رأي ومقالات
عادل كلر: إثبات (فرضية) الحملة الإعلامية ضد عثمان ميرغني وحاجات تانية!!
كنت أتوقع من الصديق والزميل الصحفي محمد الإسباط في إطار المساجلة العنيفة [تقرأ الدواس الخشن] الذي جري، لا يزال، بالإشتراك مع الزميل أحمد يونس في مواجهة الزميل الصحفي الآخر ضياء الدين بلال، على خلفية حادثة الإعتداء الآثم على الصحفي عثمان ميرغني، بأن يعود بالنقاش إلى مساره الصحيح، الموضوعي ذو الطابع السجالي، بما يفتح الباب أمام نقاش مهني مسؤول حول الممارسة المهنية في سياق ما كُتب قبل وبعد الحادثة، بيد أن الإسباط وإن غفرنا ليونس إنجرافه في غبار “العنف اللفظي” بذريعة “إستعجال الرد” على ضياء، فهو ما لن نقدر على تجاوزه للإسباط الذي إستهل مقاله المعنون بـ(نواح الجثث الرثة) بالإشارة إلى أن (القضية بكل بساطة تتركز في “حلقات” تهيئة المناخ للاعتداء على صحيفة (التيار) والعاملين فيها عبر سلسلة مقالات منسقة للرد على عثمان ميرغني تتبعها حملة في المساجد ثم تتزامن مع، أو بعد الاعتداء، احاديث لمسؤولين تقرع عثمان ميرغني وتتهمه بقيادة خط للتطبيع مع اسرائيل، كل هذه المعطيات تقود إلى أن ثمة دور اسهم في تهيئة المناخ لأعداء الزميل عثمان ميرغني للاصطياد في الماء العكر الذي خاض فيه ضياء الدين بلال بالكتابة المتحاملة على عثمان ميرغني واعادة نشر الحلقة التلفزيونية من برنامج “قيد النظر” الذي يعده الطاهر حسن التوم على صفحات (السوداني)، والتي تناول فيها عثمان ميرغني مع آخرون قضايا العلاقة مع اسرائيل والموقف منها)، إنتهى الإقتباس من الإسباط الذي أعيب عليه إعادته نشر مقال أحمد كاملاً ضمن مقاله.
وبدءاً أجدني مخالفاً وبشدة تلك الدعوات التي ما إنفكت تنطلق من هنا وهناك للمطالبة بـ”ترويق المنقة” و”وحدة الصحفيين” وغيرها من دعاوى رومانسية [صدرت بعضها من أكارم نحترم ونثق في حسن ونبل مقاصدهم] إلا أن مثل هذه الدعاوى أجدها تعيق بناء مؤسسة للخلاف في الوسط الصحفي نفسه، مسنودة على إرث محترم من السجالات الطويلة العنيفة التي غدت جزءاً من التاريخ الصحفي على المستوى الفكري والأدبي كـ(مسجالات الراحلين العظيمين صلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي، والموسيقيين جمعة جابر ومكي سيد أحمد و أو سجالات د. عبد الله بولا ود. حيدر إبراهيم التي باتت تعرف بـ”حوارية لاهاي” ود. محمد المهدي بشرى وأ. كمال الجزولي وخالد المبارك وغيرها)، طالما حفظت تلك المساجلات أدب الخصومة وشرف الإختلاف وإحترام الآخر، وهو ما نفتقد في موضوع مقالنا الحالي، غير أنه لن يغدو سبباً لتجريم أو تحريم مبدأ السجال/ الخلاف، كممارسة تضيف ولا تخصم من رصيد الفرقاء أو القراء، في المعنى الجدلي للصراع الفكري المستند إلى مواقف فكرية، طبقية وإنحيازات مُسبقة وربما (مصالح وإمتيازات) حتى!
وبالنظر إلى “سلسلة المقالات المنسقة” و”الحملة في المساجد” و”أحاديث المسئولين التي تقرع عثمان ميرغني” التي أوردها الأسباط، مضافاً إليها [من عندنا] فتوى هيئة علماء السودان بحرمة الدعوة للتطبيع مع إسرائيل، تتيح لنا في مقام (التحليل) وحده لا محاكمة النوايا (يا أعزك الله) الحديث عن “حملة إعلامية” كـ(فرضية)، نحاول تأسيسها بالإستناد على السياق الزمني المتواتر الذي صدرت فيه تلك الكتابات والظرف السياسي الإقليمي والوطني حيال موضوع غزة، ومقرونة مع الفتوى وتصريحات المسئولين اللاحقة للحادثة، وهذا ما سنناقشه تالياً.
علمياً تعرَّف “الحملة الإعلامية” بـ(نشاط اتصالي مخطط ومنظم، وخاضع للمتابعة والتقويم، تقوم به مؤسسات أو مجموعات أو أفراد، ويمتد لفترة زمنية محددة بهدف تحقيق أهداف معينة، باستخدام وسائل الاتصال المختلفة وسلسلة من الرسائل الإعلامية، وباعتماد أساليب استمالة مؤثرة بشأن موضوع محدد، يكون معه أو ضده ويستهدف جمهوراً كبيراً نسبياً).
[محاضرة عن الحملات الإعلامية، تقديم: فيصل محمد صالح، 2012] ومن أهم العوامل التي إستند عليها “سندجي وفرايبيرقر وروتزول” في عملية بناء الحملة الإعلامية، أربعة: من هو الجمهور المستهدف، أين يتمركز هذا الجمهور، ما هي الرسالة المطلوب إيصالها، ما هو التوقيت المناسب لتقديم الرسالة.
[الإعلان النظرية والتطبيق، ش.سندجي وفيرونون فرايبيرقر وكيم روتزول، 1983] ومن نافلة القول بأن المكتوب في العمود الصحفي والمقال (كرسالة إعلامية صرفة) يستهدف في البدء تشكيل الرأي العام عبر مخاطبته في قضية محددة “مع أو ضد”، وأن الجمهور المستهدف بالضرورة يقع في مجال القراء السودانيين الذين هم في حال أخذنا لعمود زميلنا ضياء الدين كـ(نموذج) للكتابات التي نفترض بأنها كانت جزءاً من “فرضية” الحملة الإعلامية، ليسوا سوى “القاريء السوداني” أو “رجل الشارع العادي ده”.. بمعنى أن جمهور قراء اللغة العربية من “المسلمين” المداومين على شراء الصحف على مختلف مستويات وعيهم- هم جزء من القراء المفترضين لذلك العمود، وبالنسبة لتمركزهم فهم في الغالب يقطنون الرقعة الجغرافية التي يشملها عطف شركة توزيع صحيفة (السوداني) والخرطوم العاصمة رقعة مركزية في هذا السياق، والرسالة المطلوب إيصالها أن عثمان ميرغني أخطأ بالحديث عن إسرائيل من “منظور ايجابي” و”تغزل” فيها و”بشَّر بالنموذج” وأن “كاميرا التاريخ سجلت له مرافعة الدفاع عن إسرائيل على شاشة النيل الأزرق في الوقت الي يشهد فيه كل العالم عبر الفضائيات مجازرها وانتهاكاتها في قطاع غزة”. وبالنسبة إلى التوقيت المناسب لتقديم الرسالة نجد أن ضياءاً قد كفانا جهد الإشارة إلى عبر ما أورده في عموده المعنون (عثمان ميرغني وإسرائيل) والذي نقلنا منه الإقتباسات الأخيرة، هو توقيت يغلي فيه الشارع العربي والعالمي والسوداني (المسلم) غضباً وسخطاً جراء الفظائع والمجازر التي تركب بغزة.
وغني عن القول بأن صحيفة السوداني من الصحف واسعة الإنتشار بالبلاد ودوننا تقارير مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، وهي من الصحف المؤثرة والمهمة في تشكيل الرأي العام بهذا المستوى، وعليه فإن لكتاب أعمدتها الصحفية سهم وافر في ذلك، وهي غاية مقدرة ونبيلة أن يسعى كاتب ما لتشكيل الرأي العام بمجتمعه وفق قناعاته وأفكاره التي يعتقد فيها الصواب، لكن في رجوعنا لـ”فرضية” الحملة الإعلامية ضد عثمان ميرغني، تلزمنا الإشارة إلى أن مساعي الحملات إلى تحقيق نوع من التأثير لا يتضمن (الضرب) أو (الأذى الجسيم) أو (الإعتداء) على الأشخاص، ولا أعتقد بأن هذا كان غرضاً لضياء الدين فهو براء من كذا ظن للأمانة! لكن طالما يكمن التأثير الإعلامي في تدعيم الاتجاهات والتعريف بقضايا لتكوين أراء واتجاهات جديدة أو تغير اتجاهات قديمة أو تغير/ تبني سلوكيات معينة في المجتمع المعين، لكن ثمة أمر مهم في هذا الجانب وهو “أهمية الوضع في الإعتبار استغلال المناسبات التي يتشوق الجمهور فيها ويستعد نفسياً لتلقي أخبار من وسائل الإعلام وتتبع الأعمال والأفكار أو الأنشطة”.
[فؤاده عبد المنعم، التسويق الاجتماعي وتخطيط الحملات الإعلامية] وهو ما يجعلنا نقول عطفاً على “فؤاده عبد المنعم” أن السياق الزمني الذي نشرت فيه الكتابة ضد عثمان ميرغني كان فيه الجمهور (الشارع السوداني المسلم بأبو حمزته ومتشدديه ومتطرفيه وجميع مهووسيه) معبأ نفسياً ضد إسرائيل ومحتشد وجدانياً ومن منطلقات إنسانية ودينية مع شعب غزة المكلوم، وعليه في ذات السياق، يجوز (توقُّع) أي شيء من جمهور بهذا الحجم وبهذا الغضب والإحتشاد كرد فعل محتمل لا يدحضه إلا إعتراف الجناة عقب القبض عليهم بأنهما لم يتأثرا بالحملة التي نفترض، ويجوز لنا أن نشهر أصابع رفضنا للكتابة ضد عثمان بهذه الصورة “بكل مراحلها على مستوى الكتابة أو إعادة نشر الحلقة التلفزيونية” في التوقيت والسياق السياسي والإجتماعي الذي تمت فيه (الوضع في غزة + الشهر ذو الطبيعة الدينية: “السيد رمضان”!)، ولن نفترض هاهنا حسن النية، بتاتاً.
وأبسط تعريف لـ(التحريض) هو خلق فكرة الجريمة وخلق التصميم عليها في نفس الجاني بأي وسيلة كانت، وهو للحق ما نفتقر إليه هنا في حالة عمود ضياء الدين بلال (مجرد عمود)، وإن أشارت نتائج وتوصيات “خطة عمل الرباط” التي عقدتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان (2011) إلى أن التحريض “جريمة غير تامة”، ومع ذلك فإنه “ليس من الضروري ارتكاب الفعل الذي دعا إليه خطاب التحريض حتى يُعتبر ذلك الخطاب جريمة، لكن يجب، مع ذلك، تحديد درجة ما من مخاطر الضرر الناجم عنه مع الإقرار بأن تلك الصلة السببية ينبغي أن تكون بالأحرى مباشرةً”.
وقد إعتمدت “خطة عمل الرباط” معياراً من ستة أجزاء لمعايير أشكال التعبير المحظورة جنائيًّا، ومن أهم هذه الأجزاء الست: السياق، حيث أكدت على أن “السياق أمر بالغ الأهمية عند تقدير ما إذا كانت تعبيرات معينة يمكن أن تحرّض على التمييز أو العداوة أو العنف ضدّ المجموعة المستهدَفَة، أو يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على النية و/أو العلاقة السببية على حدّ سواء. وينبغي، في تحليل السياق، وضع فِعْل الخطاب في السياق الاجتماعي والسياسي السائد عند صدور الكلام ونشره”. [خطّة عمل الرباط، بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينيّة التي تشكّل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، المغرب، إكتوبر 2012].
ولكن هل كان ما كتبه عثمان ميرغني “مستفزاً” أم هنالك حملة “مفترضة” [مقالات وفتاوى كمان!] سعت لتصويره في صورة المستفز؟ و”شيطنته” تمهيداً لتصفية “حسابات” بعينها مع الرجل في مشهد صراعات أجنحة وجبابرة الإنقاذ وعتاة سدنتها، تحت مظلة “عثمان يدعو للتطبيع مع إسرائيل”.
ولست أدري أيهما “مستفز” لجمهور المسلمين القراء: حديث عثمان أم تصريحات والي ولاية القضارف السابق كرم الله عباس الشيخ في افتتاح أعمال المجلس التشريعي التي وعد فيها بتطبيع علاقات السودان مع إسرائيل حال تسلمه حقيبة وزارة الخارجية، والتي قال فيها يومذاك: “أنا من مدرسة داخل المؤتمر الوطني توافق على التطبيع مع إسرائيل” [المصدر: صحيفة التيار، أبريل 2012].. فتأمل! (مدرسة كاملة جوة المؤتمر الوطني.. بقت على عثمان يعني!).
وحسناً فعل الناطق الرسمي بإسم الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ يوسف حسين في معرض إدانة الحزب الشيوعي للإعتداء علي صحيفة التيار، حيث أشار إلى أن الحزب أعلن موقفه مما يجري في غزة من إنتهاكات ضد الشعب الفلسطيني إلا أنه ومن موقف مبدئي يرفض الحجر علي الرأي الآخر بأي شكل من الأشكال (صحيفة الميدان 22 يوليو 2014).
وقصدت من إيراد النقطة الأخيرة، بأنه من الممكن من أن نكون على النقيض من عثمان ميرغني لكننا مع حقه في إبداء الرأي والتعبير عنه، ومع حقه المكفول كمواطن في الأمن والسلامة، سائلين المولى عز وجل له الشفاء العاجل، على أن يبقى بيننا معترك مؤجل في حيز المهنة بأعتباره جزءاً من المنظومة الصحفية التي سعت سلطة الإنقاذ إلى تأسيسها وفرضها، وللعجب هي منظومة تضم الكثيرين في نمط صحافة كتاب الرأي المدجنة مقابل قواعد الصحافة المهنية التي تكسب الفعل الإعلامي دوره وهويته الأصيلة كسلطة رابعة في الدولة والمجتمع الديمقراطي “على قول الراحل الصحفي أحمد عبد المكرم”، هو نمط فُرض بقوة السلطة وقوانينها، وبفعل رأس المال الإسلامي المتماهي مع مبدأ الكسب السريع على حساب رسالية وقداسة صاحبة الجلال.
وشكراً لعثمان الذي أتاح لنا بدمه النجيع أن نطرق على هذه المواضيع
من أجل الممارسة الصحفية الرسالية الراشدة، التي نحلم، ونسعى..
ومرحباً بالإختلاف المؤسس على بساط النضج والفكرة.. وقبلاً مرحباً بـ فرز الكيمان
بقلم: عادل كلر
الكاتب و المكتوب عنه و المكتوب له..أُس بلاء هذا البلد..!!
إقتباس :
(وهو ما يجعلنا نقول عطفاً على “فؤاده عبد المنعم” أن السياق الزمني الذي نشرت فيه الكتابة ضد عثمان ميرغني كان فيه الجمهور (الشارع السوداني المسلم بأبو حمزته ومتشدديه ومتطرفيه وجميع مهووسيه) معبأ نفسياً ضد إسرائيل ومحتشد وجدانياً ومن منطلقات إنسانية ودينية مع شعب غزة المكلوم، وعليه في ذات السياق، يجوز (توقُّع) أي شيء من جمهور بهذا الحجم وبهذا الغضب)..إنتهى الإقتباس.
بالمقابل و إذا أعملنا حسن النية تجاه المدعو ( عثمان ميرغنى ) أن من حقه حرية التعبير..نسأل أليس إختياره لهذا الوقت إختيار مشبوه متعمد؟!
من غير فلسفة شيوعيى اليوميين دى..ما كتبه هذا الأفاك يندرج فى باب تثبيط الهمم و الغدر و لو بالكلمة..فعثمان ميرغنى يعلم تمام العلم..أن الذى يحارب الصهاينة الآن هم مجموعة فصائل و ليست حماس وحدها..و خيار الحرب هنا مع فارق الإمكانيات خيار إستراتيجى لا بتوفر زمنه الا كل 50 سنة..فعندما تخير بين ان تموت بشرف و البندقية فى يدك او أن تموت ( فطيساً) عبر حياة ذل و قهر و ( عمالة ) كما يفعل ( عباس ) و ( السيسى ) و ( خليج نعمة ) قطعاً نقول هنيئاً لكل فلسطينى الشهادة..الا تحترموا أنفسكم و انتم تحرمون على شعب أطبقت عليه و أقفلت فى وجهه كل بقاع الدنيا..و سدت كل المنافذ من أجل أن يحيا حياة كريمة..رحم الله ( يحيى عياش ) و بقية رفاقه فقد صنعوا المعجزات , فقد حاربوا اعداء الله بالحجارة حتى وصلوا الى طائرة بدون طيار..و يريد منهم عثمان ميرغنى الاستسلام للصهاينة و يبرر ( اهل الجدل و السفسطة ) قوله و تآمره..و لا أجد منطقاً يجدى معه و مع أمثاله إلا منطق ( لكم حرية القول و لغيركم حرية الفعل)!