سياسية

إهمال مع سبق الإصرار: تساهل الجهات المختصة مع المقصرين يجعل باب الإهمال الهندسي مفتوحا على مصراعيه.. كابوس الأخطاء الهندسية

[JUSTIFY]في كل عام يستيقظ الجميع على كابوس المياه وهي تحاصرهم من جميع الاتجاهات والشوارع تمتلئ بالكامل إثر خريف ولا تصريف! السيناريو يتكرر العام تلو الآخر وعند السؤال عن الأسباب تأتيك الإجابة صادمة؛ إن هنالك خطأ هندسيا منع تصريف المياه في هذا المكان.. ليست كوارث الخريف وحدها ما يفضح الأخطاء الهندسية فرداءة التشييد وسوء شبكات الري والصرف الصحي وعدم إزالة مخلفات التشييد من طوب وخرسانة وبقية الأشياء التي تسهم في حدوث عدد من الأضرار للسكان.. إذاً، فالإهمال الهندسي قبل وأثناء بل وبعد عملية التشييد أمر به الكثير من الأضرار، الأخطاء الهندسية في السودان تنتشر وبشكل مريع، منها ما يظهر على السطح بسبب الاستهتار والتساهل الواضح من المقاول والمشرف على المشروع، ومنها ما يحدث في أوقات الكوارث؛ مثل الأمطار والفيضانات.. وتعد هذه الأخطاء من أكثر الأخطاء شيوعا حيث تصمم المنشأة في غير وقت هطول الأمطار لنفاجأ بحجزها للمياه مما يؤدي لعدم التصريف أو يحدث انهيار كلي أو جزئي في المنشأة.

ثمة أخطاء واضحة في البنايات وأخرى في الأنفاق وهذه غالبا ما تظهر في الخريف حيث تمتلئ بالمياه بالإضافة لأخطاء الطرق والتي تنجم عنها الحوادث المرورية حيث الإهمال في تصميم وسعة الطريق الاستيعابية، وأخطاء الصرف الصحي حيث التصميم السيئ لشبكات الصرف الصحي ورداءة المواد المستخدمة من مواسير وغيرها، وما إن يحل الشتاء حتى نفاجأ بانفجار مواسير المياه وشبكات الصرف الصحي لتعود الشوارع إلى ما كانت عليه في الخريف وتمتلئ بالمياه عن آخرها، كل الأخطاء الهندسية يكون مسبباتها أما خللا هندسيا أو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات.. والغريب في الأمر أن المسؤولين لا تحرك فيهم الأخطاء الهندسية أي ساكن حيث مازال المصممون والمشرفون والمنفذون على رأس العمل يمارسون مهنهم في مشاريع أخرى!

تساهل الجهات المختصة مع أولئك المقصرين يجعل باب الإهمال الهندسي مفتوحا على مصراعيه دون أدنى خوف من عقوبة التعامل مع المنشآت الهندسية بهذه العشوائية، وهذه الأخطاء المتكررة تلقي بتبعاتها أيضاً على الأدوار التي من المفترض أن تقوم بها بعض الجهات مثل المجلس الهندسي أو اتحاد مقاولين وكذلك تذكر بضعف قطاع الدراسات والتصاميم. هذا الأمر يجعل المؤسسات والأفراد شركاء في هذا الإهمال، حتى أصبحت الأخطاء الهندسية عبئا على الدولة التي تكلفها الأخطاء الهندسية ما لو وظف في أشياء أخرى لكان أفضل لها وللمواطن.

أخطاء الطرق

كم من حادث مروري أودى بحياة الكثيرين وكانت وفاتهم فاجعة ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه في هذه الطريق، إذ يتكرر الأمر بصورة مخيفة، ولو بحثنا في الأمر نجد أن الموضوع برمته لا يعدو كونه خطأ هندسيا في الطريق وما يلبث أن يتم تعديله ليعود الخطأ مرة أخرى وكأنه إهمال مع سبق الإصرار والترصد، وغياب واضح للجهات المختصة، فنحن وبحمد الله وعلى عكس ما يحدث في جميع الدول المتقدمة منها والمتأخرة يظهر لدينا الفشل في مشاريع الطرق بعد فترة قليلة جدا من تدشين العمل في الطريق وتبدأ من ضعف في السعة الاستيعابية أو الهبوط أو التآكل أو تطاير الأسفلت، مواصفات تشييد الطريق البريطانية وبحسب الكود تعتبر فترة الـ30 عاما هي الفترة الوسيطية للطريق بعدها نبدأ أعمال الصيانة بعكس ما يحدث لدينا فبعد 30 عاما يصبح الطريق غير قابل للصيانة لأنه يكون قد أصيب بالتلف الكامل وعادة ما تبدأ الصيانة بعد العام الثاني مباشرة، هذا غير المشكلات التصميمية من ضيق الطريق وعدم الانتباه إلى وجوده حيث أن طرق الهاي واي في السودان تصمم بنفس الطرق التي تصمم بها الطرق الداخلية فالطريق لا يتسع لأكثر من سيارة، كما تقول الباشمهندس رماز راشد عثمان في حديثها لليوم التالي.

الصرف الصحي

المستشفيات ودور العلاج هي الأكثر حاجة لشبكات المياه والصرف الصحي ولكن للأسف ما يحدث شيء غريب جدا فالبيئة الصحية في الدور العلاجية متدنية.. ووزارة الصحة وحدها في حاجة لمبالغ ضخمة جدا لتلافي الأخطاء الهندسية التي حدثت في الدور العلاجية بمختلف مسمياتها.. فالمعروف أن المستشفيات من أكثر الأماكن تأثرا بالأخطاء الهندسية في الحقل الصحي، وعادة ما تمتلئ الدور العلاجية في السودان بمشكلات الصرف الصحي هذا غير مشكلات الشبكات العامة في الأحياء ورداءة مواد التشييد المستخدمة، ومما أدى إلى تفاقم مشكلة الصرف الصحي في السودان عدم وجود العمالة الماهرة في الصرف الصحي.

عدم كفاءة

صناعة التشييد في السودان تحتاج للكثير من المعالجات وأن يولي ذوو الاختصاص هذا الأمر جزءا من اهتمامهم عادة ما تكون المواد المستخدمة أقل من المواصفات أو لا يكون (الاصطاف) العامل في الموقع من مهندسين أو عمال من أهل الكفاءة فأعمال المباني تحتاج لذوي الكفاءة أكثر من غيرهم كما أن المواقع عادة لا تخضع لضوابط الجودة في سوق التشييد وضوابط التحليل والتصميم وإجازة المخططات.

تغول

كيفية صناعة التشييد تعتبر من الأشياء المهمة جدا في الهندسة، فالاهتمام بأمر التشييد يعتبر بنفس أهمية اختيار الشركة المنفذة للمشروع والاستشاري.. وبما أن سوق العمل السوداني يشهد الكثير من حالات التذبذب فقد أدى الأمر إلى إهمال التشييد (اليوم التالي) جلست مع الباشمهندس خالد (مهندس معماري) الذي ذكر أن: “السبب الرئيس وراء كل ما يحدث هو تغول البعض على مهنة التشييد أو مهنة الهندسة عموما واختلاط التخصصات على بعضها البعض فنجد أن المهندس المعماري يقوم بالتصاميم الإنشائية والمدني يصمم المبنى معماريا وعند نهاية التنفيذ يترك أمر السباكة والصرف الصحى في المبنى للسباك دون إشراف من المقاول أو المهندس المشرف على المشروع لذلك نجد أن معظم الأخطاء الهندسية تندرج في السباكة، ويتم استبعاد المهندس الجيوتكنيك كليا من المشاريع الهندسية.. يجب أن تتم مراجعات كاملة لبنود عقود المقاولين والاستشاريين وعلاقاتهم مع المالك”..

الباشمهندس الطيب محمد أحمد الشيخ الأمين العام لاتحاد المقاولين السودانيين في حديثه لـ(اليوم التالي) قال إن اتحاد المقاولين ما هو إلا اتحاد مهني غير سياسي، أي أنه ليس الجهة المسؤولة عن أخطاء المقاولين الهندسية ولا يحق له محاسبة المخطئين إنما يعمل على خدمة شريحة المقاولين فقط، والأخطاء الهندسية أمر واضح للعيان سواء للمسوؤلين أو المواطنين وهنالك جهات مختصة بهذا الأمر من وزارات ومحليات، ليظل السؤال على ما هو عليه: إلى أين ستقودنا الأخطاء الهندسية والكل يلقي عنه مسؤوليتها.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]