رأي ومقالات
محمد قور حامد : أبيي.. صراع الهوى والهوية
تجاوزا ًلكل ذلك ظل الصراع في أبيي منذ بواكير استضافة الأنقوك في ديار المسيرية تعتوره التوترات وظلت المنهجية التقليدية في فض مثل هذه الصراعات بين عرب المسيرية ودينكا الأنقوك.. هي الآلية المثالية التي يحتكم إليها أعيان القبيلتين.. إلى الحد الذي يصل فيه المسيرية وضع مدينق دينق ماجوك كوال الروب بيونق ناظرا ًعلى مجلس ريفي المسيرية بالفولة.. غير أن تفجر الحرب في العام 1983 أصبح المحاربون الجدد من جيل الدكتور جون قرنق يولون اهتماما ًخاصا لمنطقة أبيي.. بل ظل تكنقراطيو الحركة الشعبية من أمثال فرانسيس دينق ودينق ألور وغيرهما من مثقفي الأنقوك يبحثون عن الهوية الاجتماعية لدينكا الأنقوك بالمنطقة.. ويتجاوزون مجرد التعريف إلى ما هو أبعد من ذلك حين القول إن «أبيي» المنطقة الآن، هي الموطن الأصلي لدينكا الأنقوك.. ناكرين أن تكون أبيي هي تلك التي اُقتطعت في العام 1905 من غرب بحر الغزال وضمت إلى كردفان.. فباتت هذه المفاهيم الخاطئة في البحث عن الهوية الاجتماعية والتعريف الديموغرافي للمنطقة، هي الحجة والكارت التي ظلت تبتز به الحركة الشعبية دول الاستكبار العالمي.. إلى أن دخلت القوات السودانية وتحريرها أبيي من أن تقع مصيدة ً سهلة ً لفاتورة ٍ مبدئية ٍ مزيفة حررتها الحركة الشعبية للغرب الصهيوني حيث يتعين أن تدفع ثمن ذلك الآن دماء ً غزيرةً. غير أن الذي ينظر في التاريخ البعيد لوضعية منطقة أبيي.. وموقفي حكومة السودان والحركة، فإن أول موقف رسمي لحكومة السودان فيما يتعلق بأبيي في اتفاقية الخرطوم للسلام كان ذلك في العام 1993 والتي تنص على أن يكون هنالك مؤتمر أبيي سيعقد بالمنطقة.
في فبراير 2000 م أدرجت حكومة السودان بجدول الأعمال الذي قاد الموقف التالي الذي كان مبنيا ًعلى اتفاقية الخرطوم للسلام. أبيي موطن دينكا النوك والمسيرية وغيرهم ليست جزءا ً من الجنوب. وباعتبارها منطقة تعدد عرقي وثقافي وواحدة من المناطق الأقل نموا ًفي البلاد فأن أبيي لها مشكلاتها الخاصة بها وأن حكومة السودان مستعدة ٌ لمناقشة هذه المشكلات. إلا أن الحركة الشعبية التي سارعت لعملية الانفصال لتحييد دينكا النوك، تخسر الآن كثيرا ً.. فهي بموقفها الأخير لا بحراً قطعت ولا أرضا ً وطأت. فالموقف الثابت الآن من قضية أبيي حيث المؤسسة العسكرية وموافقة أهالي المسيرية.. إن أبيي شمالية وهي مدينة البقارة، وجميع الأثنيات المتعايشة منذ فجر التاريخ السياسي.. ومثلما استضافت المسيرية الأنوك داخل ديارهم.. الآن يمدون ذات الأيدي البيضاء لضيفهم من النوك إن هم أرادوا العيش داخل أبيي بتبعيتها للشمال السياسي. ولكن الآن الذي يثير القلق، هو ماذا بعد أبيي منزوعة السلاح؟
ما هي الإجابة عن سؤال الهوية؟ ما هي الترتيبات الأمنية التي تحفظ هذا الاتفاق الأخير دون أن تمتد أيدي الحركة نحو جهات هي متماسة للولايات الجنوبية المنفصلة، جهات تعتبر هي مسارات تاريخية لعرب البقارة نحو رحلتهم السرمدية للسقيا في بحر العرب . إن الغموض والمصير المظلم لا يزال يكتنف سكان هذه المنطقة.. من الواضح أن انفصال الجنوب لعب دورا ًكبيراً وواضحا ً ومؤثرا ًفي هذا الاتجاه.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش