رأي ومقالات

د. ربـيع عبـد الـعـاطـي عبيد:الإصلاح اليوم وفى الغد

[JUSTIFY]وق السودانيون لممارسة الحرية وإبداء رؤيتهم فى كل القضايا دون أن يحجر عليهم أحد، وهم بطبعهم ميالون للتعبير عن وجهة نظرهم بتلقائية بعيداً عن الحقد والأحكام المسبقة بتبنى المواقف العدائية، لأنهم شعبٌ درج على قبول الآخر واستيعابه بغض النظر عن التوجهات الإثنية، أو الاتجاهات الأيدولوجية.
> والإصلاح يبدأ عندما تجد قيمة المساواة طريقها نحو المجتمع، فلا يميز بين شخص وشخص، ولا يفرق بين سيد ومسود، والكل يبقى على مستوى واحد، كأسنان المشط، فلا يستبد أحد إلى أحد، ولا يطغى رأى على آخر، والقضايا جميعها، لا تفسد باختلاف، بذات المعنى الذى تعنيه العبارة المشهورة القائلة، إن الاختلاف لا يفسد للود قضية.
> والمصلحون إذا كانوا على رأس دولة، أو قيادة أمة، فهم الذين يبسطون العدل ويرفعون الظلم، ويطبقون القاعدة بأن السيادة لحكم القانون.
> ولقد أشار لي بعض العقلاء ممن جرت الحكمة على ألسنتهم بأن حركة الإصلاح، في الخدمة المدنية والوظائف العامة سوف لن يشكك فيها امرؤ إذا طرحت تلك الوظائف بشفافية للمؤهلين وأهل الخبرة والتجربة، للتنافس الحر، ليظفر بها من هو كفؤ بموجب اختبارات ومعاينات، شريطة أن يتم هذا الإجراء تحت الضوء وبموجب معايير ومواصفات، تسقط على الذين خضعوا لما وضع من امتحانات، ومن تنطبق عليهم شروط المنافسة.
> والإصلاح بالخدمة المدنية والوظائف السيادية يظل شعاراً كاذباً، ومنهجاً خادعاً، إذا شغل منصب وكيل وزارة، أو سفير بالخارجية بموجب إشارات تأتي من جماعات معينة، أو مجموعات ضغط وجدت نفسها على حين غرة هى الممسكة بأعنة القرار.
> كما أن الإصلاح السياسي لا يشعر به أحد إذا كان التّوجه وتحديد أشرعته يقوم على تقارير بواسطة فلانٍ وعلان، ولا تسنده بحوث علمية ودراسات عميقة، إذ أن أي توجه هذه هي خصائصه، لا مناص بأنه سيتجه نحو الطيش، وتنكب الطريق وفقدان البوصلة الدالة على صحة المسار.
> والإصلاح الاقتصادي ينبغي أن يستصحب في مبتدئه ضرورة القسمة العادلة للثروة، بحيث لا تنشأ المشاريع في ناحية من البلاد، وتستبعد مناحي أخرى، فيشعر السكان في هذه الأخيرة بما يجعلهم يرفعون لافتةً، متظاهرين أو محتجين بزعم أنهم مهمشون أو مظلومون.
> كما أن المفارقة الواضحة بالمرتبات بين القطاعين العام والخاص، هي سبب أساس لبقاء فئات تحت خط الفقر وآخرون متخمون يسبحون في الرفاهية والدعة بينما تعيش فئة المسغبة، وتشكو لطوب الأرض لعدم قدرتها على الحصول لما هو عاجل وضروري.
> ومما يلاحظ بأن هناك موظفين بقطاع البترول والمصارف والاتصالات، ينالون رواتب عالية قد تصل للفرد الواحد بما يعادل مائة مليون جنيه بالقديم، دعك عن بقية المخصصات، وموظفين في القطاع العام لا يصل مرتبهم إلى مليون جنيه، وهو مبلغ لا يكفي بل قد يمتصه كيس واحد في شكل مشتريات لا تتجاوز كمية قليلة من اللحوم والخضروات واحتياجات محدودة يتم شراؤها من بقالة أو مركزٍ للتسوق.
> ولا يصلح حال أو يرتقي مجتمع، إذا كان الحق لا يأتي لصاحبه إلا إذا رفع السلاح وتمرد على القانون والنظام، وتلك ممارسة أرى أنها شاعت وعمت مظاهرها ولفت في أثوابها من كان قاصياً ومن كان دانياً، وهنا تكمن الخطورة وينحرف الإصلاح عن مساره، وعند ذلك تسود ثقافة العنف وتتقهقر السماحة، ويختفي سلوك الدفع بالحسنى في محل مقابلة الإحسان بالإحسان.
> وإصلاح المجتمع، يبقى حلماً مستحيلاً، ونحن نرى بأم أعيننا كيف انشغل شبابنا بالثقافات الغازية، والصور العارية، وتفاهات وسائط التواصل الاجتماعي، بينما كنا يوم أمس نعتمد على أبنائنا الذين تربوا على الجدية، وتحمل المسؤولية وهم لما بعد قد بلغوا العشرين من العمر، ولكن يا للحسرة عندما يبلغ العمر الأربعين لشباب، وهم على بعد بعيد من أقل قدرٍ من المسؤولية، وهذه هي العقبة الكؤود التي تقف عائقاً نحو إصلاح المجتمع، وتغيير مزاج الشباب من انحطاط يحيط، إلى آفاق رحيبة تسمو فيها الأخلاق وتشفى الأرواح، والإصلاح الآن لا تنفع إجراءاته إذا كان إصلاحاً يستهدف المسكنات وأقراص التهدئه، إذ لا بدّ أن يكون الإصلاح شاملاً ومستوعباً للحاضر ومحيطاً لما يقتضيه المستقبل من إجراءات ومعالجات.
> وجوانب الإصلاح لا تجدي إن لم يكن التصور لها جامعاً، ذلك لأن حركة الإصلاح لا تقبل التجزئة ولا التقسيم.

صحيفة الانتباهة[/JUSTIFY]