الصادق الهادي المهدي: يحكي فاجعة ضرب الجزيرة أبا كنت شاهد عيان على الأحداث ورأيت الموت بعيني
٭ بعد كل تلك السنوات نريد أن نتعرف على ما تختزنه ذاكرة الدكتور عن احداث الجزيرة أبا؟
– ضربة الجزيرة أبا كانت نقطة تحول في حياتي لأنني كنت شاهد عيان عليها واستصحبت كل مواقفي السياسية من تلك الحادثة.
٭ كيف كانت الواقعة وهل هناك إرهاصات بحدوثها؟
– عندما وقعت الحادثة المشؤومة كان عمري تسع سنوات وكنت حينها أدرس بالمدرسة الشرقية الابتدائية.
٭ هذا يعني أن الأسرة كانت مستقرة بالجزيرة أبا؟
– نعم، فسبحان الله الوالد عليه رحمة الله كان لديه إرتباط روحي بالجزيرة أبا، وحتى قبل وقوع الحادثة رفض نقل الأسرة إلى أمدرمان رغم أن بعض الأسر قد غادرت المدينة بعد أن شاع خبر الضربة وسط عامة الناس.
٭ ماذا تذكر من أحداث تلك الليلة؟
– كنا بعد وقوع الحادثة قد تم جمع الاطفال والنساء والشيوخ الكبار في داخل السرايا كخطوة احترازية لابعادنا عن مرمى النيران وفيما أذكر أن جيوش المهدية كانوا قد شكلوا حماية للمدينة قبل الجاسر ولم يكن في الحسبان أن تستخدم الطائرات لقصف المدنيين.. .!
٭ وماذا حدث داخل السرايا وهل كنتم وحدكم ، أم كانت هناك قوة لحمايتكم حال حدوث هجوم عليكم؟
– القوة فيما أعتقد كانت لحماية المدينة بصفة عامة ، والذي أذكره اننا وفي غفلة من أمرنا سقطت علينا قذيفة وكان اليوم جمعة وهذه القذيفة أصابت امرأة تدعى ثريا بت الزاكي فاردتها قتيلة في الحال مما أصابنا بالذعر.
٭ من كان معك من الأسرة، ومتى كان آخر مرة التقيت فيها بالوالد؟
– كان بعض أفراد الأسرة معي ولكننا كنا في حماية قوة من الأنصار ، والوالد كان قد زارنا قبل الضربة واطمئن علينا ولكنه في نفس الوقت كان يتجول بين القوة ويتفقدها.
٭ الشظية طبعاً شتت شملكم واختلط الحابل بالنابل؟
– الذي أذكره أن قوة من الأنصار طالبتنا بالخروج من السرايا وقالوا لنا انها مستهدفة ، فبعد ذلك ذهبوا بنا إلى مقابر سيدي الطيب وظللنا هناك لفترة ثلاثة أيام نتوسد القبور ونستظل بالأشجار.
٭ ومن أين لكم الطعام والشراب؟
– كان الطعام يأتينا من المدينة وهو عبارة عن طحنية وموية من البحر.
٭ الوالد لم يزوركم في تلك الأصقاع حتى سقوط المدينة؟
– الوالد عليه رحمة الله كان مرابط مع الجيوش ولم التقيه منذ تلك الفترة.
٭ متى علمت بنبأ استشهاده؟
– في يوم الاربعاء أذاع نظام مايو نبأ استشهاد الوالد ، وكان الناس بين مكذب ومصدق وعلى مستوى الأسرة لم نكن مصدقين وكنا نشك في النبأ
٭ لكن الموت حق وهناك سقوط الآلاف من الشهداء مما يدلل على وفاته ؟
– الأسرة لم تستلم جثمانه ولم تحدد السلطات موقع قبره، هذا بجانب أن الامام كان قائداً ومن المتوقع أن تعلن السلطات نبأ وفاته لاضعاف جيوش الأنصار هذا جانب، والجانب الآخر أن الجبهة الوطنية استغلت الظروف المتضاربة حول استشهاد الامام وأعلنوا أن الامام في هجرة في محاولة من السيد الصادق المهدي والشريف حسين الهندي لاستقطاب جماهير الأنصار واستنفارهم لمعسكرات المعارضة ، كل هذه التداخلات زادت الموقف غموضاً وأصبح الناس في انتظار الامام الغائب.
٭ بهذه المناسبة هناك مجموعة من الأنصار لا يزالون في انتظار الامام …. تعليقك؟
– لهؤلاء نقول إن الامام الهادي استشهد بعد ملاحقات جيوش النظام له حتى مشارف الحبشة ، وأن الإثم يقع على من روج لتلك الفرية التاريخية .
٭ متى زرت قبر الوالد ووقفت عليه ميدانياً؟
– بعد الديمقراطية الثالثة ذهبت مع لجنة تحري في احداث الكرمك وكانت برئاسة المدعي العام لحكومة السودان مولانا محمد سعيد برير ومقدم شرطة صلاح الأمين ، حيث وقفنا على القبر واستمعنا إلى ملابسات الإستشهاد .
٭ متى تم جلب الرفاة وأين دفن الامام ؟
– تم جلب الرفاة وتم دفنها في قبة المهدي في العام 1986 .
٭ ألا توافقني الرأي بان القضية دفنت مع دفن الرفاة ؟
– كان الأجدى لحكومة الديمقراطية الثالثة أن تسعى لمحاكمة الذين ارتكبوا المجزرة في الجزيرة أبا ولكنها لم تفعل ، فماتت القضية جنائياً، ولكنها ظلت موجودة كإدانة سياسيه كبيرة لكل الذين شاركوا في تلك الأحداث ، وكانوا سبباً في قتل تلك الأرواح البريئة.
٭ بعيداً عن تلك الأحداث المؤلمة نريد أن نعرف وجهة نظرك في الوضع الصحي بالعاصمة ، سيما انك كنت وزيراً للصحة ؟
– بصراحة وزارة الصحة لم تكن لديها الصلاحيات الحالية ، الوزارة الآن آلت لها المستشفيات الكبيرة بالخرطوم وبحري وأم درمان ، بل حتى المراكز الصحية الكبيرة والقومية ، كانت ولاية الخرطوم ترفض أيلولة تلك المستشفيات لادراكها بضخامة الصرف المالي واشترطت الولاية لايلولتها إنزال كافة ميزانياتها من وزارة المالية الاتحادية مما أبطأ عملية الأيلولة ، في فترتي كنت أركز على إنشاء مستشفيات طرفية وتأهيل الموجودة بجانب صيانة وتأهيل المراكز الصحية لتخفيف الضغط على المستشفيات الاتحادية ، وكذلك كنت أركز على صحة البيئة ومكافحة الملاريا ، فوقتها نجحنا في مكافحة الملاريا بنسبة كبيرة تجاوزت الـ5% حيث نالت الخرطوم وقتها من منظمة الصحة العالمية جائزة أفضل مدينة في شرق المتوسط في مكافحة الملاريا.
٭ إذن انت مع نقل المستشفيات إلى الأطراف كما حدث الآن في فترة دكتور مامون حميده؟
– مثلا موقع مستشفى الخرطوم في قلب العاصمة له ايجابيات وسلبيات ، فمن الايجابيات كونه مركزاً قومياً لمعالجة الأمراض المستعصية ، هذا فضلا عن قربه من كلية الطب جامعة الخرطوم ، فهذه العوامل تجعل الموقع استراتيجياً ، وإذا نظرنا إلى الكثافة والازدحام نجد هذا الأمر سالباً ، فانا كنت اقترحت فتح شارعين لفصل مستشفى الخرطوم عن الشعب إلى جانب بناية مواقف في شكل طوابق للسيارات ، وبهذه الطريقة يمكن معالجة الازدحام.
٭ بصراحة يا دكتور انت مع أو ضد تفكيك مستشفى الخرطوم ؟
– أنا ضد التفكيك طبعاً ، فكان بالإمكان أن يتم إنشاء مستشفيات طرفية ويبقى مستشفى الخرطوم كما هو يمارس دوره في علاج المرضى كموقع استراتيجي.
٭ بصفتك السياسية والمهنية ماذا قدمت للجزيرة أبا ؟
– نحن مقصرين في حق اهلنا الأنصار بالجزيرة أبا، ولكن من باب الولاء لابناء وأسر شهداء الأنصار قدمت بعض المقدور عليه بحمد الله وفضله ، وعلى المستوى الشخصي وفي آخر زيارة لي للمنطقة قدمت معدات طبية لانسان المنطقة بمبلغ 400 الف دولار عبر منظمة أمريكية، ولكن المؤسف أن تلك المعدات لا تزال مهملة رغم أن وزارة الصحة بالولاية قد استلمت المعدات إلا انها يبدو فشلت في توظيف من يعملون لتشغيلها وهذا أمر مؤسف وتقصير كبير في حق المواطن ، وأخشى أن تكون هناك نية إلى نقلها إلى خارج المنطقة حسب ما تتحدث المدينة.
٭ دكتور الهادي رمضان كريم وبهذه المناسبة انت أنصاري ولا حزب أمة ؟
– أنا أنصاري وكذلك حزب أمة.
٭ أنصاري وحزب أمة وهلالابي …. الحكاية شنو ؟
– أنا هلالابي على السكين وسبق أن سافرت مع الهلال في رحلاته الخارجية إلى نيجيريا والكاميرون والقاهرة وكان ذلك عام 1987 .
٭ من ديك وعييييك ؟
– لا أبداً أنا كنت في فترة صلاح ادريس رئيساً للجنة دعم الهلال وتحصلنا على مبلغ ملياري جنيه دعماً لمسيرة الفريق في البطولة الافريقية .
٭ أنت أنصاري وحزب أمة وهلالابي لكنك لست مع تعدد الزوجات ؟
– يازول انت بتاع مشاكل ولا شنو
٭ كيف الكلام دا حكومتك في البيت شمولية وضد التعددية ولا الحكاية شنو؟
– الحكاية انني اخترت زوجتي وهي لا تستحق أن تأتي عليها ضرة.
٭ هل كان زواجك غطي قدحك؟
– ليس بهذا المفهوم فهي صحيح من أسرتي ولكنني تفاهمت معها فكانت اختياري.
حوار أجراه: عبدالرحمن حنين: صحيفة الوطن
ي.ع
بسم الله الرحمن الرحيم – ألا رحم الله أولئك النفر الخلص من الأنصار واحتسبهم شهداء عنده. في كتاب توثيقي لأحداث الجزيرة أبا عام 1970م موجود ومتاح بالمكتبات السودانية وردت أسماء الشهداء الذين سقطوا في تلك المعركة التي تزامنت معها معركة ودنوباوي بأم درمان.
سرد الكتاب أسماء الشهداء حسب القبائل التي ينتمون إليها وكان من نصيب قبيلة “البيقو” وقد ورد اسمها خطأ وكتب “بيقا” ستة من الشهداء علي رأسهم جدي لأمي أحمد زكريا حسن الملقب ب”الصاغ” وقد كان حافظا لكتاب الله تعالي القرآن العظيم وحافظا ل”راتب الإمام المهدي” وإماما لمسجد قرية طابت أبوالدخيرة الواقعة بين ربك والجبلين علي الضفة الشرقية للنيل الأبيض وكان ناظرا لمشاريع الدائرة في النعيم كريكرة وطابت أبوالدخيرة. وكان أيضا في “مؤاخاة” دينية في الله مع خال الإمام الهادي “محمد أحمد مصطفي” من الشوال والذي استشهد مع الإمام. وقد كان بمعية جدنا الشهيد أحمد الصاغ ابناه عبدالرحمن وحسن والذين شهدا ضربة السرايا المشار إليها في حديث دكتور الصادق الهادي – وقد حملهما جدي إلي منزل ابنته الكبري مريم المتزوجة بمدينة “أرض الشفاء” وذهب إلي الجهة الشرقية غربي “الجاسر” حيث قذفتهم الطائرات بقنابلها وأردتهم قتلي بالعشرات ودفنوا بذات موقع خنادقهم. وقد قيل أن احدي الطائرات كان يقودها الرئيس المخلوع حسني مبارك. وكان جدي أحمد الصاغ قد هاجر من منطقة الضعين في فترة الثلاثينات تقريبا الي الجزيرة ابا بمنطقة “التمرين” وبعدها “أرض الشفاء” ملتحقا بالإمام عبدالرحمن لأجل إحياء الدين وكان يعمل في مشروعات الدائرة مسئولا عن “ثيران المحراث” خصوصا التي تحتاج للتأديب وتعلم جر المحراث في البداية وذلك بوصفه قادما من أرض البقارة وله خبرة كبيرة في مجال رعاية شئون البقر.
من الشهداء من أسرة البيقو جدنا النور ادم عبدالله والفقيه/ إبراهيم(الملقب ب- ود برد) التوم إبراهيم محمدو أحمد محمدين وآخرين يكملوا العدد لستة شهداء.
ومن ذوينا الآخرين الذين وردت أسمؤهم في الكتاب المذكور أجدادي “تاما” أهل جدتي لأمي المرحومة زهرة بت محمد أحمد إبراهيم المولودة بمنطقة “ود العبطي” بالنيل الأزرق لأم معلاوية. وعلي رأس شهداء التاما شقيق جدتي عبدالله محمد أحمد إبراهيم الذين كان مسئولا عن “مزيقا الأنصار”. وقد استشهد الكثير من أقاربه في تلك المعركة السودانية-السودانية المشئومة.
لقد خلفت تلك المعركة الكثير من الأحزان في نفوس عدد لا يستهان به من ابناء السودان وخلفت ارامل وجرحي صاروا الي معاقين وخلفت ايتامطحنتهم طاحونة الايام التي لا ترحم. نأمل أن يستيقظ الشعب السوداني وأن لا يسمح قادة الأمة السودانية بتكرار مثل تلك المأساة.
لقد شعر ابن الإمام القائد بفظاعة المشاهد المروعة وهو ابن الزعيم ولكن هناك قوم كثر عانوا الامرين ولكن لم تسلط عليهم الأضواء – وهو مشكور علي اهتمامه بأمر الخدمات في الجزيرة أبا.
وكما يقول بعض اهل الجزيرة منذ ايام تلك الضربة العسكرية علي ايام نظام مايو “الجزيرة مظلومة ظلموها غير يوما” وهناك طرفة كانت تقول بأن أحد القادة ذهب للجزيرة لحضور مناسبة احد العيدين واراد ان يصلي بهم اماما فانفضوا من حوله بعد محاولات لجمعهم له -وقيل أن مسئولا أرفع كان يتابع الحدث من الخرطوم ولما ضاق بالأمر قدم سؤالا للقائد الميداني قائلا له: يا فلان هل الأنصار صلوا (يعني صلوا خلفك)؟ قال لا. فقال له المسئول: خلاص “السلك دلو والظلط خلو” وهذه تشير الي مشروعات الكهرباء وتمديد الطريق المعبد الي داخل مدينة الجزيرة أبا.