خالد حسن كسلا : بين الحكومة والشيوعيين ضاع الإعلان
فالحكومة السودانية تعتبر إعلان باريس رقصاً خارج الحلبة، باعتبار أن الحكومة لا بد أن تكون طرفاً في أية حوارات أو مفاوضات للوصول إلى اتفاق، لأنها تملك تنفيذ الاتفاق بصورة رسمية وقانونية، ومثلاً كل ما جاء في إعلان باريس سيظل أفكاراً لا سبيل لنقلها من النظرية إلى التطبيق ما لم تدرسه الحكومة وتوافق عليه، هذا إذا وضع الإعلان موضع برنامج حل للمشكلة، لكن إذا كان المقصود منه أن يكون خريطة طريق جديدة موحدة للمعارضة والتمرد ضد الحكومة، فهذا أمر آخر لا ينبغي أن تعنى الحكومة بدراسته والتعليق عليه، ولم يكن هناك داعٍ للاتصال بأمين العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم مصطفى عثمان اسماعيل من قبل السيد الصادق المهدي لاطلاعه على التوقيع على الإعلان. أما أحد الأحزاب التي تنشط إعلامياً ولا تملك قوة أو قاعدة جماهيرية للرهان عليها في معارضة الحكومة وهو الحزب الشيوعي، فهو على ما يبدو لم يرحب بإعلان باريس. لكن لماذا؟!!.
هل لأن الإعلان أشار الى اعتماد الحل السلمي والتخلي عن السلاح مجرد إشارة وأرجأ مسألة علاقة الدولة بالدين إلى حين حل كل المشكلات الأمنية والتنموية والخدمية، أم لأن السيد الصادق المهدي اختطف منه القفاز وجلس مع حلف الحركات المتمردة ووقع معها إعلان باريس المحضور من قبل المجتمع الدولي؟! إن الحزب الشيوعي يقول إن الصادق المهدي خرق الإعلان بمبادرته بالاتصال بقيادات حكومية دون استئذان الموقعين على الإعلان.
أولاً: لماذا يتحدث هنا الحزب الشيوعي نيابةً عن الموقعين عن الإعلان؟!. لماذا هذا التطفل السياسي؟! أو «الطفيلية السياسية» ما دام أن الشيوعية تتحدث عن «الطفيلية الرأسمالية»؟! ثانياً هل المقصود من الإعلان هو إسقاط النظام حتى لا يجوز الاتصال به مثلاً، ونحن نقرأ في بعض فقراته الاستعداد لوضع السلاح على أن يكون «التغيير» وليس «الاسقاط» بالطرق السلمية؟! أما علاقة الدين بالدولة فهي دائماً القشة التي ظلت تقصم ظهر بعير الحزب الشيوعي، فهو يريد أن ينشئ مزرعة أسماك لا تعيش داخل الماء. وهذا لن يكون طبعاً. أما إعادة إنتاج فكرة الصادق المهدي التي سيقوم بها الحزب الشيوعي كما قال، وهي تكوين الشيوعيين دائرة اتصال للترتيب لعقد لقاءات مع الحركات المتمردة لإنتاج إعلان مماثل لإعلان باريس، فهذا يعني أن الشيوعيين مازالوا في ضلالهم السياسي القديم، وليتهم فعلوا ما أرادوا لكي تكشف المقارنة بين إعلان باريس والإعلان الذي سيرعاه الشيوعيون نياتهم في التعاطي السياسي مع مشكلات البلاد. لكن لماذا كل هذا اللف والدوران؟!..
فكان يمكن أن يقولوا إن إعلان باريس يجب أن يعدَّل بأن تحذف منه فقرة الحل السلمي ووضع السلاح وفقرة إرجاء بحث علاقة الدين بالدولة. فهذا طبعاً ما يريده الشيوعيون من إعلان باريس إذا لم تكن قضيتهم نجومية الصادق المهدي تحت أضواء التوقيع على الإعلان. ويريد الحزب الشيوعي ألا يتخلى المتمردون عن حمل السلاح في وجه الحكومة حتى اسقاطها، ويريد أن تُلغى القوانين الإسلامية تماماً حتى قوانين الأحوال الشخصية الزواج والطلاق والميراث. ويريد الحزب الشيوعي أن يعود الحكم للأحزاب الكبرى الطائفية ليجرّب حظه في انقلاب آخر يرفع فيه هذه المرة علم نميري الحالي بدلاً من العلم الأحمر الذي ضيع انقلابه الأول.
إن الحزب الشيوعي يريد لنفسه التوقيع على الإعلان مع المتمردين بدلاً من الصادق، ويريد لنفسه العودة الى الحكم الذي لم يمكث فيه أكثر من ثلاثة أيام حتى عاد نميري.. وهذه حماقة.. حماقة شديدة.
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]