تحقيقات وتقارير

نفتح الملفات العالقة بين الحكومة والمواطنين

[JUSTIFY]شهدت الفترة الماضية حدوث مواجهات بين عدد من المواطنين بمناطق وأحياء مختلفة بولاية الخرطوم وبين قوات الشرطة، وكلها كانت بسبب النزاع حول الأراضي سواء كانت سكنية أو زراعية، وفي كل مرة تتجدد حالة الصدام وتخرج مظاهرات شعبية من قبل السكان رافضة التعدي على أراضيها أو معترضة على حملات الإزالة أو تتجمهر معتصمة تطالب الحكومة برفع يدها عن تلك الأراضي.. مواقع مختلفة شهدت وقوع جرحى ومصابين وأحياناً يضرم السكان النيران على إطارات السيارات في صورة احتجاجية معارضة لخطوات الحكومة ومرات ترفع اللافتات وتكتب العبارات تندد بالتعدي ورد الحقوق بدءاً من حلفاية الملوك في اتجاه الشمال بالخرطوم بحري ومروراً بالجريف شرق وأم دوم وحي دار السلام المغاربة شرقاً ثم في البراري بالقرب من جسر المنشية وجنوباً في حي الصفا بالكلاكلة والحماداب بالشجرة.. ما هي حقيقة هذه المواجهات التي استمرت لعدة أشهر ولا زال بعض الخلاف قائماً بين المواطنين والسلطات المحلية، وما هي الأسباب، وهل ثمة حلول في الأفق تضع حداً لهذه التعديات أو توصل لتسوية لملف الأراضي؟.. (المجهر) تجولت في عدد من الأحياء لمعرفة تفاصيل وملابسات تلك النزاعات وخرجت بالحقائق التالية عبر هذا التحقيق:
الحماداب .. بداية الشرارة
على مدى (3) أشهر ظل مواطنو حي الحماداب في حالة مواجهة مباشرة مع قوات الشرطة التي ظلت مرابطة بقواتها في المثلث الذي يقع بين مركز صحي “أحمد قاسم” وشمال سوق الشجرة ومكاتب الهيئة القومية لتوزيع الكهرباء ومسجد الشيخ “نور الدائم” شكل المثلث موقعاً لتجمع أهالي الحماداب وفي كل (جمعة) وعقب أداء الصلاة تخرج مسيرات ومظاهرات تكون نتيجتها حصب قوات الشرطة بالحجارة بينما ترد الشرطة بالغاز المسيل للدموع (البمبان) لتفريق تجمعات المواطنين، يلي ذلك عملية حرق اللساتك حتي تحول الشارع بفعل الحريق المتكرر لإطارات السيارات أسود كأنه مسحوق من الفحم متوزع على جانبي الطريق دون أن تنتهي المواجهة إلى حل غير وقوع جرحى ومصابين وأحياناً تتدخل الشرطة لملاحقة ومطاردة مثيري الشغب داخل شوارع وأزقة الحي العريق جنوبي الخرطوم، وسبب الاحتجاجات الشعبية – طبقاً لإفادات سكان المنطقة – هو شروع السلطات في عمليات بيع لمخططات سكنية في مساحات كانوا قد منحوها في وقت سابق لجهات رسمية وأضرم المتظاهرون النيران في إطارات السيارات وأغلقوا بعض الشوارع الرئيسية بالمنطقة، وطالب السكان بعودة الأراضي الى أصحابها من سكان منطقة الحماداب ورفضوا قيام المخططات السكنية الاستثمارية بالمنطقة. وأشار “أحمد عبد المجيد” وهو أحد سكان الحي إلى أن هذه هي المرة الرابعة أو الخامسة تقريباً التي يحتج فيها سكان الحماداب على بيع أراضيهم. وقال “عبد المجيد” إن (أهالي الحي متمسكون بأرضهم التي يقولون إنهم يملكون تسجيلات لها منذ العام 1905 ومنحوها إبان عهد الرئيس الأسبق “جعفر نميري” للقوات المسلحة لكن عمليات الاستثمار التي تجري فيها الآن أغضبتهم وجعلتهم يطالبون بأرضهم).
الصفا .. قصة حي خالٍ من الصفاء
وفي محلية جبل الأولياء وتحديداً في حي الصفا القريب من المستشفى التركي جنوب غرب سوق الكلاكلة اللفة أصيب عدد من المواطنين الذين يقطنون الحي العشوائي لكون أن السلطات حتى الآن لم تقم بعملية تخطيط منظم له، ونتج عن المواجهات التي وقعت بين المواطنين وقوات الشرطة وقوع جرحى بلغ عددهم (23) جريحاً (11) منهم إصاباتهم خطيرة. وقال شاهد عيان إن الأهالي كانوا يتظاهرون احتجاجاً على قرار إزالة السلطات لمربع كامل بالحي الواقع بالكلاكلة اللفة، حيث حضرت قوة من الشرطة إلى المنطقة لتنفيذ أمر الإزالة غير أن سكان الحي تصدوا للقوات مما أسفر عنه حدوث إصابات خطيرة بين المتظاهرين، موضحاً أن سكان المنطقة أقاموا على هذه الأرض منذ العام 1990 وشيدوا منازلهم عليها وهي من أملاكهم، ولكن الحكومة تماطلت في تسجيلها لهم حتى حضر أحد النافذين وادعى ملكيتها وقام بإصدار قرار وما زالت المشكلة قائمة دون أن يتم التوصل لحل جذري ينهي حالة الاحتقان داخل الحي السكني.
شارع النيل .. النزاع أسفل الكبري
(سرقة شارع النيل) في اتجاه يبدو حاداً وربما غير مألوف خرجت هذه العبارات من سكان حي البراري العريق، وقالوا إن البعض تهجم على عدد من المواقع التابعة لهم من غير وجه حق واستصرخ الأهالي المسؤولين بالولاية لرد الظلم وردع المعتدين على أراضيهم التي تقع في محاذاة شارع النيل من الضفة الغربية وتلك التي تقع أسفل جسر المنشية في اتجاه الجنوب والشمال. وقالوا إن شركة (ف) للدعاية والإعلان لمالكها (أ . ع) استولت على جزء من هذه الأراضي واستقطتعها لصالح الشركة بالتنسيق مع شركة أخرى (م . م) لصاحبها المعروف بولائه الحزبي مستفيداً من تسهيلات جعلته يضع يده على بعض المواقع الإستراتيجية والمهمة بغرض الاستثمار الأمر الذي جعل سكان المنطقة يلجأون لرئاسة الجمهورية لإنصافهم حيث ناشد أهالي بري اللاماب رئاسة الجمهورية التدخل العاجل لوقف شركة (م .م) من عمليات الردم على النيل، وحذروا من ظهور شقوق وخدوش على أعمدة كبري المنشية، وهدد الأهالي في الوقت ذاته بإغلاق شارع النيل والكبري في حال لم تتدخل رئاسه الجمهورية. وفي السياق اتهم الأهالي محلية الخرطوم بالمحاباة والتمييز في إشارة لعدم سماحها للمواطنين بالاستثمار على شارع النيل. وناشدوا رئيس الجمهورية المشير “البشير” التدخل الفوري لحل القضية قبل تدخل ما وصفوهم بالنافذين. واعتبروا ما تقوم به شركة (م . م) هو اعتداء على الملكية العامة والخاصة من خلال تضييق مجرى النيل بالردميات المتواصلة. وحذر الأهالي من الانزلاقات الناتجة عن عمليات الردم مما تشكل مهدداً حقيقياً للكبري وسبق صرخات أهالي البراري وقوع صدام آخر مع أهالي منطقة أم دوم 26 أبريل 2013 أثناء تظاهرهم احتجاجاً على نزع الأراضي ومنحها لجهات تريد استثمارها واستشهد في التظاهرات “محمد عبد الباقي” – الطالب في المرحلة الثانوية- إثر إطلاق أعيرة نارية بالذخيرة الحية.
الحلفاية تمييز سلبي
يصعب حتى الآن تحديد توصيف دقيق لأزمة أراضي الحلفاية بل هناك مفارقات قد تبدو غريبة نوعاً ما بين القاطنين في الحي التاريخي الضارب في جذور الحضارة، هل المشكلة هي أزمة سكان ومواطنين أم نزاع يأخذ طابعاً عنصرياً أم صراع بين الأهالي والسلطات الحكومية؟ لكن الماثل للعيان أن هناك إشكالاً كبيراً حداً بالقاطنين سواء كانوا (أهالي أم سكان) للخروج للشارع والتعبير عن مطالبهم عبر الاحتجاجات والثورة أو قل التظاهر في أكثر من موقع وزمان، فاستطلاع واستقصاء (المجهر) شمل عينات مختلفة حول الأحقية بين (المواطنة والسكن) وهل هناك تمايز؟ وعلى أي أساس يتم؟ “مشاعر قسم السيد” قالت في إفادتها لـ(المجهر) كانت غاضبة من قرار نزع أراضي المواطنين الذين سكنوا في الموقع لمدة تزيد عن الأربعين عاماً ورفضت بشدة القرار وقالت باحتجاج إن عملية التمييز بين السكان الأصليين أو غير المولودين بالمنطقة هو تقسيم جائر وغير عادل وقالت إنه من الضروري إعطاء كل مواطن حقه كاملاً في الأرض والخدمة على حد سواء بلا تفريق.
أما “معتز جعفر” فيقول إنه قدم للخطة الإسكانية أملاً في أن يجد مسكناً له ولأفراد أسرته باعتبار أنه من سكان الحلفاية منذ (13) عاماً ويستحق السكن، مشيراً إلى أن قرار النزع فيه الكثير من الظلم. ومضى قائلاً: (طالما الأراضي حكومية فإنه من حق أي مواطن أن يتمتع بخدمة السكن وفق شروط واستحقاقات الخطة السكنية وأن يتم التوزيع بالتساوي وبعدالة تتوخى أحقية وأولوية وأقدمية الساكنين بحسب الفئات)، مشيراً إلى أن أشقاءه مولودون في الحلفاية فكيف يتم حرمانهم من حق السكن؟)، مبدياً تخوفه من استبعاده من الخطة الإسكانية.. بينما أشار “أسعد الجيلي” إلى أن خطوة النزع ستسبب مشاكل عديدة يجب تفاديها، مضيفاً أنهم استقروا في الحلفاية منذ زمن بعيد وعلى الحكومة توفيق أوضاعهم من غير أن تتسبب في إيقاع الظلم عليهم لاعتبارات أخرى. وقال إن قرار النزع يعني هضم الحقوق التي كفلها الدستور والقانون وشرعية وجودهم في المنطقة، بينما طالب آخرون الحكومة بتعويضهم مقابل عمليات نزع أراضيهم، فأزمة الحلفاية دعت اللجان الشعبية ولجنة أراضي المنطقة لعقد اجتماع مطول في ليلة يوم 27 ديسمبر الماضي صاحبته خلافات حادة ونقاشات قوية جرت بنادي حلفاية الملوك لتدشين الخطة الخاصة بأهالي المنطقة، بينما طمأن الوالي “عبد الرحمن الخضر” بأن المشكلة في طريقها للحل قريباً عبر تسوية شاملة ومرضية تتم من خلال توافق بين كل المكونات ذات الصلة بمشكلة الأراضي.
الموقف الحكومي سطر جديد
الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم “محمد المصطفى قسم الله” أكد أن الحكومة وبحكم مسؤوليتها تجاه مواطنيها – ظلت تسعى لتسوية المشاكل المتعلقة بنزاعات الأراضي عبر حلول تحكيمية توفيقية وفق برامج عمل يرتبط بالإجراءات المتعلقة بطبيعة تخصيص الأرض في (الحضر والقرى) وتكوين لجنة لتنظيم الأراضي السكنية والزراعية ومنح أصحاب القرى التاريخية حقوقهم كاملة في الأراضي الزراعية والسكنية واكتمل الرفع المساحي لكل القرى بعدد (600) قرية ..
أما على مستوى المناطق الحضرية فقد قررت الولاية خطة إسكانية زاوجت فيها بين الأعراف والتقاليد الحاكمة للمنطقة مع القانون وإعطاء السكان الأصليين مزايا نسبية مع الاحتفاظ بحق الآخرين في السكن، وجرى تنفيذ خطط خاصة بعدد من أحياء الولاية مع ضرورة التعويض المجزي للمتضررين خاصة في أحياء الرميلة -اللاماب الحلفاية. ووضع “قسم الله” حزمة مقترحات تساهم في سرعة الوصول لاتفاق بخصوص النزاعات بتفويض الأهالي للجان تجلس مع جهات الاختصاص في مكاتب الأراضي بالمحليات مروراً بمصلحة الأراضي ووزارة التخطيط العمراني وحتى الوصول لمكتب الوالي “عبد الرحمن الخضر” في حالة وصول الأطراف لطريق مسدود، إلّا أن “محمد المصطفى قسم الله” أكد التزام حكومته بالوفاء بتعهداتها كافة ومعالجة كل ملفات الأراضي وفق جدول زمني ومواقيت يمكن الاتفاق عليها بين أجهزة التخطيط العمراني والكيانات الأهلية المختلفة.

تحقيق : نهلة مسلم
المجهر السياسي
خ.ي[/JUSTIFY]