وزير الري المصري حسام الدين مغازي: لن ننسى دور السودان في وصول المباحثات إلى بر الأمان
* من ضمن أهداف مصر الرئيسية التي دخلت بها الاجتماع الثلاثي لوزراء المياه، وقف بناء سد النهضة لحين إكمال الدراسات الإضافية، وهو ما لم يتم الاتفاق عليه، بينما وافقت إثيوبيا على وجود خبراء دوليين كمحكمين؟
– أولا.. أود الإشادة بدور السودان الشقيق في المباحثات والجو الإيجابي الذي ساد المباحثات، والوفد المصري جاء للوصول لاتفاق يضع نهاية للتعثر الذي ساد الجولات السابقة، ويمكننا القول إن الوفد المصري أتى للاتفاق على الجزء الأخير من سؤالك، وعدد من المطالب للاطمئنان لعدم وجود ضرر لهذا السد، وكل هذه المطالب تم تحقيقها سواء بتحديد مكتب استشاري دولي يقوم بالدراسات، وهو الذي يحدد سعة السد وعدد سنوات ملء البحيرة بما لا يضر مصر والسودان معا. كما تم الاتفاق على وجود خبراء دوليين للفصل بين الدول الثلاث حول الاختلاف على تقرير المكتب الاستشاري الدولي، وهؤلاء الخبراء الدوليون هم الذين سيحسمون الخلافات التي قد تنشب ويكون قرارهم ملزما للجميع. ولا تخوف لدينا حتى حال عدم توقف بناء السد، لأنه مازال في خطواته الأولى، كما أن تقرير المكتب الاستشاري الدولي سيكتمل خلال ستة أشهر نهاية مارس القادم وتبدأ المرحلة الأولى من بناء السد قبل ديسمبر 2015 أي قبل تشغيل السد ستكون الدراسات قد اكتملت لنتدارك أي شيء قبل التشغيل، وبهذا نكون قد حققنا هدفا مزدوجا، وهو انتهاء اللجنة من عملها خلال ستة أشهر ووجود خبراء دوليين ومكتب دولي ولجنة وطنية مشتركة تطلع على الدراسات الموجودة لدى الدول وتغذي المكتب الدولي بالبيانات المعتمدة لديها.
* لكن المرحلة الأولى هي المرحلة الإنشائية والتي تعد الأساس لبناء السد، والجانب الإثيوبي مصر على الاستمرار في البناء.
ماذا تفيد الدراسات التي ستجري بعد ذلك وما جدواها الهندسية؟
– هناك مجموعة من الدراسات وليست دراسة واحدة، دراسة خاصة بأمان السد، وهل هذا السد آمن من الناحية الإنشائية؟ ودراسة أخرى تخص كمية المياه التي تحجز، وأخرى خاصة بالتأثيرات البيئية والاجتماعية للسد، ولكل من الدراسات الثلاث مسار مختلف، فالدراسة الأولى للتأكد من اتزانه إنشائيا، وحتى لا يتعطل البناء في الوقت الحالي، فإن إثيوبيا أعلنت في الاجتماعات أنها أكملت هذه الدراسات بناءً على توصيات لجنة الخبراء الدولية، وسيتاح للوفد المصري في أول زيارة له للسد الأسبوع القادم الاطلاع على الدراسة الإثيوبية وتمحيصها والتحقق منها، فإذا تحقق الاطمئنان بأن هذا السد آمن من الناحية الإنشائية، يمكننا القول إن هذه أول خطوة مطمئنة للبناء لكن الخوف ليس في البناء بحد ذاته، لكن من كمية المياه التي يتم تخزينها، فلا مانع لدينا من إنشاء سد يساوي عشرة أضعاف الارتفاع الحالي، لكن كمية المياه التي تخزن هي التي ترعبنا وتخيفنا، وليس فقط الاطمئنان أن السد عبارة عن برج من 12 أو 20 دورا. وفي الزيارة القادمة سنطلع على الجوانب الفنية والإنشائية وموقع السد ومدى درجة التقدم في إنشائه، لتبدأ خطوات بناء الثقة لدى الأطراف الثلاثة وأتوقع تعاونا إيجابيا في المرحلة القادمة وليس الشك وعدم الوضوح كما كان سابقا.
* مواقفكم التفاوضية السابقة.. مثل عدم الدخول في مفاوضات ما لم يتم وقف بناء السد.. بجانب تعاطي الإعلام المصري مع القضية رفع سقف التوقعات لدى الشارع المصري لدرجة يمكن القول معها إن الاتفاق الذي وقع أمس كان محبطا له؟
الشعب المصري يعلم تماما أننا لم نأت للتفاوض على عدد سنوات ملء بحيرة الخزان أو حجم السد، بل يعلمون أننا أتينا لوضع آلية لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية ووضع خارطة طريق لها، لكن من يفصل في عدد السنوات أو حجم التخزين 47 مليار متر مكعب أو 50 أو 14 سنختلف لو استغرقنا شهورا ولن نصل لحل. واتفقنا على أن من يحسم هذا الأمر هو مكتب استشاري دولي، وكما هو معروف فإن أي طرفين يختلفان يلجآن لطرف محايد للفصل بينهما، وهذا أسلوب حضاري في حل المشاكل عبر المفاوضات، ونطمئن الشعب المصري أن مصر لم توافق على حجم معين ولم تحدد عدد سنوات معينة لملء بحيرة السد، ولم يتم التوقيع على أي شيء يضر بمصر، بالعكس وضعنا خطوات لمتابعة عمل اللجان أسبوعيا ومتى تنتهي الدراسات على وجه الدقة؟ لا يتوقع منا الشعب المصري مناقشة هذه الأشياء، ولتكون الأمور واضحة، ليس دورنا فيما تم من اتفاقيات، الاتفاق على هذه المسائل الفنية نتركها للخبراء ليحددوا ما هو سقف هذه الاتفاقيات؟ وللوصول لاتفاق حول حجم التخزين وسنوات الملء، يجب أن يتم بوجود طرف محايد.
* خلال فترة الستة أشهر التي تم الاتفاق عليها لعمل لجنة الخبراء الوطنيين.. هل ستكون هناك إجتماعات على المستوى الوزاري؟
– سيكون هناك اجتماع شهري لوزراء المياه بالدول الثلاث لمتابعة تطور الملف ومدى توافق الجدول الزمني مع ما يتم تحقيقه على الأرض وهذا تم التوقيع عليه بالأمس في خارطة الطريق.
* هناك اعتقاد مصري بأن دعم السودان لبناء السد مجرد مكايدة سياسية.. ما رأيك؟
– نحن متفهمون أن السودان طرف أساسي في هذه القضية وليس وسيطا فقط، ولا قدر الله حال حدوث أي تضرر في البناء، سيكون السودان أول المتضررين، وبالتالي فإن مخاوفنا ليست لمصر فقط، بل للسودان أيضا، وأنا أعرف أن السودان يشاركنا الرأي بشأن التأكد من أمان السد، لأنه سيكون أول المتضررين. وفي ذات الوقت نعلم أن للسد العديد من الفوائد للسودان وإثيوبيا، ونحن لسنا ضد استفادتهما منه، لكن في الأول والآخر نحن قلقون من كمية المياه المخزنة وأمان السد، والشعب المصري يعرف أن السودان رعى هذا الاتفاق ووصل به إلى بر الأمان، ويحسب للسودان دوره الإيجابي في التوصل لهذا الاتفاق ورعايته لاتفاقيات ولقاءات سابقة، ونحن حكومة وشعبا نثمن دور السودان والوصول لهذه الاتفاقيات يحسب له، ويوضح أي غموض أو لبس حول موقفه. وقد قلتها في وسائل الإعلام أكثر من مرة لن ننسى هذا الموقف للسودان بالوصول للمباحثات إلى بر الأمان.
* لكن موقف السودان المعلن مع بناء السد.. هل دخلتم في تفاوض ثنائي لتقريب المواقف؟
– طبعا كل دولة لها رؤيتها الخاصة وهناك خلاف بين مصر وإثيوبيا، نلجأ لمكتب استشاري دولي لحله، والوزير السوداني أخبرني أن السودان موافق على ما تتفق عليه مصر وإثيوبيا وهذه روح إيجابية من السودان وهو لا يريد أن يعقد الأمور بل يبسطها ويعمل كمحايد لتقريب وجهات النظر ونحن نشيد بهذا الدور.
* أيهما أكثر قلقا لمصر سلامة السد أم سعته التخزينية؟
– كلاهما أكثر خطورة، ومن ناحية أمان وسلامة السد نحن سنطلع عليه الأسبوع القادم وبعدها نطمئن وتتزحزح مخاوفنا، وبعدها نبدأ في المخاوف الثانية وهي حجم المياه، وهذا سيعلق إلى فترة الستة أشهر القادمة حتى نبدد هذه المخاوف ونطمئن لحجم المياه.
* إثيوبيا ظلت على الدوام تكرر أن السد لإنتاج الكهرباء، بينما دراسات ووسائل إعلام مصرية تقول إن السد سيستخدم لأغراض زراعية أيضا.. ما وجهة نظركم كوزارة؟
– المعلومات المتاحة لدينا من إثيوبيا هو تأكيدها أن هذا السد للكهرباء، والوزير الإثيوبي أكد لي أن المساحة المجاورة للسد غير صالحة للزراعة، وفنيا عملية الري فيها صعبة خاصة عندما تمتلئ بحيرة السد، ووجود مناطق وعرة من الصعب الوصول إليها.. وعموما عندما نبدأ إجراءات بناء الثقة، كل هذه المخاوف ستبدد.
* هل اتفقتم على إجراءات لبناء الثقة مثل وقف التصعيد الإعلامي مثلا؟
– نعم وأنا طلبت من الوزير الإثيوبي توجيه رسائل إيجابية تبين للشعب المصري هذه الثقة وفتح الزيارات لوسائل الإعلام والفنيين المصريين لزيارة موقع السد من حين لآخر، وقد وافق على هذه الفكرة.
* مصر لديها أصلا عجز في مواردها المائية.. علميا كيف يؤثر السد في نصيبها من المياه؟
– لو الدراسات بينت حجم المياه التي يختزنها السد بما لا يضر مصر، لن تكون هناك مشكلة. لكن مصر تسعى إلى أشياء أخرى، وهي الفواقد في مياه النيل سواء في جنوب السودان أو بعض الأجزاء من إثيوبيا، وإنشاء الله سنتجه ونركز كلنا في كيف نستفيد من هذه الفواقد، وهذا يذهب بنا إلى التعاون مع دول حوض النيل للحصول على إيرادات إضافية لنلبي مطالب كل دول الحوض، وسنبدأ إنشاء الله قريبا زيارات لإعادة الثقة مرة أخرى مع هذه الدول وللإشارة أن مصر لا تختزل الأمر فقط في هذا السد، بل لنا في النيل جميعا فوائد مشتركة.
* هل تفكر مصر في الانضمام لاتفاقية “عنتيبي” مثلا؟
– الوزير السوداني طلب من مصر أن تعيد دراسة الانضمام لمبادرة حوض النيل التي جمدت مصر مشاركتها فيها لأسباب معلومة للجميع، وبناءً على هذا الطرح سنبدأ النظر مرة أخرى للتواصل في هذه المبادرة، وهناك طبعا دور للسودان في تقريب وجهات النظر، وأقول كل شيء وارد.
* حديثك يعني ضمنيا أن السودان وافق على “عنتيبي” ويدعو مصر للانضمام إليها؟
– لا.. أنا أتحدث عن مبادرة حوض النيل والسودان منضم إليها حاليا، وموقع مصر يؤثر على نشاط هذه المبادرة بما لها من ثقل فني، والسودان يتطلع لأن يعود إليها حتى يكون فيها خير لكل دول الحوض، ونحن عند عودتنا إلى القاهرة سنطرح هذا الموضوع لمناقشته على جميع المستويات.
* مصر لا زالت متمسكة باتفاقيتي 29 و59.. بينما غالبية دول الحوض تقول إن هذه الاتفاقيات تم التوقيع عليها من حكومات استعمارية وإن الحكومات الوطنية غير ملزمة لها.. هل تفكر مصر في إعادة النظر لهذه الاتفاقيات بالبحث عن اتفاقيات جديدة لمعالجة هذه المشاكل؟
– نحن نتحدث عن المبادرة وغيرها من الاتفاقيات، إن شاء الله سوف توضح أشياءً كثيرة، لكن موقف مصر كما هو معروف قانوني وأن الاتفاقيات لا تختلف باختلاف الأنظمة بالضبط مثل الحدود، الاتفاقيات تورث ولا يمكن التنصل منها ومصر ما زالت متمسكة بهذه الاتفاقيات ولو فتحنا الباب للتحرر من كل اتفاق سنفتح أبوابا كثيرة للاختلافات، ومصر في 29 أيضا لم تكن حرة كانت مستعمرة.
اليوم التالي
خ.ي