صناعة الفوانيس.. مهنة تضيء ليل رمضان بمصر
على بُعد أمتار من ورش متجاورة في حي الرَّبْع وسط القاهرة، يفترش العم سلامة الأرض داخل ورشته الصغيرة، المزدحمة بأدواته البسيطة وخبرته الممتدة لأكثر من ستين عاما، وسط حديث لا يسأمه عن مهنة صناعة الفوانيس والتي لا توجد دولة عربية أو غربية تستطيع منافسة بلاده فيها، على حد قوله.
عم سلامة، الرجل السبعيني الذي يُعتبر من أقدم صانعي الفوانيس بمصر، لا يعتبر مهنته موسمية، لأنه يعمل بها طوال العام دون كلل، يبحث عن أهم متطلبات السوق المصرية والعربية لصناعة الفوانيس، والأشكال الفلكورية التي يمكن أن يبتكرها كل عام، ويدخلها في مزيج مع الأشكال الإسلامية.
مهنة صناعة الفوانيس تبدو للوهلة الأولى بتفصيلاتها الفنية وأشكالها الجذابة، يقف وراءها فنانون متخصصون في التاريخ الإسلامي، لكن الحقيقة أن عم سلامة يقوم بهذه الصناعة بمفرده، مستخدما فيها ما تعلَّمه منذ زمن بعيد على أيدى والده وأجداده.
قال العم سلامة “أخذنا من الفاطميين (حكموا مصر من 972 إلى 1171م) صناعة الفوانيس، من وقت محاولتهم استطلاع الرؤية حيث كانوا يصحبون فوانيس كبيرة بداخلها شمع، بعد ذلك تطورت الصناعة وأصبح بداخل الفانوس لمبة (مصباح كهربي)، ثم انتهى الأمر بصناعة الفوانيس ذات الشمع والباب الجانبي وأخرى بالكهرباء”.
وتابع عم سلامة: “لا أحتاج لدراسة الفنون، فأنا أعتبر الفانوس مثل ابني، أبدع فيه وأضع فيه كل طاقتي، ولا أعمل بأي مهنة غيره”.
ويحتاج الفانوس لأسابيع تمتد إلى أشهر لصناعته، وهو ما يدفع عم سلامة أن يعمل طوال العام.
وقال سلامة: “بعد رمضان، نبدأ في تحضير فوانيس العام القادم، لتبدأ رحلة البحث على الأصناف التي يحتاجها السوق، وبعدها أتفحص جيدا المواد الخام التي لم تعد كما كانت، فأصبحت رديئة”.
وعن الخامات التي يستخدمها عم سلامة فهي الصفيح والزجاج اللذين يقوم بتقطيعهما إلى قطع صغيرة، ثم عمل أشكال منهما من خلال فتحات وتلوينها قبل أن يبدأ باستخدام النار الموقدة للثني واللحام، بالإضافة إلى مساعدين يساعدانه في أعماله.
وأشار عم سلامة بابتسامة إلى مساعديه، وقال إن “أكبر تحد يواجه المهنة تراجع محبي صناعة الفوانيس، وأصبح من يعمل بها يريد الحصول على النقود فحسب”.
وتابع ناصحا كل من يعمل بتلك المهنة بأنهم إن أخلصوا لعملهم فستعطيهم ما يريدون ويزيد.
وبدا العم سلامة أكثر تفاؤلا هذا العام، لأنه، حسب قوله، “أفضل عام منذ ثلاث سنوات، لأن هناك إقبال من المصريين على شراء الفوانيس”، وهو ما لم يقدم له العم سلامة تفسيراً غير أنه قال “الناس عاوزة (تريد أن) تفرح”.
ولم يحدد عم سلامة أسعار الفوانيس، غير أنه قال إنها تختلف من عام لآخر، وذلك بحسب الإقبال، ففي الأيام التي يعاني منها اقتصاد البلاد تعاني صناعة الفوانيس من كساد، أما عندما تكون حالة الناس ميسورة ترتفع الأسعار.
وبحسب عدد من الحرفيين بمنطقة الربع، يمكن أن يصل سعر الفانوس إلى 200 جنيه (حوالي 30 دولارا) وأكثر، فيما يكون متوسط سعر الفانوس الصغير 30 جنيها (حوالي 4 دولارات).
وتواجه صناعة فوانيس بمصر تحديات كثيرة، يأتي في مقدمتها ما يطلق عليه الحرفيون المصريون غزو الصين للصناعة، وانتشار تلك الفوانيس البلاستيكية الجاهزة الصنع.
وقال العم سلامة “صناعتنا لا توجد في أي دولة في العالم، ومازال لها زبونها، حتى وإن تراجع الإقبال عليها خصوصا مع وجود الفوانيس الصينية، لكن نحن مستمرون، وسنصنعها لصغارنا، حتى لا تنقرض بموتنا”.
وبحسب روايات تاريخية، فإن أول من عرف فانوس رمضان هم المصريون، وذلك على يد الفاطميين خلال فترة حكمهم لمصر.
وتذكر تلك الروايات أن يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادما من المغرب، وكان ذلك في السابع من رمضان (362هـ/ 11 يونيو “حزيران” 972م)، خرج المصريون في موكب كبير اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا، وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة وذلك لإضاءة الطريق إليه، وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان، لتصبح عادة يُلتزم بها كل سنة.
وانتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية، وأصبح جزءا
[/JUSTIFY]
م.ت
[/FONT]