وقيع الله حمودة شطة : الأزمة السياسية في المشهد السوداني
سؤال صديقي العزيز بدأ مستفزاً لي لأني أعلم حقائق كثيرة من حقائق وأسرار هذه الأحزاب، لكني كلفت نفسي طاقتها من الصبر حتى استمع جيداً لسؤال الأخ العزيز، ثم رفدته بإجابات مقتضبة كان يمكن لها أن تطول لكني آثرت الاختصار في الإجابة لأتخلص من مرارة التوقف في هذه المحطة المزعجة حقاً.. محطة دور الأحزاب السودانية في خدمة المجتمع والشعب، وإني لأعتقد أن غالب مشكلات أزمتنا السياسية في السودان وجهتها الأحزاب والتنظيمات السياسية السودانية نفسها، سواء أكانت هذه التنظيمات في المعارضة أو كانت في الحكم، وسوف تظل هذه المشكلات يتطاول ليلها وتتسع دائرة أحزانها، ويلعق الشعب والدولة حنظلها ما لم نعد النظر في الكيفية والدوافع التي تتكون بها الأحزاب وتنشأ، ونعيد النظر أيضاً في مؤهلات وقدرات ومهارات قيادات الأحزاب عند الاختيار والانتخاب، وتظل هذه الليالي المدلهمة جاثمة على صدور حياتنا السياسية تصبحنا وتمسينا بالجراح والآلام وتولد كل يوم أزمة تتناسل منها أزمات تدمر البلد والدولة وتعبث بمقدرات هذا الشعب.
إن السؤال المحوري في تقديري من أين لهذه الأحزاب القدرة في قيادة الحوار الوطني، وإخماد نيران الحرب والثورات المسلحة في بلادنا ومنع التدخل الأجنبي في شؤون بلادنا وقيادة مكونات الشعب الجهوية والقبلية قيادة رشيدة تحول هذه التعدد والتنوع الى مشروعات قوة خلاقة تسهم في النهضة والتقدم، بعيداً عن الاحتراب والصراع والاقتتال؟ ومن أين لهذه الأحزاب القدرة على قيادة هذه السفينة وهي ذاتها تعاني من غياب الشورى والمؤسسية وحرية النقاش والحوار داخل كياناتها وتعاني غياب التوافق الفكري والوجداني بين مؤسسيها؟ وتعاني من ضعف التأهيل والأداء الفردي وتواضع المهارات والعجز في الابتكار لدى قياداتها؟ وتعاني من حالات الفقر الفكري والعجز المهاري وقلة الخبرات التنظيمية والإدارية التي قادت كثيراً من قيادات الأحزاب الى الاستبداد والتسلط والديكتاتورية والفردية وداء حب البقاء في رئاسة التنظيمات السياسية والقتال من أجل ذلك ولو بقى رئيس التنظيم وحده في الحزب!! لأن «العريان» فاقد الغطاء يتوهم أن أوراق الشجر يمكن تستر عورته!
وتعاني الأحزاب السياسية غياب العقل الجمعي في القيادة، وهذه العلة أقصت حظوظ التخطيط الاستراتيجي لبناء الأحزاب السياسية بناءً متيناً، وتجاهلت استدعاء شعور التربية الوطنية، ودوافع الإحساس القومي الكلي نحو الوطن.
وتعاني الأحزاب السياسية من قلة تمويل برامجها حتى قد يصل الأمر عند بعضها الى نقطة الانعدام الكلي لقنوات التمويل، والحكومة والحزب الحاكم غير مدرك لخطورة هذه النافذة التي يمكن ان تتحول الى باب ضخم يدخل منه كل شر.. مؤامرات السفارات، وانتهازية المخابرات الأجنبية، وشراك القوى الدولية المعادية من خلال لعبة استقطاب هذه الأحزاب أو على الأقل قيادات مؤثرة فيها لهدم أركان الدولة ولو بعد حين.
وتعاني الأحزاب من انشطاراتها وانقساماتها وتعددها الذي أيرى مساحات الخلاف والصراع بينها، وبين قواعدها وقياداتها، فانصرفت الى خلافاتها وأدارت ظهرها عن هموم الوطن وقضايا الشعب، واني على يقين قد يصل نقطة الكفاية، انه لو اُخضعت قيادات هذه الأحزاب لامتحانات منهجية في طرق التفكير والتنظيم والتخطيط، لإدارة هذه التنظيمات، وماهية الأهداف والمبادئ والأسس التي لأجلها تنشأ الأحزاب؟ وما هو دور الأحزاب في خدمة الشعب الوطن؟
وما هي الطرق السليمة في منهجية التفكير لخلق البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكيفية ادارة الدولة وكيفية ادارة حكومة ظل داخل هذه الاحزاب قبل مرحلة الدولة؟ لو اجريت امتحانات لقيادات الاحزاب في هذه الافكار لرسبوا جميعاً وفشلوا، واذا كان الأمر كذلك ما فائدة البلاد من وجود هذه الأحزاب وقياداتها العاجزة التي تتظاهر نفاقاً انها تدرك، وهي لا تدرك!!
إن قيام التنظيمات السياسية على غير هدى قيمي وايديولوجي افقدها معايير الاسهام في البناء الفكري والثقافي والاجتماعي، لأنها لا تملك مبادئ واهدافاً واجندة وبرامج واضحة تعمل على تنزيلها في واقع المشهد السياسي الوطني.
إن أنماط التفكير لدى قيادات الأحزاب سواء أكان داخل هذه الاحزاب اواثناء المشاركة في قيادة الدولة ومؤسسات المجتمع، تدور حول محور التنافس والتسابق والصراع لتحقيق مكاسب شخصية آنية على حساب الحزب والمؤسسة والدولة، وهذا الداء العضال ذكى الصراع الجهوي والقبلي والأثني الذي ليس له بلسم يداويه إلاّ تفكيك هذه الأحزاب السياسية العاجزة وتلاشيها، وهو نوع من أنواع الفساد قاتل لا يمكن علاجه او التخلص منه، ما لم يتقلص عدد الأحزاب في السودان الي حزبين كبيرين أو ثلاثة أحزاب فقط تتفق جميعاً على ثوابت وطنية مستقاة من هوية هذا الشعب، ويبقي تنافسها على نيل ثقة الجماهير من خلال اختلاف برامجها وكيفيات التنزيل في الفرعيات وفلسفة الادوات والوسائل.. ما لم يحدث هذا لن تتقدم بلادنا.. ولن تنهض، ويظل الشعب والدولة والحكومة والمعارضة الكل يعاني ويتألم.
وغالب قيادات الأحزاب السياسية السودانية، إن لم تكن جميعها تعاني من خلل تربوي وفكري وعقدي وثقافي في قسمات الشخصية على المستوي الفردي بنسب متباينة من شخص لآخر، وبالتالي هي عاجزة عن أن تتصالح مع نفسها لتؤهلها هذه السلامة البنيويّة والسيكلوجية لكسب ثقة الآخرين وتحقيق القدوة، ومن الأسباب التي تأتي بهؤلاء العاجزين أن هناك تصّوراً خاطئاً لمفهوم ومصطلح السياسة في السودان، وهو ان كثيراً من هؤلاء يعتقدون ان امتهان السياسية يعتبر مهنة وحرفة مثله مثل العمل في مجالات تخصصية اخرى كالتدريس والطب والهندسة والاعلام، وليست هناك مقاييس ضابطة للاشتغال بالعمل السياسي كما هو الحال في المهن الاخرى، حيث يوجد ما يعرف بأخلاقيات المهنة، وهنا تكمن أزمتنا السياسية في مشهدنا السوداني.. فهل قائد أممي ملهم راقٍ لدائنا.
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]