سياسية

الوِلِفْ كَتَّالْ: سُوق النسوان بمدني.. ضجيج، زحمة وكبار سن في بئر العملة

[JUSTIFY]المشهد الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي لم يشهد تطوراً من حيث المظهر العام، وإنما توسع ليصبح قبلة لنساء الأحياء المجاورة لمستشفى الرخاء. بائعون أغلبهم في الستينيات من عمرهم، أصبح السوق ملتقىً اجتماعياً لهم. رجال يرتشفون القهوة في الدكاكين التي تفتح أبوابها على السوق، ونساء يختبئن تحت الأسرة يمارسن هوايتهن المحببة ويتبادلن الأخبار الجديد، وهن (يورقن الملوخية)، وهناك من يركض وراء دجاجة فرَّت هاربة وهو في غفوة، وطفل على ظهر حماره يصيح بأعلى صوته (بطيخة بجنيه وونص)، وبقربه شاب يوقفه صارخا (تانج أمريكي بعشرة)، ضجيج عمَّ ميدان ود مدني أو(سوق مدني)، أو كما أسماه الرجال (سوق النسوان).

مثله مثل الأسواق الطرفية التي نجدها في أغلب الأحياء مثل سوق كرور ومايو وغيرهم، قام سوق مدني في سبعينيات القرن الماضي، يفتح بابه منذ السابعة ليعمل حتى الواحدة ظهرا وبعدها يلملم كل منهم بضاعته، وينتقل بها إلى مكان آخر، سوق مدني الذي بدأ في الخور بالقرب من مسيد الشيخ دفع الله لينتقل إلى مكانه الحالي في العام 1981م، وهو عبارة عن ملحمة وسوق خضروات قبل أن يتوسع بشكله الحالي، فوضى ومعروضات بجنيهات معدودات يفضلها المشترون، كبار سن أغلب الباعة يليهم الأطفال من حيث العددية.

الولف القاتل

فاطمة سبعينية في غفوة نهارية، وضعت يدها على خدها ترتاح برهة بعد أن هلك جسدها، وهي تستيفظ من عشرين عاما ساعية وراء رزق ساقه له الله، أفنت عمرها وزوجت أبناءها الأربعة، تجلس منذ الساعة السابعة صباحا حتى ينتصف النهار تفرش بضاعتها المكونة من علب ماكنتوش، محتواها قليل من الويكة، الشطة والكول، وكوم من بخور التيمان، وعلى يسارها عدد من (المقاشيش وسلك لماع). فاطمة التي اعتادت على أن تشرق الشمس عليها، وهي في سوق مدني، لأنها وصلت إلى مرحلة الولف، وكما يقول المثل (الولف كتال)، بابتسامة مليئة بقناعة قالت كل شخص يركض وراء لقمة عيشه، في السابق كنا نساءً ولكن أصبح الحال صعباً وأضحت العيشة صعبة، تنتظر من الله فرجاً قريباً، علها تقبع في منزلها وتستجم بقية عمرها. وأضافت: منذ ثلاثة قرون لم يكن سوق مدني بتلك الطريقة التي عليها الآن، فكثير من المتغيرات حدثت، فتوسع وأصبح قبلة بدلا عن ملجة السوق الشعبي، فكل المعروض عبارة عن مستلزمات منزلية مستهلكات يومية.

شلل نصف الأسبوع

وفي ذات الاتجاه، يواصل السبعيني أيضا – محمد إبراهيم قائلا: منذ عشرة أعوام أعمل في سوق مدني بائعاً للأمشاط، الودع والأمواس وغيرها من الأشياء التي تعد أرخص ما في السوق، مضيفاً أن السوق هو في الأصل ميدان للحي اسمه الحقيقي (بئر العملة) يتبع لمستشفى الرخاء. وأورد: كل المبيعات عبارة عن خردوات، والسوق يعاني من شلل في الحركة، خصوصا في منتصف الأسبوع، حيث يتعافى في أيام العطل الجمعة والسبت. وأشار إلى أن أغلب المششترين هن النساء يأتين من جميع الحارات المجاورة، لأنهن يرين أن هذا السوق أرخص من غيره رغم ضيقه. وأوضح أن كل ما يحتاجه المنزل موجود في سوق مدني. وأضاف أن أشهر المحلات (ملحمة عابدين).

محمد الذي يعمل في بيع أغراض ربما لا توفر له مصروف يوم واحد، يرى أن الأسواق الطرفية أفضل من الأسواق الكبرى، لأن ما يعرض أقل قيمة وأكثر مبيعا. وأشار إلى أن هناك مطالب بسيطة يراها حقاً للباعة، وهي توفير مظلات تقيهم حر الصيف، لأن أغلبهم من كبار السن.

رحال السوق

يُعد من أقدم وأحد مؤسسي (سوق مدني) الحاج إبراهيم يوسف، الذي دخل عالم التجارة منذ أن كان في الحادية عشرة من عمره شرع في ممارسة المهنة منذ أن كانت الدلالة في نادي التاج – البوستة حاليا – ثم تحول معها إلى نادي الهلال، ومنها إلى سوق الريافة، وهم العرب رعاة الإبل الذين يأتون ببضاعتهم من مصر محملة على سنام إبلهم ليحطوا بها في سوق ليبيا، ويوضح أن السوق قام على ركائز أولها بائعو الخضار، حيث كان يشهد حركة ملحوظة، لأن النساء يأتين المستشفى الذي كان في الأساس (دايات) قبل أن يتحول إلى مستشفى عمومي يتعالج، وما يتبقى من مصروفاتهن يشترين به، موضحاً: لو قسناه على غيره، فهو عبارة عن تجمع ينتهي في منتصف النهار، وكل يذهب إلى حيث أتى. وأضاف: حركة السوق بطيئة جداً عدا سوق الملايات التي تباع بثمن بخس جنيهات معدودات تصل إلى (20) جنيهاً، بينما تصل أسعار الطرح إلى عشرة جنيهات، وبذات المبلغ تباع التي شيرتات وبقية الملابس التي بحالة جيدة.

التعامل بالدين وهروب الزبائن

على قطعة ممزقة وضعت أمامها بعض الصحون وملابس الأطفال تبدو بحالة جيدة، وعلى تربيزة بجوارها رصت قوارير من الأرياح البلدية النسائية، وبجانبها أيضا (بامبي بالشطة وعيش الريف)، المفضل للتلاميذ، قالت سيدة إنها فكرت أن تترك السوق، لأنه لم يعد مثل سابق زمانه، فكثرة الباعة وقلة المشترين أثرت في السوق عموما، وعلى النساء خصوصا، وتعدد خيارات المشتري وضعتهم على محك الاعتزال، بجانب هذا السبب أضافت سيدة أنها تركت العمل في بيع الأرياح النسائية لأن أغلبهن يتعاملن بالدين في مثل هذه الظروف الحرجة، لذا جمعت بين بيع الملابس والأرياح عسى أن توفر مصروف أبنائها التلاميذ، وأشارت إلى أن حركة السوق تنتعش في يومي الجمعة والسبت وأحيانا الخميس.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]