حوارات ولقاءات

السفير المصري أسامة شلتوت: “2-2” القاهرة لن تكون منبرا لمهاجمة الخرطوم

[JUSTIFY]استكمالا لزيارة السيسي للخرطوم قبل أشهر، شكلت زيارة الرئيس البشير الأخيرة إلى مصر دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، وقد تم فيها الاتفاق على تحريك ملفات وتفعيلها، كما تم تجميد ملفات أخرى خلافية تعكر صفو العلاقة إلى حين تنقية الأجواء، والسير بالعلاقات إلى فضاءات أوسع. المؤكد أن تنفيذ الاتفاقات على الأرض هو ما يعطي الأمل بأن هناك إرادة قوية وحقيقية هذه المرة لتطبيع كامل في هذه العلاقات.. المؤكد أيضاً أن القاهرة في أشد الحاجة للخرطوم في هذا التوقيت، وكذلك الخرطوم لا يمكن أن تستغنى عن مصر، وعلى الاثنين مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية والتي لا تريد أي تقدم بينهما.

حسناً، لأهمية الزيارة الأخيرة، ولأهمية الملفات التي تناولتها وتأثيرها المباشر في مستقبل علاقة البلدين بعد أن تم تلافي الكثير من الشوائب العالقة والتي عطلت التواصل المفتوح بين العاصمتين؛ لكل هذا وذاك يجيء اللقاء مع السفير المصري بالخرطوم أسامة شلتوت، بوصفه الشخصية التي تلم بكثير من تعقيدات العمل في الفترة الماضية، كما أنه الشخصية التي يعول عليها كثيراً في انسياب العمل وصولاً إلى مرحلة التكامل المنشود بين القاهرة والخرطوم. فتحنا مع شلتوت كافة الملفات العالقة بين البلدين، وتحدث معنا السفير عن كل التفاصيل، وفسر لنا كل ما فهم بالخطأ في الزيارة، شلتوت من الشخصيات المصرية المنفتحة جدا على السودان والإعلام، واختياره في هذه المرحلة ليكون سفيرا للقاهرة بالخرطوم، يعكس مدى الحرص المصري على تطور هذه العلاقات.. الرجل عمل فترة طويلة بالسفارة المصرية في الخرطوم قبل ذلك، ويعلم تماما أهمية العلاقة، ويملك كثيرا من مفاتيح نجاحها وتطورها. وفي ما يلي حوار مفصل مع السفير المصري بالخرطوم.

* ننتقل إلى الملف الأبرز وهو موضوع المياه.. ما هو آخر ما توصلت إليه المباحثات حول سد النهضة؟

– هذا الملف حيوي وكان حاضرا في لقاء الرئيسين، وكان هناك اتفاق في الرؤى على أهمية استكمال الدراسات، واتفاق حول سد النهضة في المجمل، عندما تم تعيين وزير الري المصري الدكتور حسام مغازي، كانت أول زيارة له بعد أسبوعين للخرطوم، وعقد لقاء مع الوزير معتز موسى وكان لقاء مثمرا، تم الاتفاق فيه على التعاون الثنائي في هيئة مياه النيل، وبحث المشاكل وأيضا الاتفاق على استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث، وتم توجيه خطاب من مصر للسودان وإثيوبيا لعقد الاجتماع الثلاثي لبحث تطورات ملف سد النهضة، مع عقد الاجتماع بالخرطوم، وهذا الاجتماع تم الاتفاق فيه على خارطة طريق لمدة ستة أشهر، وهي خاصة باستكمال توصيات الخبراء الدوليين الصادرة عن لجنة الخبراء العشرة التي أتمت عملها ومنها ثلاث دراسات، إحداهما تخص الجانب الإثيوبي، وهي دراسة أمان السد، وبالفعل قامت إثيوبيا باستكمال هذه الدراسة، وتبقت دراستان بخصوص دول المصب عن البيئة وآثار السد على دول المصب، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة من أربعة خبراء من كل دولة مهمتهم اختيار شركة لاستكمال الدراستين المتبقيتين، وتم الاتفاق على أربعة خبراء دوليين من بداية الاجتماعات، وفي حالة حدوث اختلاف في الرؤى بين الدول الثلاث يتم الاحتكام إلى الخبراء الأربعة، وفي هذا الإطار والترحيب وتوحيد الرؤى بين الدول الثلاث تم استئناف المباحثات أعقبتها دعوة الوزير المصري لزيارة أديس أبابا والوقوف على تطورات وشكل وحجم وجسم السد وتمت الزيارة بالفعل، وتوالت المباحثات بعدها في القاهرة، والتقى السيسي بالوزراء الثلاثة، وستعقب هذه الجولة جولة أخرى من المباحثات في الخرطوم في النصف الثاني من نوفمبر المقبل لفتح مظاريف الشركات السبع واختيار إحداهما للتوقيع معها، وتعقد الجولة التي تليها في أديس أبابا.

* هناك مأخذ سوداني على مصر في ملف المياه وهو أن القاهرة تريد أن يكون السودان تابعا لها في أي قرار تتخذه هذا الأمر.. بماذا ترد على ذلك؟

– هذه كلها أقاويل إعلامية تثار من هنا أو هناك، وبعض الأقلام تثيرها من وقت لآخر، لكن الواقع الحالي من خلال المباحثات هناك شفافية تامة بينهما وروح إيجابية بين الدول الثلاث في هذا الموضوع، وهناك تأكيد تام من الجانب السوداني على أن ما يضر مصر يسبب ضررا للسودان، وأن ما ينفع مصر نافع للسودان، وبالتالي لا مجال للحديث عن أن السودان يميل لطرف على حساب آخر، من واقع التاريخ والممارسة يقف السودان مع مصر قلبا وقالبا في كل قضاياها، فلا مجال للشك فيه ولا للمزايدة عليه.

* هناك تخوفات من عدم التزام إثيوبيا بنتيجة المباحثات الجارية بينكم الآن؟

– الدراسات ستقوم بها شركات عالمية وباختيار الدول الثلاث، ولو حدث اختلاف في الرؤى فسيتم الاحتكام إلى أربعة خبراء دوليين.

* هذا حديث جميل… لكن إلى أي مدى هو ملزم لأديس أبابا التي لم تتوقف عن بناء السد في ظل هذه المباحثات؟

– هو ملزم أكيد، فهي تعهدات دولية، ويوازي ذلك انفتاح مصري على إثيوبيا، وستعقد اللجنة العليا المشتركة قريبا بين البلدين، وكانت قد بدأت في السابق وتم الاتفاق على استثمارات مصرية في إثيوبيا سيتم تفعيلها، وشراكات في الاستثمارات، والتبادل التجاري سيزيد بين البلدين، وكل ذلك يفتح آفاقا للتعاون بين مصر وإثيوبيا.

* إذاً، نستطيع أن نقول إن مصر راضية حتى الآن عن سير مفاوضات سد النهضة؟

– بالتأكيد.. لأننا نسير بطريقة علمية، يتم أخذ كل الأبعاد فيها، وهناك لجنة عليا لمياه النيل يشرف عليها رئيس الوزراء، وترفع تقارير دورية للرئيس السيسي، وبالتالي هذا المسار يرضينا.

* نتحدث على ملف جديد أضيف مؤخرا للملفات المشتركة بين مصر والسودان وهو ملف ليبيا، ماذا تم بشأن هذا الملف بين الرئيسين؟

– القضايا الإقليمية والعربية كانت في مقدمة المباحثات بين الرئيسين، وفي مقدمتها الوضع في ليبيا، فمصر والسودان تهمهما المحافظة على وحدة واستقرار التراب الليبي، وعلى دعم الشرعية الليبية، وتم الاتفاق على ذلك بالفعل، بحيث تبسط نفوذها على الأراضي الليبية، ويتم ذلك عن طريق تدريب الكوادر، ورفع قدرات الحكومة هناك لأداء مهامها على أكمل وجه، وهناك اجتماع لدول جوار ليبيا، والاجتماع القادم سيعقد في الخرطوم، وتم تعيين مبعوث خاص من الجامعة العربية (ناصر القدوة) الذي زار السودان لتنسيق الجهود العربية في الشأن الليبي، وهناك اتفاق في الرؤى العربية حول دعم الشرعية في ليبيا، وأن السودان عامل مهم جدا في ذلك وجار التنسيق بين مصر والسودان حوله مع دول الجوار.

* أحد ملفات الخلاف هو ملف المعارضة في البلدين، هل تم التطرق له في الزيارة؟

– تم الاتفاق على تنحية القضايا الخلافية جانبا، عموما السودان التزم بعدم التدخل في الشأن المصري، ولن يكون على أراضيه أي معارض، وكذلك مصر أكدت أنها لن تتدخل في الشأن السوداني، هناك احترام متبادل وعهد بين البلدين في هذا الشأن، ومصر من واقع مسؤوليتها تدعم السودان في حواره الوطني، وبالتالي تصب الجهود المصرية في هذا الاتجاه، حيث أن الحوار الوطني لا بديل له.

* لكن مازالت هناك معارضة سودانية في القاهرة؟

– معروف أن مصر تفتح أبوابها لكل العرب وخاصة السودانيين على مر سنين طويلة، ومن الصعب منعهم من دخول مصر، وفي إطار عدم وجود تأشيرات على من هم فوق الخمسين لا نستطيع فرز معارض من غيره.

* وماذا عن فعاليات ومؤتمرات المعارضة السودانية التي تعقد في القاهرة ضد الخرطوم؟

– تم إلغاء مؤتمر الجبهة العريضة بالقاهرة من قبل، وهذا يعتبر التزاما، ولن تكون القاهرة منبرا لمهاجمة الخرطوم.

* والصادق المهدي؟

– الصادق المهدي كان جزءا من عملية الحوار الوطني، والرئيس البشير يدعوه لأن يلتحق مرة أخرى بالحوار، ونحن ندعم كل هذه الجهود في هذا الاتجاه.

* تبقى الملف المزمن (حلايب) ماذا تم بشأنه؟

– كما ذكرت هناك اتفاق واضح بين الرئيسين على تجميد الملفات الخلافية في هذه المرحلة، وأن يتم التركيز على الملفات التي بها اتفاق وتمثل 90% من الملفات، أما الملفات الخلافية فسيتم تناولها بعد ذلك.

* إلى أي مدى ساهم الإعلام في تعكير صفو العلاقة بين البلدين؟

– كان هناك تركيز من الرئيسين على دعوة صريحة للإعلام للبناء في العلاقات وليس الهدم والتشكيك، وكانت رسالة قوية للإعلام حتى يكون هناك وعي حقيقي بأهمية العلاقة بين البلدين ودعمها.

* رسالة توجهها للإعلام في مصر والسودان؟

– الإعلام يشكل الرأي العام وبالتالي يعتبر هو السلطة الرابعة، وله دور مهم جدا، ونعول على الإعلام في توطيد العلاقات بين البلدين، وفي أي قضية الباب مفتوح لتناولها مع المسؤولين وتحري الدقة قبل النشر.

* بعد الزيارة كانت هناك نظرة تشاؤمية رغم ما حققته من نجاح، وتحدث البعض عن كثرة الاتفاقات التي حدثت بين البلدين من قبل، ولكنها ظلت حبيسة الأوراق، فبماذا تختلف هذه الزيارة باتفاقاتها عن سابقاتها؟

– العبرة بما ينفذ على أرض الواقع، وفي أول لقاء بين الرئيسين تم افتتاح المنفذ البري بين البلدين، والمنفذ الثاني في مارس القادم، هذه خطوات ملموسة تؤكد أن هناك إرادة قوية على مستوى طموح الشعبين، التنفيذ على أرض الواقع هو الدليل على الإرادة.

* هناك حديث عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية مصر إلى الخرطوم، متى ستكون هذه الزيارة وما سببها؟

– ستكون في الغالب في النصف الأول من نوفمبر المقبل، بعد أو قبل اجتماع دول جوار ليبيا، لم يتم تحديد موعدها بشكل دقيق حتى الآن، وهي في إطار العلاقات الثنائية لاستكمال بحث الملفات والتشاور السياسي بين البلدين في مجمل القضايا السياسية والدولية.

* هل هناك ملفات أخرى تم الاتفاق حولها؟

– تم الاتفاق على تقديم الدعم لكل الكوادر السودانية في مختلف المجالات، في المجال التقني والزراعي والصناعي وفي مجال التحكيم التجاري، والطاقة والكهرباء والري وغيرها، والتركيز على التعاون بين مراكز البحث العملي بين البلدين، وتم استكمال المبنى الإداري في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وجار تعيين أحد العمداء من مصر لتولي مهامه في الجامعة الفرع، وهناك اتفاق على إنشاء 5 كليات في الولايات المختلفة، وأولاها الدراسات العليا، وتم استكمال المبنى بالخرطوم، وجاري استكمال باقي الكليات في المجالات المختلفة، وهي كليات علمية ونظرية مثل السياحة والفنادق، والتجارة، والزراعة، وتمت مخاطبة جامعة القاهرة لأن نائب رئيس الجامعة أحيل للتقاعد وهناك انتخابات جديدة أتت ويتوقع اختيار شخص من جامعة القاهرة، ليشرف على الجامعة الفرع، وبالنسبة للدراسات العليا سيفتح الباب أمام كثير من الطلبة السودانيين للاستفادة بدلا من تكبد مشاق السفر، فهناك أعداد كبيرة من الطلبة السودانيين في انتظار الدراسات العليا.

* وعلى مستوى الدبلوماسية الشعبية؟

– كان هناك لقاء مهم بين الرئيس البشير مع رموز المجتمع المصري منهم الدكتور كمال الجنزوري والدكتور عصام شرف وعمرو موسى ومحمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، اللقاء تناول كيفية تطوير العلاقات على مستوى الدبلوماسية الشعبية، وتم طرح مجمل شواغل الطرفين فيه، واتفق على تفعيل قنوات دبلوماسية شعبية بين البلدين على أساس أنها من أهم الروابط بينهما من خلال الاتصال والتواصل الشعبي.

* ما هي أهم أنشطة الدبلوماسية الشعبية بين البلدين هذه الأيام؟

– هناك مبادرة من الشباب السوداني لاستضافة عدد من الفنانين المصريين، وتمت استضافة 3 من كبار الفنانين المصريين قبل أشهر، ومتوقع قدوم عدد آخر من الفنانين المصريين الشهر القادم، وأيضا جمعية (وادينا) ستنظم زيارة لمجموعة من المثقفين المصريين للخرطوم، والفنان راشد دياب لديه برنامج ثقافي مع فنانين مصريين، وهناك فعاليات ثقافية بين البلدين، وكان قد زار الخرطوم الرحالة المصري عمر منصور بمناسبة افتتاح المعبر البري وتم تكريمه من الجانب السوداني، واتفقت مع المخرج سعيد حامد على إقامة أسبوع لأفلامه في السفارة، وجار تحديد الوقت المناسب قبل نهاية العام، وهناك وعد من حامد بأنه يبحث قصة فيلم مشترك يتم تصويره بين مصر والسودان ومتوقع الانتهاء منه في العام المقبل، وفي المقابل هناك مشاركات للفنانين السودانيين في الأوبرا المصرية ولها صدى كبير لدى المصريين والسودانيين في مصر، وأعلم أيضا أن هناك بعض المهتمين الإعلاميين السودانين يحضرون لزيارة مصر ويتم التخطيط لذلك الآن.

* ما هو مردود هذه الفعاليات الثقافية على العلاقات؟

– مردودها مباشر، لأنها تحقق تواصلا شعبيا بين البلدين.

* كلمة أخيرة سعادة السفير؟

– ندعو للسودان بالاستقرار وأن يكون بلدا آمنا، فنحن طوال التاريخ بلد واحد في إقليمين، والسودان من أول الدول التي وقفت بجانب مصر في القضايا الإقليمية والدولية، ولا ننسى أنه بعد هزيمة 67 كانت زيارة الرئيس جمال عبد الناصر للسودان واستقباله الحافل، وتم نقل الكلية الحربية إلى السودان وقتها، وفي نشاط أم كلثوم للدعم الحربي أيضا جاءت للسودان، وأيضا شارك السودان معنا في حرب الاستنزاف، والرئيس البشير شارك في حرب أكتوبر، وكان هناك شهداء بين الجانبين، وهذا دليل على أن البلدين دائما وأبدا مع بعضهما البعض، ونتذكر مشروعات التكامل بيننا، ثم المقاطعة العربية، وبعد قيام ثورة 25 يناير قام الرئيس البشير بزيارة مصر، فكان السودان في مقدمة الدول في دعم مصر، مثلما كانت مصر لها الأسبقية في ذلك أيضا، بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا أجهضت مصر قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على السودان، وهذه ما ذكره الرئيس البشير في زيارته للقاهرة، وذكر عمرو موسى بالاسم وكان وزير خارجية مصر وقتها ومجهوده في ذلك، فهذه هي مصر وهذا هو السودان.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]