خالد حسن كسلا : جنوب السودان لا تأمنه حتى واشنطن
والمتحدث العسكري يقول أيضاً: إن الموكب كان به نائب رئيس دولة جنوب السودان جيمس واني إيقا. فهل هذا يعني أن المستهدف هو نائب الرئيس وليس السفير الأمريكي؟!
إن استهداف شخص بعينه في أي موكب يمكن أن تصحبه خسائر ملازمة، وهذا متوقع دائماً طبعاً. ولو كان المتحدث باسم الجيش الشعبي يريد القول إن السفير الأمريكي ليس هو المقصود، ما كان مناسباً أن يقول إن الجندي ضرب زجاج السيارة الدبلوماسية بعقب البندقية، وهذا طبعاً يثبت استهدافه للسفير أكثر من أن يكون باطلاق النار الذي يجعل الهدف فضفاضاً.
إن واشنطن تقيس بدقة درجات الحالة الأمنية في جنوب السودان، فهي التي تبنت دعم وتمويل مشروع استقلاله الذي بدأته باستقطاب ضباط من القوات المسلحة السودانية من أبناء جنوب السودان الذين كانوا في تمرد سابق قادته أنانيا «1» ذات القيادة الإستوائية المتمثلة في اللواء جوزيف لاقو.
وواشنطن تحذر بشدة وهي تتحرك في الجنوب من خلال عناصرها الدبلوماسيين والاستخباريين وغيرهم، وها هو السفير الأمريكي في واشنطن بعد حادثة الاعتداء على موكبه يقول: «لحسن الحظ فإننا نرتدي نظارات مضادة للرصاص». إذن واشنطن في جنوب السودان ترفع درجة الحذر إلى الأقصى.. أما هنا في السودان فهي تحذر العالم من الأوضاع فيه. أما اغتيال الدبلوماسي قرانفيل من قبل مجموعة شباب متحمّس لم يكن لصالح الحكومة السودانية، ولا لصالح قبيلة معينة إذا لم يكن بطريقة غير مباشرة لصالح المعارضة المسلحة وغير المسلحة لاتخاذ الحدث في المزايدات.
فقد كان اغتيال قرانفيل حلقة من مسلسل رد الفعل الدولي، والفعل هو دعم أمريكا للمشروع الصهيوني واحتلال القوات الأمريكية لأفغانستان والعراق ووجودها في جزيرة العرب.. واغتيال غرانفيل كان يعده الشباب المتحمس تجاوباً مع عبارة أسامة بن لادن الذي قال: «لن ينعم الأمريكيون بالأمن ما لم تنعم به فلسطين».. قال هذه العبارة وهو يقسم بالله، ويقول: «أقسم بالله رافع السماء بلا عمد». لكن في جنوب السودان تشكلت الأوضاع الأمنية والسياسية على أساس قبيلة حاكمة وأخرى معارضة، فقد اختزلت الحكومة في قبيلة الدينكا واختزلت المعارضة في قبيلة النوير، وانقسم بذلك الجيش الشعبي انقساماً حاداً، وأصبحت عبارة «تحرير السودان» التي مازالت ملصقة بالجيش الشعبي مدعاة للسخرية.. فالمطلوب الآن من القوات التي يقودها سلفا كير تحرير المناطق الشاسعة جداً التي توجد فيها قوات النوير الموالية للدكتور رياك مشار، ويتحول مؤقتاً الاسم إلى «الجيش الشعبي لتحرير بعض جنوب السودان».. لتحرير اقليم النوير إقليم النفط المؤهل ليكون دولة مستقلة.
إن كل الجنوب بدون إقليم النوير الآن لا يساوي شيئاً، وإن الرغبة العارمة في الانفصال لدى قادة الحركة الشعبية ومثقفيها نبعت من مشروع النفط هناك. وهذا ما يقوي كرت التفاوض الآن في يد مشار.. ومشار بعد أن يأتي إلى جوبا رئيساً للوزراء يحتاج مثل السفير الأمريكي إلى نظارة مضادة للرصاص.
لكن نسأل: لماذا تأخرت هذه المعلومة؟! لماذا لم يفصح عنها السفير الأمريكي في وقتها؟! هل أدخلها معمل الـ «سي. آي. إيه» أولاً؟!!!
خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة
ت.أ