رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : المذكرات الحزبية .. الولايات بأكملها تعاني من ضعف مريع في الكوادر السياسية والقيادات يتساوى مع ضعف الموارد المالية..!!

[JUSTIFY]بلغ الضيق بعضوية المؤتمر الوطني في ولايتي النيل الأبيض وشمال دارفور، إلى درجة إصدار البيانات الغاضبة والتعبير بصوت مسموع وللكافة، عن حالات الاحتقان وسوء الإدارة وفساد الحكم في الولايتين وضياع المصلحة العامة، فلولا وصول الأوضاع إلى درجة ممضة من التردي السياسي والافتقار إلى الحكمة والكياسة في إدارة شؤون الولايتين، لما أقدمت قيادات وكوادر داخل الحزب على إعداد المذكرات والدفع بها لقيادة الحزب في الخرطوم، وهو أضعف الإيمان كما يبدو من طريقة الصياغة وروح النص التي تعبر عن حالة من السأم والتبرم بعد أن وصلت الروح الحلقوم.
> ولا يختلف اثنان في أن الولايات بأكملها تعاني من ضعف مريع في الكوادر السياسية والقيادات يتساوى مع ضعف الموارد المالية، وهذان السببان جعلا الولاة هم مراكز ومحاور السلطة والعمل السياسي، فضلاً عن كونهم يمسكون بالقرار والمال ويوجهون الأمور حيثما أرادوا وشاءوا، وضعفت بذلك رقابة المركز في الخرطوم على أدائهم والكيفية التي يديرون بها الشأن الولائي ومعالجة إشكالاته.

> وبالعودة إلى المذكرتين اللتين صدرتا في وقتين متقاربين، نجد أن موضوعهما متشابه ومقصدهما واحد، وكلتاهما تتحدث عن هيمنة الواليين يوسف الشنبلي في النيل الأبيض وعثمان كبر في شمال دارفور على مفاتيح العمل السياسي والشعبي والتحكم بروح متسلطة في كل شيء داخل الحزب ومؤسسات الحكم، وإزهاق الشورى وخنق الرأي الآخر داخل مؤسسات الحزب التي صارت مقصورة وحكراً على الوالي ومن يواليه من أتباعه وأهله وعشيرته ومريديه وشيعته وحوارييه وجوقته التي تشقشق حوله كما تفعل عصافير الخريف.

> هناك احتجاجات كانت مكتومة على الكيفية التي تتم بها إدارة الولايتين وسلطة الوالي المطلقة، لكن من خلال عملية إعادة البناء الحزبي وانعقاد المؤتمرات الولائية، ثم عمليات التصعيد واختيار مرشحي الحزب في الدوائر الجغرافية والقومية للمجلس الوطني ودوائر المجالس التشريعية، ظهرت ممارسات غاية في الانحدار إلى مهاوي القبلية والتعصب للعشيرة وصلة القربى، وفيها مخالفة صريحة وواضحة لكل لوائح الحزب ونظامه الأساس من حيث مقصدها العام، وذبحت على نصب الولاء للوالي فقط، كل ما يربط العضوية من مشتركات فكرية وسياسية وقيم التراضي والأدبيات التنظيمية المتعارف عليها في تقبل رأي الجماعة والاعتصام به.
> فما يجري في هاتين الولايتين مؤشر لما يمكن أن يحدث في ولايات أخرى فالحال من بعضه، ولا يوجد عاصم يعصم بقية الولايات من الوقوع في براثن المذكرات الاحتجاجية، وتعالت الأصوات الرافضة للأخطاء التي ترتكب باسم الحزب وتوجهاته، فإذا كانت المراجعات التي أعلنها رئيس الحزب ورئيس الجمهورية في المؤتمر العام قد صارت حقيقة واقعة بمراجعة الكيفية التي يتم من خلالها اختيار الولاة واللجوء مرة أخرى للتعيين، وقد اقتضت ذلك دواعٍ موضوعية بظهور وتفشي القبلية والجهويات، فإن الممارسة التي تمت خاصة في هاتين الولايتين «شمال دارفور والنيل الأبيض» تنم عن سقوط مريع في وحل القبلية والانغماس في طين العنصر والعشيرة، وتقهقر للوراء ستكون له نتائج مدمرة ومؤسفة إذا استمرت هكذا دون معالجات حاسمة قبل الانتخابات وبعدها، ويخشى أن تكون الانتخابات بهذه الأخطاء المركبة ملطخة بالخطايا والدماء.

> على قيادة المؤتمر الوطني في الخرطوم النظر بعمق إلى ظاهرة المذكرات التي تخرج من أحشاء الحزب في الولايات المختلفة، فستكون ظاهرة عامة تنتقل من ولاية لأخرى لو لم تعالج أسبابها ودوافعها، فهناك ألف ذريعة لصدور مثل هذه المذكرات، فهل سيجلس الحزب الحاكم متفرجاً على عراه تنفصم والجرح يزداد نزيفه والألم يتطاول أمده؟ أم يلجأ إلى تنظيف جراحه وتضميدها، ورتق الفتق قبل أن يتسع ويعجز حينئذٍ الراتق؟!

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]