ثقافة وفنون

عطر الغناء النسائي: أم بلينا السنوسي.. خطوة إثر خطوة


[JUSTIFY]لم تضع (أم بلينا السنوسي حمدان) اسمها بتلك الأناقة فائقة على جدار الغناء السوداني الحديث، دونما كفاح وجهد أثمرا عن صوت وأداء رائعين، الأمر الذي ساهم في تعميدها مطربة فذة في وقتٍ لم يكن من السهولة أن تشرع فيه بوابة الغناء لكل من يطرقها.

ومع ذلك قررت (أم بلينا)، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أن تعود إلى مسقط رأسها مدينة الابيض من أجل الاهتمام بوالديها، تاركة أضواء العاصمة وشهرتها خلفها، ثم ما لبثت أن تزوجت فتفرغت لرعاية ابنيها، وها هو ابنها (حمدان) يتخرج في الجامعة، بينما قاطع (سليمان) الدراسة، بعد أن أكمل الثانوية اتجه مباشرة إلى سوق العمل.

خطوات أولى

1952م، شهدت كردفان ميلادها. نشأت (أم بلينا) وترعرعت بالأبيض، حيث توقفت عن الدراسة بعد إكمالها (الابتدائية).

تحكي (أم بلينا) عن تلك المرحلة من حياتها قائلة: “فارقت درب القراية من بدري ومسكت درب الغنا”، وأنا البنت الكبرى بين سبع بنات للحاج (السنوسي حمدان) والحاجة (النية تية جابر جودة)، ورثت صوتي الجميل عن والدتي.

وضعت (أم بلينا) أولى خطواتها على درب الغناء، وهي في سن صغيرة، بانضمامها إلى فرقة فنون كردفان بمساعدة مكتشفها الموسيقار (جمعة جابر)، وشاركت إثر ذلك في مسابقة المديريات وأحرزت الفرقة التي كانت تضم بجانبها كل من (إبراهيم موسى أبا، حمودة محمد، صديق عباس)، الجائزة الأولى.

بداية قوية

1962م/ كونت ثنائياً مع (فاطمة عيسى) كأول (دويتو) نسائي في السودان، أطلقتا عليه اسم (الثنائي الكردفاني)، دشن مسيرته بأغنية (ارحموني يا ناس) ثم (الحياة حلوة)، ولم تلبثا إلا قليلا حتى اعتزلت (فاطمة عيسى) الغناء، فأشار عليها بعض كبار الفنانين بالغناء منفردة، تقول عن ذلك: “بديت مشواري مع فاطمة عيسى، ولمن خلت الغنا نصحني بعض الإخوة بأن أغني منفردة إذا كنت أبحث عن الشهرة، وأنسى مسألة الثنائي دي تماماً، وقد كان”.

1970م أجازت الإذاعة صوتها فسجلت أغنيتها الشهيرة (وداد)، من كلمات السر محمد عوض ولحن علاء الدين حمزة، ثم توالت الأغنيات، فكانت (رسالة إلى أم)، لخليفة الصادق، وغيرها من الأعمال الأخرى، تقول أم بلينا: “لكل شيء ثمن، أنفقت 6 أشهر من المعاناة في الذهاب والإياب من وإلى الإذاعة، كي يجاز صوتي، وفي نهاية الأمر تحقق لي ما أردت”.

حينها، في ذلك الوقت تحديداً، كانت أم بلينا الصوت النسائي الوحيد في الساحة الغنائية، بعدها بثلاث سنوات ظهرت البلابل ثم سمية حسن وزينب الحويرص.

عندمات قررت أم بلينا الغناء، رفضت والدتها تماماً، في حين لم يكن والدها موجوداً في الأبيض، لكن الموسيقار جمعة جابر والشاعر أحمد محمد هارون هما من توليا مهمة إقناع والدتها بموهبتها، فكان لها ما أرادت.

التحول الكبير في حياتها المهنية، حدث عندما تم اختيارها بمرافقة الراحلين عثمان حسين ومحمد وردي إلى رحلة فنية، وكان ذلك مثابة اعتراف عالي المستوى بموهبتها.

حالة نفسية سيئة

لكن لم تكن (أم بلينا) تدري أن هذا الطريق وعر ومليئ بالأشواك لصغر سنها، وعدم وعيها وإدراكها، ولاقت ما لاقت من مضايقات حتى كادت تنهار لولا وقفة الأصدقاء.

تواصل (أم بلينا): “لم أكن أدرك صعوبة الأمر وخطورة الدخول في الوسط الفني، كنت صغيرة وسط، لكن عندما كبرت، وبدأت أُقيِّم الأمور دخلت في حالة نفسية سيئة جداً، ووجدت نفسي بين خيارين، إما أن أتحمل أو أتوقف، فقد كان المجتمع يتعامل مع المغنين وكأنهم مصابون بمرضٍ مُعدٍ، وكنا نعيش كالمنبوذين، لكن بفضل الزملاء استطعت أن أضع أعصابي في ثلاجة (وأكون باردة)، لأن درب الشهرة ما ساهل، والحمد لله الآن دخل الفن كل البيوت، وأصبحت الأسر تأتي ببناتها ليغنين وتنتظرهم كمان”.

عودة مبكرة

بعد غياب دام 14 عاماً نهاية وبحلول نهاية ثمانينات القرن الماضي، عادت أم بلينا إلى مسقط رأسها لرعاية أبويها، لكنها تركت إرثاً غنائياً كبيراً بالإذاعة والتلفزيون القومي جيث سجلت لبرنامج (من بلادي) من داخل منزلها بالأبيض حلقة كاملة في العام (2008)م، وكانت تنوي تسجيل أخرى من خلال برامج رمضان (2012)م لكن ظروفها حالت دون ذلك.

تعاونت أم بلينا مع عدد من الشعراء الكبار كالحلنقي، أبوقطاطي، تاج السر عباس ولحن لها جمعة جابر، علاء الدين حمزة، المنصوري، وعبد الماجد خليفة، وشاركت بالغناء في ملحمة (قصة ثورة)، كلمات هاشم صديق وألحان (محمد الأمين) برفقة عمالقة الغناء، محمد الأمين، عثمان مصطفى، بهاء الدين عبد الرحمن والراحل خليل إسماعيل.

رغم مواقفها الوطنية فإنها لا تهتم بالشأن السياسي، وكرست جل جهدها للغناء فقط، وهذا ما أكدته خلال حديثها إلى (اليوم التالي) حيث قالت: “ليست لدي أي ميول سياسية، فأنا مقتنعة أنني إما أن أكون فنانة أو سياسية، فاخترت الفن، لكنني من جهة أخرى أحب كرة القدم، وأشجع الأحمر الوهاج”.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]