سياسية

وزير المالية: ” لن نلجأ لرفع الدعم إلا بعد استنفاذ كافة البدائل


[JUSTIFY]شكلاً ومحتوى؛ كانت (الأنتينوف 74) العائدة للخرطوم من حاضرة ولاية شمال كردفان، تبدو كأنها طائرة حربية.. دورة الانعقاد الثالثة لنفير النهضة كانت هي المناسبة التي التأمت بالأبيض.. بين السحب التقفنا السانحة التي انتظرناها طويلاً؛ وزير المالية والاقتصاد الوطني الجالس على خزائن البلاد لما يقارب التسعة أشهر، دون أن ينبس ببنت شفة للصحف، خلا التصريحات الرسمية، والبيانات البرلمانية وما عداها من أحاديث عامة. بدا بدر الدين محمود طيلة هذه الفترة متحفظا عن الإدلاء بأي حديث صحفي يخص الاقتصاد خلال فترة توليه مهام أصعب الوزارات وأكثرها تعقيداً، من حيث الظروف المحيطة بالبلاد والممسكة بتلابيب العباد، حتى استبانت مخرجاتها شظفاً في العيش، ومكابدة للانفاق على الأسر، عطفاً على معطيات اقتصادية عديدة؛ لا تبدأ من شبهة الحصار الدولي، ولا تنتهي بالتضخم الجاثم على العملة الوطنية منذ ذهاب المورد النفطي جنوباً.. محمود يبذل وما زال ما وسعته الحيلة لتدارك الموقف، ويقول إن شعاره خلال الفترة الماضية كان “دع الأعمال تتحدث بدلاً عنك”. رغم قتامة الوضع، إلا أن بدر الدين بدا متفائلاً بعد أن أكد قدرة الاقتصاد على تجاوز صدمة الانفصال، بيد أنه كان بلغة اقتصادي عجمته التجربة يبوح بكل شفافية ويتحدث بوضوح عن الحال، ثم ما يلبث أن يحدثنا عما يجب أن يكون عليه، ومتطلبات الخروج النهائي من الأزمة القائمة. (اليوم التالي) والزميلة (أخبار اليوم) كانتا على موعد استثنائي مع الوزير في أول حديث صحفي له، فإلى المضابط:

*** البرنامج الثلاثي لم يحقق كل الأهداف المرجوة منه، ما هي ضمانات نجاح الخماسي؟

– البرنامج الثلاثي حقق جزءا معتبرا من الهدف ونجاحه تجاوز نسبة الـ 70%، صحيح هنالك عقبات وافتراضات بني عليها البرنامج لم تتحقق وهي افتراضات رئيسة، مثل الاتفاق مع الجنوب ورسوم العبور على نفط الجنوب والترتيبات المالية الانتقالية وتجارة الحدود مع الجنوب.. هذه كان يمكن أن تدخل علينا موارد من النقد الأجنبي تغطي الفجوة في القطاع الخارجي.. هذا لم يتحقق وهو افتراض رئيس، لكن البرنامج في المحاور كلها حقق اختراقات كبيرة وحتى الذي لم يتحقق عوض الذهب جزءا كبيراً منه؛ فصادراتنا منه بلغت 2.1 مليار دولار في عام الصدمة، وحتى ما توقعناه من الجنوب لم يكن أكثر من مليار في العام، إذن البرنامج أسهم مساهمة كبيرة جدا في استعادة الاستقرار وتجاوز المرحلة الصعبة للصدمة، واستطعنا أن نخطو خطوة نحو استعادة الاستقرار بالتوازن الداخلي لدرجة كبيرة، وقطعنا مرحلة معتبرة في الميزان الخارجي.

* “حقق خطوة نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي”، حسبما تقول ومع ذلك فإن المواطن لم يحس بالاستقرار؟

– إذا لم يتم تنفيذ البرنامج كان من المتوقع أن يصل التضخم إلى أكثر من 166% وكان يفترض أن يبدأ حجم النمو في الكتلة النقدية بـ56% ويتصاعد، وكان التدهور سيكون كبيرا جدا في سعر الصرف، وكان سيحدث عدم توازن كبير في كل قطاعات الاقتصاد، ولحدثت مفارقات كبيرة جدا بين الأسعار والدخول، وكان يمكن أن تتأثر كل قطاعات الاقتصاد تأثرا بالغاً إذا لم ينفذ البرنامج. فحديث من يقولون إن هذا البرنامج لم يحقق أهدافه غير دقيق، ولذلك سنبني البرنامج الخماسي على ما تحقق فعلا في العام 2014 ليكون عام الأساس للبرنامج الخماسي، وهذه أولى خطوات نجاح البرنامج القادم، لأنه سيقوم على قاعدة حقيقية في العام 2014 الذي تحقق على الأرض من الناحية العملية؛ سواء في السياسات المالية العامة، أو النقدية والمصرفية، والإصلاحات التي تمت في هذا المجال، وما تحقق من تحسن في القطاعات الإنتاجية، وفي شبكات الضمان والحماية الاجتماعية، وما حدث من تحسن نسبي في بعض الجوانب -حتى من الناحية الفنية- في زيادة إنتاجية بعض السلع، كل هذا سيبنى عليه البرنامج الخماسي.

* حسناً، من أين ستتحصلون على تمويل البرنامج الخماسي؟

– ستكون هنالك جملة من مصادر التمويل؛ الأول الموازنة نفسها لأن بها موارد تنمية أو دعم اجتماعي، والقروض الخارجية يمكن أن يذهب أكبر نصيب منها لقطاعات الإنتاج بدلا عن البنيات الأساسية، وأيضا التمويل من الجمهور عبر أدوات الدين الداخلي والتمويل المصرفي وتحويلات المغتربين وتدفقات الاستثمار الخارجي وموارد المستثمرين الوطنيين (القطاع الخاص).

* هل سيقوم البرنامج الخماسي على إعادة هيكلة الدعم التي ستتم على مدى خمس سنوات؟

– على مدى خمس سنوات، بعد أن نتحسب لهذه المسألة بعدد من الإجراءات حتى نجعل إعادة الهيكلة تتم بصورة أكثر سلاسة، ولابد للدولة أن تتخذ عددا من التدابير الصعبة في الأول وأن تتم بعدها إعادة هيكلة الدعم بصورة لا تشكل عبئا كبيرا على المواطن.

* ما هي الإجراءات والتدابير التي ستتخذها الدولة؟

– مثلا القمح؛ نحن الآن ندعمه.. بداية ستضع الحكومة تدابير في ضبط استيراده واستخداماته وتوزيعه حتى يصل إلى مستحقيه، وجملة من الإجراءات لتقليل الدعم، بالإضافة إلى أن الدولة لابد أن يكون لديها مخزون استراتيجي من القمح، وأن تقوم بتصميم مشروع محدد لإنتاج القمح محلياً، وزيادة مساحات زراعته.. بعد ذلك تبدأ تهيئة الجو، وتحدد الحد المعقول للدعم وحصره، ويبدأ التدرج في إعادة هيكلته.. هذا مثال فقط وينطبق على بقية السلع، ولكن ليس هنالك الآن وفي هذه المرحلة رفع للدعم.

* هل هذا يعني أن موازنة العام 2015 خالية من رفع الدعم؟

– لا يوجد رفع دعم، إعادة هيكلة الدعم ستتم في سنوات البرنامج الخماسي بتدابير سلسة ومتدرجة نراعي فيها التهيأة التي تتخذها الحكومة في هذه المعالجة، بما لا يضع العبء الأكبر على المواطن، وبما يمكن المواطن من الاستفادة الكاملة من إعادة هيكلة الدعم، وللاقتصاد معاً، حتى لا نجرجر الناس من أول يوم ضد البرنامج، وهذا واحد من التدابير.. هنالك تدابير أخرى للإصلاح؛ إضافة لإعادة هيكلة الدعم هنالك عدد من الإجراءات الأخرى في زيادة الإيرادات وزيادة الإنتاج والإنتاجية وهذا هو الأهم.

* هنالك خبراء اقتصاديون يرون أن الحكومة تلجأ للخيارات السهلة في الإصلاح رغم وجود خيارات أخرى مثل تقليص عدد الوزارات وإعادة هيكلة الولايات؟

– هذا ما أقوله، بعد أن نستنفذ البدائل، بعد ذلك سنذهب لإعادة الهيكلة فهي ليست رأس الرمح في قضية الإصلاح حتى لا يعمل الناس على تعبئة الرأي العام وخلق جو من الشك والجذب بين الحكومة والمواطن في هذه المسألة، في برنامجنا الخماسي سنراعي المعالجه بصورة متدرجة وسلسة لكن في النهاية لابد من الوصول للهدف في أن ندعم الإنتاج بدلا عن دعم الاستهلاك.

* ولكن سعادة الوزير هنالك أجهزة تتحدث عن رفع الدعم وعن إصلاحات اقتصادية إضافية منها القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني؟

– ما أقوله أنا مسؤول عنه، وهذا هو برنامج الحزب وأنا مسؤول عن ذلك، هذا البرنامج شارك المؤتمر الوطني في بنائه وهو ليس نتاجا لعمل فردي، ولذا أي حديث غير ذلك يدور في إطار شخصي وآراء شخصية.. لكن ما شرحته هو حقيقة البرنامج.

* هناك انفلات كبير على مستوى الأسعار ومازالت الدولة تتمسك بسياسة السوق الحر، أين وزارة المالية من ضبط الأسواق؟

– مسألة تنظيم أسواق وليس التحكم في الأسواق، عبر منع المضاربة ومنع الاحتكار ومنع الغش ومنع الاستغلال والربا. كل الأشياء مقرة بالقوانين، لذلك هنالك جملة من القوانين في تنظيم السوق في إطار الحرية الاقتصادية وهذه مسؤولية المركز ممثلا في وزارتي المالية والتجارة ووزارات القطاع الاقتصادي مع الولايات المعنية بتنظيم الأسواق، بما يمنع المضاربات والغش والتدليس، يجب أن تقوى آليات الرقابة القانونية والتشريعية والقضائية في تنظيم الأسواق حتى يتم التنظيم الفعلي للأسواق وتخصصاتها بتقسيم أسواق الخضر لوحدها وأسواق اللحوم لوحدها وتنظيم العاملين فيها ومحاصرة الكم الهائل من السماسرة الموجودين ليعملوا ببطاقات معينة وهذا دور الولايات، هذا هو التنظيم وليس الرقابة التحكمية في الأسعار والتوزيع، هذا أصلا لن نلجأ له ولن نتخلى عن سياسة التحرير باعتبار أنها المنهج الحقيقي الذي يقوم عليه برنامجنا في الإصلاح الاقتصادي.

* ولكن هذه السياسة مضرة بالمواطن؟

– أنا أريد مراعاة حق المستهلك وحق المنتج معا، هل يمكن أن أحدد سعرا قسريا لمنتجات المنتج حتى أعطيها للمستهلك بأسعار رخيصة وأقل من تكلفتها مثلا؟ لابد من مراعاة حق المنتج بأسعار فيها ربح له وتدفعه لزيادة الإنتاج، هذه موازنة مهمة، الحديث فقط عن دعم الاستهلاك حديث غير متوازن، الحديث المتوازن هو دعم الإنتاج وهو المدخل الحقيقي لدعم المستهلك، عندما نوسع الإنتاج ويزيد العرض في السوق يقابل الطلب ويتعادل السعر، لابد من التوازن بين العرض والطلب ولابد من التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، أي حديث فيه كثير من العاطفية حول المستهلك وعدم مراعاة لحقوق المنتج هذا حديث خطأ، ولذلك لابد أن توازن قوى السوق بين العرض والطلب لتحقيق الأسعار المجزية، حتى إذا زادت الأسعار فمن الأفضل للمستهلك الذي يشتكي أن ينتج، لكن أن نحول كل الناس إلى مستهلكين على حساب المنتجين هذه موازنة غير عادلة، إلا إذا كانت هنالك جهة تمطر علينا موارد نعطيها للمستهلكين ليذهبوا إلى الشراء من المنتجين من دون مجهود، هذه مسألة أخرى.

* سعادة الوزير هل تذهب للسوق؟

– نعم وأشتري احتياجاتي بنفسي.

* هل تعتقد أن الأسعار المطروحة في السوق عادلة للمستهلك؟

– الأسعار الموجودة بالسوق ناتجة عن المضاربة، لذا أنا أؤكد أن التنظيم لمنع المضاربة مهم، والضبط للأسعار والمزايدة مهم في تنظيم السوق، وليس التسعير القسري أو الجبري، منع السماسرة ومنع الاحتكار، يمكنك سؤال منتج الخضروات عن سعر الإنتاج ووصوله للمستهلك فستجدين أنه بأضعاف سعر الإنتاج، هذا معناه أننا نحتاج لتنظيم أكثر في الأسواق، وحتى الخبز جوال الخبز المدعوم يخرج بسعر 115 جنيها من المطحن ويصل المخبز والموزع بسعر مغاير، هناك الغش وعدم الالتزام بالوزن، كل هذا يحتاج لتنظيم، هذا ما أعنيه بمنع جيوش السمسارة، هذه مسألة مهمة في تنظيم الأسواق وهذه تشارك فيها الولايات من ناحية بمنع الجيوش الكبيرة من السماسرة والمضاربين.

* هنالك حديث عن زيارة لكم إلى السعودية والكويت بشأن كنانة، ماذا تم في ذلك ومتى يعقد اجتماع مجلس الإدارة؟

– هذه مسألة يشرف عليها وزير الصناعة لكن هنالك تشاورا بيننا في القطاع الاقتصادي وهنالك اتفاق على أن تعود مسألة المعالجات من ناحية مؤسسية في ما يتعلق بتعيين أو إعفاء العضو المنتدب أو في ما يتعلق بالمراجع، أن تعود بالمؤسسية لمجلس الإدارة ولا تتخذ فيها قرارات فردية ولا قرارات من طرف واحد، وأن تذهب من ناحية مؤسسية للجمعية العمومية لتقرر فيها، ولذلك هنالك خطوات نحو الحل والتوافق بين الشركاء داخل كنانة في ما يتعلق بقرارات مجلس الإدارة والجمعية العمومية.

* هل يعني هذا عودة محمد المرضي عضوا منتدبا لكنانة؟

– ليس معناه أن توجه الحكومة بأن تعيد المرضي حتى يستمر، ولعلمك أنا شخصيا اتصلت بمحمد المرضي وأكد لي أنه تقدم منذ فترة في حياة وزير الصناعة الراحل عبدالوهاب محمد عثمان بخطاب أبدى له عدم رغبته في الاستمرار ولذلك يجب أن لا نقيم معركة في غير معترك وليس هنالك شد وجذب بين محمد المرضي والمؤسسين والمساهمين في سكر كنانة بفرض شخصية معينة أو بطرد شخصية معينة، أنا أؤكد أن المرضي نفسه ليست لديه رغبة في الاستمرار ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة مؤسسية داخل مجلس الإدارة.

اليوم التالي
خ.ي
[/JUSTIFY]