعلقة بالحدود أو القصاص أو المال، بل وأكد الشعبي أن الحوار لا تكون له أية قيمة في حال استمرار الوطني في سياسة الاعتقالات.

ولم يقف المتحدث باسم الشعبي عند هذا الحد، فقد أكد أن الحوار هو الآن في حالة توقف وسيكون مستقبله مظلماً في أعقاب الأوضاع السياسية الراهنة. وألمح إلى أن حزبه سيلجأ إلى خيار إسقاط النظام إذا فشل الحوار، مما يؤكد أن هناك خيارات أخرى ستتبعها الأحزاب المعارضة حال فشل الحوار الوطني.

وكانت أحزاب المعارضة قد قررت قبل اعتقال المهدي تعليق الحوار لجهة أن الوطني لم يف بالتزاماته تجاه الحوار من إطلاق للحريات وغيرها من الخطوات المحفزة لإرساء السلام الحقيقي عدا حزب المؤتمر الشعبي، إلى حين أن تفي الحكومة بالتزاماتها بناء على انعدام الثقة، وقررت أحزاب المعارضة السودانية المشاركة في الحوار الوطني الدفع بخطاب إلى الرئيس عمر البشير، لتحديد موعد يجمع آلية الحوار وقادة الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار الوطني.

وكشف حسن رزق نائب رئيس حركة الإصلاح الآن وعضو آلية الحوار ــ من جانب المعارضة ــ أن أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار الوطني منحت حكومة الخرطوم الفرصة لمراجعة التزاماتها تجاه عملية بناء الثقة معها فيما يتعلق بالحريات ومحاربة الفساد، وقال إن أحزاب المعارضة ناقشت قرار تعليق الحوار والتزام الحكومة بتوجيهات الرئيس البشير لكونه الداعي للحوار للتدخل لمعالجة مهددات استمراريته وإطلاق سراح الصادق المهدي.

وقال الأستاذ تاج السر محمد صالح الخبير القانوني لـ«الإنتباهة» إن قانون الإجراءات الجنائية منذ سنة 1925م به مادة تتيح للنائب الأول إطلاق سراح أي متهم حتى لا يتسبب الأمر في إعاقة الخطوة القادمة التي يحسبها الكل بأنها أمل البلاد في الخروج من المأزق الراهن. ويقول إن حرص الناس على الحوار وتقديرهم أن المسألة «اعتقال المهدي وإبراهيم الشيخ» قد تؤجل عملية الحوار الجارية الذي هو الأمل الباقي لإخراج البلاد من مأزقها السياسي. وقال إنني أعرف أن الرئيس البشير حريص على الحوار ولن يدع هذا الأمر يعيق عملية الحوار. وحول تأخر إطلاق سراح زعيم حزب الأمة قال السر إن لكل أجل كتاباً ولا أفتكر أن يكون هناك ما يمنع ولكن لم تحن اللحظة.

وفي ذات الاتجاه يقول الخبير الإستراتيجي الأمين الحسن إن اعتقال المهدي عطل عملية الحوار وإنها لم تكن موفقة لأن البلاد وقتها وعقب خطاب الرئيس الشهير بدأت تعيش أجواء مليئة بالتفاؤل وقتما أصدر توجيهات بإشاعة الحريات الصحفية التي قضت بعودة العديد من الصحف السياسية وإقامة الندوات السياسية بحرية تامة، ويؤكد الحسن أن الاعتقال جاء ومسح كل الصور الجميلة في أذهان السياسيين من أن الوطني جاد في إتمام الحوار الوطني.
وفي منحى آخر يقول متابعون أن اعتقال الصادق المهدي لم يعطل أو يعرقل الحوار لأن الصادق فارق المعارضة حينما فرض حالة من التهادن مع الوطني ووصل معه لشبه اتفاق تام حول ترتيبات السلطة وغيرها من الأوضاع ذات الصلة بالحكم، ويشير هؤلاء إلى مشاركة إبنيه في الحكومة.

ويقول محللون لـ«الإنتباهة» إن العلاقة بين تحقيق الاستقرار السياسي من جهة والاعتراف بالتعدد السياسي والحزبي من جهة أخرى في السودان هي علاقة شرطية. إذ لا يمكن ممارسة الديمقراطية وتحقيق الاستقرار السياسي دون الاعتراف بالتعدد السياسي والثقافي. وأن حدوث قدر من الانصهار والتكامل مع المحددات الأمنية والسياسية أمر أساسي لاستدامة الديمقراطية والسلام. ويؤكد نفس المحللين من أنه لا يمكن استدامة الديمقراطية والسلام والاستقرار السياسي ما لم تستقر القيم والمبادئ الأساسية الموجهة لحركة المجتمع والدولة معاً من خلال وضع دستور دائم.

وبقراءة عامة للممارسة السياسية من خلال الحوار الوطني ومنبره بالخرطوم، يتضح أن التباين في مواقف الأحزاب الكبيرة ما زال عبئاً على الممارسة الديمقراطية وبالتالي على التداول السلمي للسلطة والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجهة أن عملية اعتقال أحد القيادات السياسية أدت إلى تعطيل عملية كبيرة كالحوار، رغم أن الكل لا يتفق مع الاعتقال وهو قد ساهم بصورة كبيرة في تعطيل تلك المسيرة، بيد أن الأبواب المفتوحة في صلب القوانين يمكن أن تستغل لمصلحة الحوار، ولكن ما يعطل الحوار بحسب حديث الذين تحدثوا لـ «الإنتباهة» أشياء أخرى لم يكن عملية الاعتقال إلا أحد عناصرها.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]