رأي ومقالات

ابراهيم عثمان : فكر المؤتمر الشعبي و القفص الواسع !


[JUSTIFY] لا ينكر إلا مكابر أن الدكتور الترابي قامة فكرية و سياسية متفردة ،و لا يكف عقله عن العمل و الإنتاج في جرأة و اقتحام نادرين غير عابئ بردود الأفعال بالذات فيما يتعلق بالإنتاج الفكري ذو الطابع التجديدي . و رغم أن معظم اجتهادات الترابي ليست جديدة إلا أن هناك فرق درجة لا نوع قد طرأ عليها . كانت الحركة الإسلامية قبل الإنقسام تيار عريض تجمعه أفكار عامة حول الأسلمة تتراوح داخلها الأفكار من أقصى التشدد السلفي إلى أقصى الإنفتاح التجديدي ، رغم أن الأفكار العاملة و المطبقة كانت دائماً هي أفكار الترابي بعد تهجينها ببعض الرؤى العامة لبعض مساعديه الذين يمكن القول أنهم كانوا إلى درجةٍ ما يمثلون تيار الأسلمة البراغماتي العام غير المشغول كثيراً بمشروع الترابي في بعده الفكري التجديدي . ربما كان للتحلل من السلطة و قيودها و حساباتها دور كبير في زيادة الجرعة التجديدية لدى الدكتور الترابي و زيادة الإهتمام بالتأسيس الفكري لدى عضوية المؤتمر الشعبي ، يمكن الزعم بأن الولاء للترابي من عامة أنصار الحركة الإسلامية قبل الإنشقاق كان ذا طابع سياسي أكثر منه فكري ، بمعنى أن لفكرة المركزية كانت معطى جاهز و تمتد بنسبها إلى الخط الفكري العام لجماعة الإخوان المسلمين رغم البصمات الترابية التي مايزت بينها و بين الحركة الأم و لكن هذا التمايز لم يكن عميقاً و لا منتشراً بين عضوية الحركة إلا في حدود ضيقة . فالولاء الغالب كان هو للمشرع الإسلامي العام الذي يتمتع الترابي فيه برمزية خاصة كقائد أكثر مما هو لأفكار الترابي التجديدية .
– تعامل عضوية الحركة مع بعض اجتهادات الترابي المثيرة للجدل انتقل من محاولات الدفاع و التفسير الخجولة و الإعتذارية ربما في مرحلة ما قبل المفاصلة ( و تحضرني هنا مقولة شهيرة لأحد الكوادر الخطابية الإسلامية : لا زال بعض الإخوة “كثيراً” ما يثيرون قصة حديث الذبابة التي “قليلاً” ما تقع في الإناء ) إلى مرحلة التبني الكامل و التبشير ( تبني مقولة لست سني و لا شيعي ، و القطيعة شبه الكاملة مع السلفيين ، و ملامح الخصومة مع بعض السلف من أئمة الحديث و الفقه و التفسير في مقابل التواصل الفكري مع بعض التيارات العلمانية الحديثة ، و التقارب مع ما يمكن تسميتهم بالقرآنيين أمثال عدنان ابراهيم ) .
– هناك نقلة أو قل مراجعات فكرية حتمتها تجربة الحكم و المفاصلة تأثرت بروح المنافسة مع الفريق الحاكم و الرغبة في التمايز عنه و بطبيعة الموقف السياسي الجديد و ما صاحبه من حسابات و تحالفات .
– هناك نزوع قوي لتأطير العضوية فكرياً ، و بروز أقوى لأفكار الترابي على حساب التنوع و المراوحة بين طيف من الأفكار اللذان وسما عضوية الحركة قبل الإنشقاق . ربما كان مرد ذلك إلى حقيقة أن الذين انحازوا إلى الترابي عند المفاصلة كانوا هم الأقرب إليه وجدانياً و فكرياً ، بينما أدى عدم وجود صاحب كاريزما فكرية قوية داخل الجناح الحاكم إلى تجذُّر حالة الولاء العام للفكرة الإسلامية ذات الجذور الإخوانية دون أفق تجديدي يُذكر اللهم إلا ذلك الناتج عن ممارسة الحكم و ما يصحبه من تحديات يُجاب عليها بواقعية السياسة – أو حتى ارتجاليتها – دون القراءة من كتالوج فكري معد مسبقاً .
– هناك ما يمكن الزعم بأنه تناقض ظاهري يسم الحالة الفكرية لدى المؤتمر الشعبي ، فهناك من جهة نقلة فكرية كانت أكثر نزوعاً للإنفتاح و السيولة المذهبية ( لست سني ولا شيعي ) و الفكرية ( التي كادت في بعض جوانبها أن تتصالح مع العلمانية أو تزايد عليها في بعض الجوانب ) و هناك من جهة أخرى ما يمكن تسميته بالإنغلاق على أفكار الترابي مما جعل الأمر يبدو و كأن الترابي بعد تحلله من قيود السلطة قد أطلق العنان لأفكاره لكي تتحرك في مساحة واسعة و بحرية تامة و لكن شدة إرتباط أنصاره به أدت إلى أن يتحول الفضاء الواسع الذي يتحرك فيه الشيخ إلى قفص فكري يراوحون داخله و يتعصبون له بالدرجة التي قد تهزم روحه الإنفتاحية .
– نزوع الشعبي إلى الظهور بقسمات فكرية تجديدية واضحة و مثيرة للجدل في ذات الوقت أدى إلى أن تتعقد رسالته و يحتاج تفهمها إلى استعداد لا يتوفر دائماً لدى الجمهور العريض مما أدى إلى نوع من الصفوية و ضعف الإمتداد الجماهيري رغم الخطاب البراغماتي التجييشي المناطقي ( في فترة ما قبل الحوار ) و الذي إن أدى إلى إثارة الغضب على النظام إلا أنه بطبيعته لا يكفي لبناء عضوية صلبة و مؤسسة فكرياً ، فلليسار العلماني ممثلاً في قطاع الشمال و بعض حركات دارفور خطاب أكثر أصالةً و جاذبيةً من خطاب الشعبي لدى بعض المستهدفين في تلك المناطق .
– يمكنني أن أضيف لمزاعم البوست أن الإنفتاح و سعة المساحة التي يتحرك فيها فكر الشعبي أدت إلى نتيجة مغايرة للنتيجة المتوقعة و التي كان يفترض أن تتمثل في انفتاح فكري يستوعب جماهير جديدة بل أدت إلى تحديد أكثر للملامح الفكرية للحزب و زادت من المطلوبات الفكرية التي تجعل العضو منسجماً مع توجهات الحزب ، بمعنى أدق هناك اتساع في مساحة الحركة الفكرية للدكتور الترابي و لكن ناتجها هو مراكمة مجموعة من المواقف الفكرية المحددة و لما كان الولاء للترابي و أفكاره أصبح أقوى لدى عضوية الحزب ، و لما كان للفكر لدى عضوية الحزب مساحة أكبر فإن ذلك انعكس في زيادة المطلوبات الفكرية المطلوبة للإنتماء للمؤتمر الشعبي الأمر الذي أدى ضعف جماهيرية الحزب .
هذه بعض الملاحظات العجولة التي رصدتها كمراقب من الخارج و التي بالتأكيد تحتاج للتعليق و التصويب من عضوية الشعبي و غيرهم .

ابراهيم عثمان[/JUSTIFY]