رأي ومقالات

حسن محمد صالح : رجال آخر زمن

[JUSTIFY]المسرح هو أبو الفنون وهذه الأيام تُعرض بالمسرح القومي بأم درمان مسرحية «رجال آخر زمن» ومن خلال مجموعة صغيرة مكونة من «أب وأم ابنهم المتزوج وابن أخ متزوج أيضاً» وفتاة تعمل في الشرطة دورها هو تطبيق قانون سيطرة المرأة على الرجل، وفي خطوة مفاجئة تتقدم الشرطية لخطبة الابن مبيوع من أمه إبتسام بعد أن طلقته زوجته الأولى التي كانت تصرف عليه صرف من لا يخشى الفقر بشهادة أمه.. وشخصية أخرى مثيرة للجدل وهي سالم الرافض لفكرة المسرحية والذي يعتبر مخرباً ومعارضاً لسيادة المرأة على الرجل وهو مخرب بمنطق الأجهزة الأمنية والشرطية في عالم اليوم. ويقود هذه المجموعة الصغيرة الأستاذ حسن يوسف الشهير بسيد جرسة وهو الذي وضع نص المسرحية وقام بإخراجها.

والسيناريو قائم على الفكرة المركزية الأساسية وهي أن المرأة هي التي تقوم بخطبة الرجل من أمه بدلاً عن أبيه، كما أن الرجال لا يُدعون لآبائهم وإنما يدعون لإمهاتهم فمثلاً الابن مبيوع هو مبيوع ود إبتسام بدلاً عن أبيه حسن يوسف، والمرأة هي التي تقوم بتكاليف الزواج وتدفع للرجل المهر وتحضر له كافة مستلزمات الزوج المتمثلة في الملابس والعطور والأحذية، بل إن المرأة هي التي تخرج للعمل وتتولى منصرفات المنزل من غذاء وكساء بعد الزواج، أما الرجل فلا فينحصر دوره في تدبير شؤون البيت من نظافة وطبخ للطعام واعتناء بالأطفال وغسل ملابس زوجته وكيها، والويل كل الويل للرجل إذا قصر أو تأخر عن القيام بهذا الدور.

والأهم من كل ذلك هو الحرية المطلقة للمرأة وخروجها من البيت متى شاءت و تعود في أي ساعة من ساعات الليل، ولها أن تبيت خارج المنزل إن شاءت وتغيب عن المنزل الأيام ذاوت العدد.

وطبعاً بعد معاناة طويلة ثار الرجال على هذه الأوضاع، ولم تكن ثورة الرجال من أجل التعاون أوالمساواة بين الرجل والمرأة لخلق الحياة الزوجية الكريمة القائمة على التعاون داخل الأسرة والبيت الواحد، ولكن الأمر في مجمله كان انقلاباً جعل الرجل ينصب نفسه السيد المطلق وصارت المرأة هي خادمه المطيع، ولم تكتف المرأة بحالة الإذعان للرجل ولكنها أطلقت زغرودة للفارس الجحجاج أسد الكزام الزام «شقيت البلد» من اليمن لي الشام، وقد احتفل الرجال بهذه المناسبة وأحيوا حفلاً بصوت المطرب حسين شندي، وكانت المرأة حضوراً في هذا الحفل البهيج وهو يعبر عن إسترداد الرجل لكرامته ومجده الآفل ومكانته المتقدمة على المرأة، وكانت هذه المكانة قد تأثرت عندما قضى الرجال في الحروب وتعرضوا للإعاقات الجسدية الخطيرة وآلت شؤون المجتمع والحياة كلها للنساء. فإن كانت المسرحية قد تحدثت عن رجال آخر زمن الذين تخلوا عن دورهم الطبيعي وهو القوامة، حيث جعل الله عز وجل الرجال قوامون على النساء وبما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، إلا أننا في حاجة وبالأحرى مجتمعنا بحاجة لكثير من المسرحيات والأعمال الدرامية التي تعالج ما يحدث في زماننا هذا، وزماننا هذا هو زمن العجائب والغرائب.

نحن في حاجة لمسرحية علماء آخر زمن فقد كان العلماء من شاكلة أبي حنيفة النعمان، والعلماء اليوم من شاكلة ناس قريعتي راحت كما يقول ود الضهبان في دكان ود البصير، وبالمناسبة الإمام أبو حنيفة النعمان كان مناصراً ومشايعاً للبيت العلوي ضد بني العباس أبوجعفر المنصور وهارون الرشيد وغيرهم من الأمراء. ونحن في حاجة لمسرحية عن ولاة آخر زمن ففي بداية عهد الإنقاذ مثلاً كان الذي يتم تكليفه والياً يعتذر ويبكي حتى يبلل لحيته من هول المسؤولية وثقلها وأنها أمانة وهي عند الله يوم القيامة خزي وندامة، ولكن أنظر اليوم إلى التدابير والحيل والمحاولات المستميتة من قبل ولاة الولايات للعودة من جديد لكرسي الحكم عبر الانتخابات.

وفق الطريقة المعروفة اليوم حيث يختار المؤتمر الوطني خمسة مرشحين لمنصب الوالي، لا يستطيع أي منهم أن ينافس الوالي القديم جداً وذات الحزب يسقط من يوجد مجرد احتمال أنه يمكن أن ينافس الوالي. والله ولاة آخر زمن أمرهم عجيب في كل شيء، لا هم مع التغيير وإفساح المجال للشباب ولا يملكون حجة موضوعية للبقاء في المنصب الذي قضوا فيه أزماناً وأزمان، علماً بأن انتخاب الوالي نفسه ليس نهاية المطاف فكم من وال منتخب وتم إعفاؤه وتعيين ولاة وتكليف آخرين.. هؤلاء الولاة لا ثبتوا للجماهير حقها في انتخاب ولاتها ولا دربوا كوادر شبابية ولو من سواد أهل السودان لكي تحل محلهم مستقبلاً ولو بعد عمر طويل طبعاً. لقد كانت مسرحية رجال آخر زمن مساحة من الكوميديا الساخرة والمفارقة التي تنشر الضحك وتذكر بآخر زمن. ونعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]