يوسف الفكي: الشيخ محمد مصطفى عبد القادر مدرسة أم ظاهرة..

[JUSTIFY][SIZE=5]قبل خمس عشرة سنة، من الزمان، ونحن في وقت التحصيل العلمي، بمعهد «ابن باز» العالي للدراسات الإسلامية بكسلا، دُعينا إلى محاضرة كبرى لفضيلة الشيخ محمد مصطفى عبد القادر بمسجد الترعة. فسرت نشوى غامرة بين جموع الطلاب الغفيرة، وهم يعدون الأقلام والدفاتر لتدوين الفوائد العلمية، والدرر الغالية، التي يُتْحِفُ بها فضيلة الشيخ المستمعين كما قيل. ويا فرحة ما تمت، فلم يتوغل الشيخ في الحديث قليلاً بعد الحمد لله والصلاة على الرسول صلى اللَّه عليه وسلم.
حتى ارتد الشيخ إلى مشهد دراماتيكي ضاحك، وتقمصته روح ساخرة جداً قد لا توجد، في مسرحية شاهد ما شافش حاجة لعادل إمام، ولا مدرسة المشاغبين ليونس شلبي، ولا المشاغبين في الجيش لسعيد صالح.
حيث ذكر الشيخ بمرح ساخر بعض الأسماء على ما زعم أنهم من أئمة البدع والضلال في البلد، وإنهم من أكابر مجرمي الابتداع في الدين بالسودان: أبو عتلة، أبو سلسلة، أبو شلة، أبو عصا، أبو فركة، أبو قناية أبو جنزير، أبو ساطور، أبو قرون، أبو تلتلة، أبو خنجر. وبعد سرد هذا السمط من الأسماء يردف الشيخ بعد ضحكة مجلجلة يرتج لها مكبر الصوت المسكين قائلاً هل هؤلاء شيوخ طرق أم قطاع طرق فيضحك المستمعون ملء أشداقهم، وما أشبه الليلة بالبارحة. بهذا الأسلوب العنيف، الذي يُجافي كل حكمة في الأرض، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والرحمة بأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم. تبلورت في أفق الدعوة الإسلامية السلفية ـ إذا جاز التعبير ـ مدرسة التشيع «السلفي» أو ظاهرة التشيع السلفي، التي ترى الحق المحض والمطلق معها والباطل المحض والمطلق على من يُخالفها. وفرخت للأسف الشديد تلاميذ كثر على امتداد البلاد، يحمل معظمهم إلاَّ من رحم اللَّه أسلوب صاحب المدرسة، العنيف في الخطاب الديني في البلد، رغم مساوئه المنهجية، وانزلاقاته الدعوية الخطيرة.
أهل مكة
إنني وجدت مشقة، وعنتاً في إعداد هذا التحقيق حيث كل من اتصلت به أحجم أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع، رغم أنها قضية رأي عام، وليس من باب الغيبة المحرمة بل من باب الذَّب عن الشريعة المكرمة، حيث اتصلت بفضيلة الشيخ حسن إدريس إمام وخطيب مسجد زيد بن ثابت، باعتباره تلقن الدعوة السلفية على أكابر مشايخها في السعودية، وقلت له: هل من أساليب الدعوة الإسلامية السمحة، العنف اللفظي، والسخرية، والاستخفاف بالآخرين، وذكر الأسماء بمناسبة أو بدونها، وما حكم ذلك في الشرع؟
لكن للأسف اعتذر الشيخ بلطف عن الحديث في هذا الموضوع، وأحالني إلى طرف آخر وقد قبلت عذره. وحاولت قدر ما في الوسع الاتصال بالشيخ عثمان حسن رئيس جمعية الإمام الشافعي الفقيه بأم درمان، ولكن للأسف رقمه لا يُمكن الوصول إليه. وفي مهاتفة مع الشيخ حسن أحمد خطيب وإمام مسجد خالد بن الوليد بالفاو ذكر فضيلته أن ثمة معايير وضوابط دقيقة، في مسألة ذكر الأسماء على رؤوس الأشهاد وهي أن يكون أصحابها مجاهرون بالمعاصي، والبدع، ولهم في ذلك أحاديث يقينية في بطون كتب، أو مسجلة حينئذ، والحال كهذا لا ضير من ذكر أسمائهم والتحذير من ضلالتهم، وأباطيلهم. أما غير ذلك فلا يجوز ذكر الأسماء، بل في استعمال التعاريض، وأسلوب ما بال قوم، ما بال رجال، ما بال أحدكم، مندوحة، في ذكر الأسماء.
الأصل في الدعوة إلى اللَّه
وأجمعت الأمُة سلفاً عن خلف بما يُشبه الاطراد، والتواتر، أن الأصل في الدعوة إلى اللَّه الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والرحمة بأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
قَالَ تَعَالَى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل الآية «125». قال القرطبي في تفسيرها إنها آية غير منسوخة، وهي أصل في الدعوة إلى اللَّه إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها. وللمفسرين حديثاً كثيراً فيها مُعظمة لا يخرج عن تفسير القرطبي، ومن أراد المزيد فليراجع ذلك في مظانه، ومصادره.
٭ مساوئ مدرسة التشيع السلفي
قال مصدر: فضَّل حجب اسمه، إن مدرسة التشيع السلفي إذا صحَّي التعبير وأظنه لا يصح لم تتبلور اتجاهاتها على يد الشيخ مصطفى عبد القادر، وتلامذته، بل لها امتدادات قديمة ولعل أول من تنبه إلى مساوئها المنهجية، أئمة السلف، الشافعي، وابن تيمية وابن حجر العسقلاني، حينما رفض الشافعي في كتابه «الأُم» صياغات الخلافات الفرعية، مع الجماعات والفرق المخالفة، صياغة اعتقادية، حينما شاعت في مساجلات السلف، ونرى المسح على الجورب من عقائدنا، إشارة إلى الشيعة الرافضة، الذين لا يرون ذلك. بل قال الشافعي: رحمه اللَّه يجب أن نسلم بكل ما جاء عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وإن وافق ذلك ما عليه المبتدعون والمنحرفون، ما دام يدل عليه دليل شرعي، قطعي الثبوت والدلالة. ومن مساوئها المنهجية وانزلاقاتها الخطيرة سوء الظن بكل من يُخالفهم الرأي من الأُمة وتصنيف البشر إلى مبتدع، وضال، ومنحرف، وصفوجي، وسروري، وجامي، وجمعيجي إلى غيرها من المصطلحات التي يُقصد بها ذم الآخرين وانتقاصهم. ومن مساوئها أيضاً عدم الاتزان في الحديث، والدعوة بردة الفعل الجانح بأسلوب خشن جاف يكاد صاحبه ينقض على من يتوهمه خصمه بالأيدي صفعاً، وبالأقدام وبالأضراس عضاً، ممَّا يحشر المدعو في زاوية ضيقة، ويشدد عليه الخناق ولا يترك له مسلكاً للفرار إلى التوبة ورحمة اللَّه الواسعة، ومن مساوئها ظنهم أنْ تراث السلف، ومن ضمنه علم الحديث رواية ودراية حصراً عليهم ولا دخول إليه إلاَّ من وجهتهم.
ومن مساوئ هذه المدرسة، التشدد في استدعاء شطحات غلاة الباطنية من سحيق التاريخ ومحاكمة، الموتى والأحياء بها سيان وسب الموتى ممنوع بنص الحديث، فقد أفضوا إلى ما قدموا، وفي نفس الوقت يؤذي الأحياء وينفرهم عن الدعوة.
ظاهرة وليست مدرسة
وقال مصدري من فضَّل حجب اسمه، إن تسميتها مدرسة التشيع السلفي، على غرار التشيع الرافضي هذه أيضاً غير متزنة، بل هي ظاهرة لكنها مرضية، حيث لم يثبت أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الأسوة الحسنة، بل كل السلف من يعتز أصحاب هذه الظاهرة بهم، وينتسبوا إليهم، الدعوة إلى اللَّه بالسخرية، والاستهزاء، والاستخفاف بأوزان الآخرين، ورجم أبا عتلة، وأبا سلسلة، وأبا خنزير، وأبا قرون، وأبا عصا، وأبا فركة، بغليظ القول، على منابر الجمعة، منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتزيد. وأردف محدثي أن المجتمع السوداني بذرة التدين مركوزة في فطرته، ودخله الإسلام عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن وليس عن طريق السيف.
وتبقى كلمة الانصاف
إن ظاهرة التشيع السلفي بزعامة محمد مصطفى عبد القادر، التبس في مفاهيمها مصطلحا الدين والتدين، وحصل خلطاً ضمنياً عندها لهذين المفهومين، حيث الدين هداية ربانية، كاملة، والتدين كسب بشري، وشتان بين المثل، ولم يصل البشر حتى في عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم إلى مستوى المثل لأنهم بشر، وليس ملائكة، كما ينشد أصحاب هذه الظاهرة اليوم في السعي إلى تجريد البشر من بشريتهم، والتحليق بهم في أوج المعصومين، وهذا لا يكون لأنه كمال مطلق ليس في مقدور البشر بلوغه، وهذا خلط منهجي بين الوحي «الدين الكامل» والتدين الكسب البشري الناقص، ومهما يكن فالشيخ محمد مصطفى عبد القادر مشهود له بالدعوة في سبيل اللَّه والمنافحة عن العقيدة الصحيحة، وقد اجتهد في سبيل ذلك أكثر من أربعة عقود، إذا ترك الأسلوب العنيف غير التربوي هذا. فهو لا ريب يفيد الأمة في تنقية العقيدة، وهو خير ألف مرة من تلامذته الذين ورثوا أسلوبه ولم يرثوا عمق علمه وسعة اطلاعه، فأصبحوا كالذي يُمسك العصا من الوسط، ولا يدري بأي طرفيها يهش.
[/SIZE][/JUSTIFY] [IMG]https://i.ytimg.com/vi/7gNYaxtyyu0/0.jpg[/IMG] الانتباهة
Exit mobile version