د. ناهد قرناص: صوت الضحك وهو يمازحها ببنطون توتي طيب الذكر …ملأ نفسي بفيض من المشاعر الانسانية الجميلة

راجعت الاوراق ..وجدتها مكتملة ..جررت احد الكراسي وجلست عليه ..بعد قليل فتح باب السفارة وخرج منه رجل عجوز كان يتؤكا على عصا ..مشى متثاقلا حتى وصل الى اقرب كرسي وجلس بعد تنهيدة طويلة قال (الحمدلله خلصت لكن باقي الحاجة تطلع لسه بسالوا فيها ..اصبري شوية يابتي) وكان قد راني ارتب اوارقي فحسب أنني اتاهب للدخول ..

قلت له (حمدالله على السلامة .انا لسه مواعيدي بعد عشرة دقائق ..الحاجة زوجتك؟) .قال لي (بالحيل ..خمسين سنة زواج)..قلت له (ما شاء الله ..ربنا يخليكم لي بعض) ..قبل ان اكمل جملتي ..كان الباب يفتح مرة اخرى وتخرج منه سيدة تقاربه في السن ..ما ان راها الرجل حتى تحامل على نفسه وذهب ليسندها حتى (تنزل من العتبة).

مدت يدها له وسارا مع بعضهما حتى وصلا الى الكراسي ..كنت اراقبه وهو يهز الكرسي ويضعه بكل حرص لكي تجلس عليه ..ثم جلس بجانبها ..قالت لي (انت برضك ماشة المانيا؟ خلاص نمشي سوا عشان باقي انا وعمك دا ما بنعرف الدرب ..اول مرة نمشي )..ابتسمت لتلك البساطة ..قال زوجها (انت قايلا بنطون توتي حق اهلك زمان؟ ..تركبي العايزا وتخلي التاني …دي طيارة ..وبعدين ولدنا الماشيين ليهو دا ما بلاقينا في المطار) ..تعالت ضحكاتهما .. وقالت (ايوة والله نسيت ..لكن الرفقة سمحة برضو)..

قلت في نفسي والله انتوا اجمل رفقة …نودي على اسمي ودخلت ولكنني حملت معي تلك الابتسامة من هذين الزوجين ..ما اجمل ان تشيخ مع من تحب..ما اجمل ان يتقدم بك السن ومعك من يتقاسم الذكريات …ما اجمل ان يحفظ لك الود اقرب الناس اليك . اذكر ان صديقتي كانت تحكي عن ان جدتها التي تقدمت في السن وأصابها الزهايمر ..صارت لا تتعرف على زوجها .. ولكنه ظل يعتني بها ويشرف على طعامها بنفسه ولا ينام حتى تغفو هي ..اللطيف في الامر انه كانت تتحدث عنه كانه (نسيب ابنتها) ..ما ان يدخل غرفتها حتى تسارع الى ثوبها لتغطى راسها ..

وتحكي عنه لابنتها قائلة (والله الراجل نسيبك دا ما شا الله عليهو طيب خلاس.كل يوم يصبح علي ويسال مني)..قالت صديقتي لجدها يوما ما ( يا جدو ما تتعب مع حبوبة دي تونس فيها وتحكي ليها ..هي ما بتعرفك.) ..قال لها الجد (ولكني بعرفها ). اجمل المشاعر هي التي تحسها ولا تقال .. هي التى تراها في عيون الأخرين وتصرفاتهم ..لم يكن ذلك الزوج يحمل وردة حمراء ..ولم تكن هي تحتضن (دبدوب قرمزي اللون) ولكن منظرهما وهما يتكئ كل منهما على الاخر يحاولان الوصول الى الكراسي ..

صوت الضحك وهو يمازحها ببنطون توتي طيب الذكر …ملأ نفسي بفيض من المشاعر الانسانية الجميلة ..من ود..معزة ..وحب لا متناهي يملأ الأرض باسرها. عندما خرجت وجدتهما وقد حضر من اعتقدت انه ابنهما ..فقد كان يساعد امه في الجلوس على المقعد الامامي .ومن ثم يسرع ليساعد اباه في فتح باب السيارة الخلفي ..سلمت علي المراة وقالت لي (ان شا الله بالتوفيق يا بتي ..نلاقيك بعدين في الطيارة )..لا زالت مصرة على مرافقتي ..

ضحكت وهززت يدي لها بالتحية ..تعجبت حقيقة من مسجل ادم لمواكبته لاحداث بعد الظهر ..فعندما عدت الى البيت كان يصدح برائعة مصطفى سيد احمد (بعد المشاوير البقت ممدودة في نبض التعب ..بتعود وتلقى رجاك زول ..حفظ الوداد زمنا صعب )..ووصباحكم خير

د. ناهد قرناص