منوعات

حراك فاعل: الدورة المدرسية.. ثمار دانية يقطفها المجتمع


[JUSTIFY]لاح من بين الجموع تلميذ يحمل لافتة، كتب عليها بخط واضح (ولاية نهر النيل). الفتى الصغير كان يرفع اللافتة باعتزاز كأنه يطمح أن تستعير والدته عيون زرقاء اليمامة، فتراه من هناك رغم بعد المسافة بين ولايتي نهر النيل وسنار، لتعلم أن فتاها في هذه اللحظة يرفع اسم (نهر النيل) خفاقاً بين جمع تقول الإحصائيات الرسمية إنه تجاوز السبعة آلاف مشارك من سبع عشرة ولاية! ذلك التلميذ كان يقف بإصرار فوق أخماسه، يزاحم لافتات كثر وتلاميذ كثر يرفعون اللافتة بكل طاقة لتدل عليهم، محاولين أن يطلوا بها من فوق رؤوس الجميع ليشاهدها كل الذين جاءوا من أقصى محليات سنار ومن حواضر الولايات الأخرى لحضور افتتاح الدورة المدرسية القومية رقم (24) المقامة هذه الأيام بمدينة سنجة.

# إبداع متجذر في الماضي

لم يكن الربع قرن الماضي هو بداية انطلاق النشاط الطلابي بالمدارس الثانوية وما دونها في سلم التعليم العام، فتاريخ إبداعات الطلاب ضارب في عمق ماضي المؤسسة التعليمية منذ أن أنشأها المستعمر الإنجليزي وحصر عملها على تخريج دارسين مهمتهم تحريك دولاب العمل الرسمي حينها. وبعودة إلى تلك الحقبة نجد أن تطبيق القوانين الصارمة التي كان يعاقب بها كل من يمارس نشاطاً ثقافياً أو اجتماعياً لم يقتل الرغبة العارمة والمتأججة في دواخل الطلاب حينها ويصدهم عن ابتداع طرق بعينها مكنتهم رغم إحكام الرقابة عليهم من إقامة مناشطهم المتنوعة بعيداً عن أعين المستعمر وجواسيسه، فخرجت من رحم تلك المناشط السرية عشرات المبدعين في كافة ضروب الإبداع مثلوا أحد أهم الركائز التي قام عليها استقلال البلاد من قبضة المستعمر مبكراً غض النظر عن الاختلاف الذي بدأ يطل حول ماهية نتائج الاستقلال التي لم تتحقق إلا بتضحيات جسام لا يزال بعضها خافياً يحتاج البحث والتنقيب.

# فوائد جمة

وبما أنه لا أحد ينكر الدور المهم للأنشطة الثقافية والاجتماعية التي أرسى دعائمها الطلاب مبكراً وتواصل العطاء على مر نصف قرن، تارة تحت مظلة الجمعيات الأدبية والثقافية وتارة تحت سقف النشاط الطلابي ها هي الدورة المدرسية تشق طريقاً جديداً ليسير عليه الطلاب الذين أصبحوا يتجمعون من كل الولايات في بقعة بعينها ليتنافسوا على شتى ضروب الإبداع. وهذا النهج الذي صار قومياً تحت توجيهات ونفقات رئاسة الجمهورية أثمر عن نتائج عديدة. فنشاط الطلاب الإبداعي كان يقتصر بثبات على تخريج المبدعين واكتشاف المواهب فقط لأنه كان يدور في بيئة المدرسة أو المحلية لأحسن الظن ولا يتجاوز هذه المساحة مطلقاً، لكن الدورة المدرسية خلقت له بعداً مجتمعياً آخر، فأصبح النشاط الطلابي المتمثل في فعاليات الدورة المدرسية حدثاً قومياً يجد دعماً وسنداً وترحيباً كبيراً من قطاعات المجتمع المختلفة لفوائده التي تتجاوز تفريخ واكتشاف المواهب إلى المساهمة في التعمير بإنشاء بنيات تحتية عملاقة وزرع روح العمل الجماعي في المجتمع المعني، وهذا ما جنته مدينة سنجة من الدورة التي تجرى فعالياتها هذه الأيام على أراضيها.

# تغيير مفاهيم الأجيال

تفاصيل عديدة يمكن إيرادها عن الدورة المدرسية وما تخلفه من فوائد على كافة المستويات، يقول الفريق أول بكرى حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية في فاتحة انطلاقة الدورة المدرسية بمدينة سنجة إن الدورة المدرسية تجمع تربوي وتعليمي، وإن طوافها على جميع الولايات يمثل أهمية كبرى في تعريف الطلاب بثقافات السودان المحلية ومكوناته، فضلاً عن المساهمة في ترسيخ القيم الوطنية وتمتين النسيج الاجتماعي بين طلاب الولايات المشاركين ومجتمع الولاية التي تحظي بشرف تنظيم الدورة. كما طمأن الفريق أول بكرى حسن صالح قطاعاً واسعاً من المهتمين بأمر المؤسسة التعليمية بتأكيده على التزم الدولة بالعملية التعليمية والمعلمين، بجانب رعاية الطلاب المبدعين والأخذ بأيديهم للأمام، خاصة وأنهم المشعل الوحيد الذي ينير طريق المجتمع بأكمله نحو المستقبل. خطاب النائب الأول الذي شرف افتتاح المنشط القومي بجانب سعاد عبد الرازق وزيرة التعليم العام والمهندس أحمد عباس والي ولاية سنار التي حظيت بالتنظيم جاء في اتجاه تعزيز الاهتمام الرسمي بالمؤسسة التعليمية التي تعرضت لهزات عنيفة خلال الأعوام الماضية أدت لفقدانها الكثير من البريق الذي كان يشع من جباه المنتسبين لها، مما يبشر بنهوضها مجدداً.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]


تعليق واحد