عالمية

يهود ضد الإبادة الجماعية : “إنها ليست حربا.. إنها مجزرة.. وهذا ما لا يجرؤ الناس على الإعتراف به”

[JUSTIFY]كومة من الدمى المخضّبة بالدماء، والمقطوعة الأوصال تلتهمها نيران أشعلت في إناء حديدي كبير قبالة متحف “ياد فاشيم” لذكرى ضحايا المحرقة اليهودية.. وعلى يافطة مثبتة، غير بعيدة منها، على قطعة من اللوح ، ارتسمت كلمة “غزة” بحروف كبيرة باللون الأحمر القاتم..

كانت تلك إحدى مظاهر الاحتجاج والتنديد التي تتبنّاها حركة “يهود ضد الإبادة الجماعية”، والتي تستهدف رموز السلطة الإسرائيلية، احتجاجا على التدخل الاسرائيلي في غزة.

الحركة لم تكتف بالتعبير عن غضبها أمام متحف “ياد فاشيم”، وإنما كانت لها أنشطة مماثلة أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ومحكمة العدل العليا ووزارة الدفاع في الاسرائيلية في القدس الغربية.

كما قامت بالاحتجاج أمام مبنى السفارة المصرية في تل أبيب للمطالبة بفتح معبر رفح بين غزة ومصر أمام الجرحى واللاجئين الفلسطينيين، انتصارا للدعوات المتتالية لسكان غزة بذلك.. احتجاجات سرعان ما لقيت صدى لدى يهود العالم الرافضين للعدوان الاسرائيلي على غزة، فكان أن تواترت الوقفات الاحتجاجية أمام السفارات الإسرائيلية في لندن وسان فرانسيسكو وستوكهولم وكوبنهاغن ومدريد.

و”ياد فاشيم” هي مؤسّسة إسرائيلية رسمية تأسّست العام 1953، بموجب قرار الكنيست الإسرائيلي، كمركز أبحاث في أحداث “الهولوكوست”، أو المحرقة اليهودية، أي إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ولتخليد ذكراهم ومقرها القدس المحتلة.

أنشئت حركة ” يهود ضد الإبادة الجماعية” في عام 2006، وانطلقت أنشطتها بتعليق يافطات على حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي، الواقع جنوب مدينة رام الله بالضفة الغربية، على الطريق التي تصلها بمدينة القدس المحتلة. وكتب الناشطون صلب الحركة على تلك اليافطات شعار “الأمن، أملنا جميعا”، في إشارة إلى نفس الشعارات تقريبا التي كانت منتشرة في معسكرات الاعتقال والإبادة خلال النظام النازي.

مؤسّسة حركة “يهود ضد الإبادة الجماعية” هي ناشطة يهودية، تدعى “نيتا جولان”، وهي مقيمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، قالت، في تصريح للأناضول “نحن نحاول أن نبيّن أنّ هذه هي نفس التقنيات ونفس أساليب الدعاية أو البروباغاندا” التي استعملتها النازية من قبل.

ويرمي الناشطون اليهود المناهضون للإبادة الجماعية إلى التصدّي للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، منذ السابع من الشهر الماضي، والتي تسببت في سقوط حوالي ألفي قتيل، جلّهم من المدنيين، وذلك عبر التركيز على معاناة أهالي غزة.

“نيتا” أضافت، في السياق ذاته للأناضول، أن”الإسرائيليون مصابون بالعمى إزاء معاناة الفلسطينيين، بل هم يحتفلون بها، ومن هذا المنطلق، انبثقت فكرتنا بإيصال معاناة غزة إليهم، وذلك عبر الصور”.

وتابعت قائلة: “لا يسعنا أن ننقل إليهم (الاسرائيليون) الصور الحقيقية للأطفال المشوّهين، المتفحّمين، المصابين أو المقتولين، لأنّه من المستحيل نشرها في الصحف، فهي صور بشعة جدا، حتى وإن كان مقدّر على أهالي غزة التعايش مع مثلها.. ومن أجل كلّ ذلك، أردنا نقل تلك الصور عبر الدمى والنار والطلاء.. نحن نريد إيصال معاناة أهالي غزة إلى الجمهور، وعلى أبواب المسؤولين، لأنّ تلك المؤسّسات هي المسؤولة بطريقة مباشرة على هذه الإبادة (التي يتعرض لها الفلسطينيون).. وما قمنا به في النصب التذكاري لـ “ياد فاشيم” (الدمى المخضبة بالدماء، والتي تلتهمها النيران)، كان موجّها للجمهور الإسرائيلي”.

الهدف رمزي بحت، ذلك أنّ نشطاء “يهود ضد الإبادة الجماعية” لا يتوقّعون وعيا حقيقيا من لدن السلطات الإسرائيلية، أو تغييرا على الصعيد السياسي.. وما يقومون به هو بمثابة الدعوة التي يطلقونها من أجل حشد تضامني دولي، هدفه وضع حدّ للهجوم الإسرائيلي على غزة، وبث رسالة فحواها: “على الناس أن يسمعوا من أفواه اليهود أنفسهم اعترافا بأن ما يحدث هو إبادة جماعية”، بحسب “نيتا”.

وأوضحت “نيتا” قائلة “هذه حقيقة ما يجري، وإنّه حقا لأمر عاجل، فإن كان الناس يأسفون لالتزام الصمت ولعدم التدخّل حينما تعرض اليهود، أو أي مجموعة (عرقية) أخرى، للإبادة الجماعية، فأعتقد أنه حان الآوان للكلام ولوضع حد لما يحدث”.

غير أن المتابعين للشأن الأسرائيلي يجمعون على أن معارضة التدخل الإسرائيلي في غزة تعدّ “هامشية” وغير ذات وزن في إسرائيل. ووفقا لمختلف الدراسات الاستقصائية، فإن حوالي 86٪ من اليهود الإسرائيليين يؤيدون العملية العسكرية في غزة.

وعن ذلك قالت “نيتا” إنّ “الخطاب حول الإبادة الجماعية في إسرائيل التي تستهدف الفلسطينيين، والذي نتناوله نحن منذ العام 2006، ما يزال غير مطروح حدّ الساعة (…). فمن أجل أن يحصل الصهاينة على “أرض بلا شعب، وشعب بلا أرض”، كان عليهم التخلّص من الناس، وبالتالي، فإن المبدأ يقضي بالتطهير العرقي، لطرد غالبية السكان، للحصول على أغلبية يهودية، من أجل ديمقراطية يهودية”. ” وهذا ما نسعى للتبصير به”، تضيف الناشطة

أمّا بالنسبة لـ “نوريت بيليد الحنان”، وهي عضوة في حركة “يهود ضد الإبادة الجماعية”، وأستاذة بجامعة القدس، وهي أيضا مؤلّفة كتاب “فلسطين في الكتب المدرسية الإسرائيلية: الإيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم”، والذي نشر في عام 2012، فإن “العنصرية كانت متواجدة هنا (في إسرائيل) على الدوام.. في تعليمنا (…) غير أنّ عنصرية الشارع لا يمكنها الظهور لو لم تلق دعما من لدن السلطات.. واليوم، أفظع عنصرية هي عنصرية الحكومة، أي ما يقوله الوزراء وأعضاء الكنيست.. جميعهم يشجّع على عنصرية الشارع.. غير أنّ هذا الأمر كان كذلك على الدوام، لأنّ أطفال اسرائيل يتلقّون تعليما عنصريا فظيعا”.

وبالنسبة لها، فإنّ الهدف واحد من غزة إلى الضفة الغربية، ولا شيء يختلف سوى الظروف: “(…) في غزة الأمر أسهل، إذ لم يعد هناك يهود، غير أنّ الهدف يظلّ نفسه، وهو تطهير المنطقة من الفلسطينيين.. ولطالما كان كذلك.. إنّه هدف دولة إسرائيل”.

أما بالنسبة لأولئك الذين لا يوافقون على سياسة الحكومة الإسرائيلية، فهم لا يخشون الكلام: “إنه الخوف”، تتابع “نوريت بيليد الحنان، “خوف رهيب، ونحن لا نعرف بماذا نفكّر أيضا.. فبمجرّد البدء بالتفكير، نقف على حقيقة أننا نعيش في بلد استبدادي.. في بلد يضمّ فسادا لا يصدّق. نحن نخضع لقادة فاسدين.. قتلة.. إنهم مافيا.. وهذا ما يثير خوف الناس (…). حتى اليساريون تراجعوا”.

وختمت قائلة “إنها ليست حربا.. إنها مجزرة.. وهذا ما لا يجرؤ الناس على الإعتراف به”.
[/JUSTIFY] [FONT=Tahoma] الأناضول
م.ت
[/FONT]