تحقيقات وتقارير

مزاد بلا جرس: ثمة تُهم طالت ساسة انتقلوا من حزب إلى آخر.. وبالخصوص من ارتموا في حضن السلطة.. كيف باع ولما اشترى

[JUSTIFY]ليس غريباً ابتداء أن ينتقل سياسي من حزب إلى آخر، أو أن يهجُر السياسة بالمرة، فهو بتعبير ميلان كونديرا (كائن لا تُحتمل خفته)، ولكن الغريب أن يعود سياسي شهير فاصل حزبه وخرج بعيد أن أحكم الباب وراءه إلى ذات البيت ولا تطاله تهمة البيع والشراء، وهي تهمة _ على العموم_ حاضرة بكثافة في موائدنا العامة، سيما وأن أحد قادة الوطني اشتهر بعبارة متداولة في الماضي (مافي ود مقنعة ما عنده تمن).. ولكن صلاح محمد كرار مثله ومثل كثير من الساسة الذين نجحوا _ إلى حد بعيد _ في احتكار الأضواء على إثر خطاهم وجعل الواقع أشبه بروايات أجاثا كريستي، حيث تبدو الحكاية معقدة وغامضة ومربكة فيحتشد السرد بالإثارة في عروقك، وفي النهاية تكتشف أنك أنت الحلقة المفقودة، وأن الجاني يختبئ في عقلك.

فك تسجيلات

هو الحال إذاً، ولكن حكاية العميد كرار تختلف عن مثيلاتها وإن كانت تأخذ ذات البعد الدرامي _ على ما تقول المقدمات _ فهو حتى ليلة أمس لم يخرج للناس ليعلن خبر عودته للمؤتمر الوطني أو حتى ترحيبه بفك الحظر، ولا صدرت من حركة (الإصلاح الآن) التي يحمل كرار بطاقتها أيما ردة فعل بالرغم من أنها المعنية بالأساس، ولكن ردود الفعل التلقائية جنحت لتفاسير (الصفقة) المنعقدة بعيدا عن الأعين، فكل ما حدث هو مؤتمر صحفي لإبراهيم غندور رحب فيه بالعميد قيادياً بالمؤتمر الوطني، وتبع ذلك حديث عن فك تجميد عضوية الرجل.

حتى الآن ليس ثمة ما هو مثير للدهشة، فهذا مؤسم انتخابات _ وبطبيعة الحال _ هي فترة تنقلات من حزب إلى آخر لجهة تكاثر المغريات، وحيوية الساحة، ومع ذلك فليس هنالك ما يدعو للاستغراب إذا طالت كرار تهمة بيع القضية والانتقال للحزب الحاكم بمقابل، علاوة على الأسئلة التجريمية، أقلها، إخلاء دائرة انتخابية لعضو مجلس قيادة الثورة، كما تتداول الأسافير.

كرار رفض التعليق على الخبر واكتفى بالصمت إلى حين جس نبض الساحة.

من يشتري عرمان؟

قبل أكثر من عام وبينما النيران الأنصارية الصديقة على أشدها كان مبارك الفاضل هنالك في واشنطن يحرك أقدامه على ماكينة (الخياطة) ليفصل جلبابا جديدا من تهم الارتزاق والشراء لقيادات حزب الأمة، ذلك الجلباب المرقع لسوء تقلبات الطقس السياسي في السودان ارتداه أكثر من رجل نذر حياته للعمل العام.

متاجر بيع الذمم تجاوزت الحيز المألوف بمقدار الفجيعة، فقد اتسعت القائمة في الفترة الأخيرة لتشمل برلمانيين، وصحافيين، ودبلوماسيين، ورجال أعمال، وحكام كرة قدم، و(ستات شاي)، ولم تنحصر كالعادة في العطاءات وعقودات البيع، ولكن تهم شراء السياسيين بغرض تجييرهم أو إضعاف الخصم أو احتوائهم بالمرة، سُنة ماضية لم تستعص على قانون العرض والطلب، فإذا عظمت السلعة على ذلك النحو فإن العملة ليست هي (المال) فقط، ربما تكون الدنيا، أو معنى آخر استقر في جوف عبارة أحلام مستغانمي الشهيرة: “الموظف هو شخص استبدل رجولته بكرسي”، فالساسة أحجام مختلفة، ولذا التقط المهندس وكاتب القصاصات المعروف حسين ملاسي المناسبة وذكر في تغريدة له منشورة على صفحته (بالفيسبوك) أن (الوطني) لو كان يستطيع لدفع دم قلبه من أجل شراء ياسر عرمان، أو شيء من ذلك القبيل.

“غاليري” للرجال

(غاليري) خاص لنوع الرجال المؤثرين في حزب الأمة، هو الانطباع الذي ترسخ لدى الكثيرين بمجرد الإحاطة بتصريحات السيد مبارك الفاضل التي نشرتها أكثر من صحيفة وموقع إلكتروني قبل زهاء العام، مبارك الذي دخل دنيا (البزنس) في السنوات الأخيرة طغت على أفكاره لغة البيع والشراء، وربما لذلك الأثر اشتبهت عليه المشاهد، ولكن الكثيرين يعتقدون أن الرجل يعرف جيدا وقع فرقعة التصريحات، فقد تناقلت المواقع هجومه على رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي وقيادات حزبه، وقال في ندوة سياسية نظمها المنبر الديمقراطي بواشنطن _ في وقت سابق _ إنه اخترق الأمانة العامة للحزب بما في ذلك مكتب الإمام الصادق المهدي، وأردف بإن ذلك أزعجه كثيرًا، وأضاف أن أغلب قيادات حزب الأمة “قابلة للشراء بالمال”.

حزب الأمة ليس وحده بالطبع وإنما هنالك الحزب الاتحادي الديمقراطي وأبرز شخصية لحقت بها تهمة البيع على أبرسي، وعثمان عمر الشريف وإن كان الأخير لم ينضم رسمياً للمؤتمر الوطني ولكنه ظل أكثر المتحمسين للشراكة والمدافعين عنها حتى وإن لم تحقق مراميها التي تدثر بها الحزب.

مزاد بلا جرس

الهمس الذي جهر به (بلدوزر) الأنصار، والرجل الموصوف بأنه (سياسي براغماتي) استغرقته نفس التهم عندما نسب له إبان مشاركته في الحكومة عقب المفاصلة الشهيرة بين وابن عمه الإمام، أن قياديا في حكومة ما اشتبك مع السيد مبارك على خلفية تساؤله الاستنكاري (إنتو قروش البترول دي بتودوها وين؟) فما كان من الرجل إلا وأن صفعه بالإجابة القاسية (بنشتري بيهو الزيك ده) لو صدقت الرواية أو لم تصدق فإن الرجل الذي جمع أكثر من وزارة في الديمقراطية الثالثة لا يزال يتردد حوله على نطاق واسع جدا بأنه (رجل أمريكا في ود نوباوي)، فيما يتساءل آخرون عن ثمن رجال حزب الأمة بالضبط، ومن هو المشترى في ذلك في ذلك المزاد الذي لا تقرع له الأجراس في العادة؟

فتنة السلطة

عملية الشراء والبيع في السياسة رسخت في الذاكرة بعيد مفاصلة الإسلاميين، وتعززت عقب انضمام عدد من قيادات المؤتمر الشعبي إلى المؤتمر الوطني، أو سمها ما شئت (الرجعة للبيت القديم) وبمجرد أن يتسامع الناس انضمام شخص إلى المؤتمر الوطني تصوب تهم البيع والشراء إلى صدره من قبل الشعبيين، فتسمع (الزول ده الحياة عصرت معاهو وما قدر يتحمل).

العزف على (جيتار) الشراء طال أسماء معروفة على سبيل المثال محمد الحسن الأمين، حاج ماجد سوار، بدر الدين طه وآخرين، الغريب أن أوبة الدكتور الترابي ودفاعه عن النظام تحت مظلة الحوار الوطني وذلك التقارب لم تحسب ضمن عمليات البيع والشراء في الظاهر على الأقل! وإن كان هنالك ما يتردد بأن مجموعة مقربة للشيخ هي التي دفعته إلى التقارب بعيد ما استلمت الثمن، المهم أن نبرة القناعات لدى المنتقلين _ للوطني_ تصدرت مرافعاتهم بقوة، لا سيما ذلك التأكيد بأنهم اقتنعوا ببرامج الحزب الحاكم وساقهم لاستبدال عمامة الشيخ الترابي في وقت سابق، وهي نفس العبارة المتوقع أن يرددها صلاح كرار إذا ثبتت الواقعة.

بريق السلطة

على مقربة من ذلك يروى الأستاذ محجوب عروة معلومة تاريخية مشابهة، عروة وفي حوار صحفي قال: (هناك أناس كانوا معارضين للإنقاذ من أول يوم، ورغم ذلك أعطتهم الإنقاذ أموالا طائلة بمجرد أن دخلوا إليها) حديث محجوب يشير إلى بعض المايويين الذين قفزوا على متن سفينة الإنقاذ، وبينهم بالطبع أشخاص من توجهات أخرى، تعارف عليهم الناس تحت مسمى (المؤلفة قلوبهم) وهم الذين اندغموا في الإنقاذ بناءً على قانون التوالي الذي استحدثه الترابي.

بقى القول إن هنالك بيعا وبالضرورة هنالك شراء، أو يمكنك القول تنازل أو هجرات جماعية، قد يختلف الثمن من شخص إلى آخر، حسب أهمية الشخص وتعويل المؤتمر الوطني عليه، ولكنها ظاهرة ليست جديدة على العموم، يشتد أوانها في وقت يصعب فيه مقاومة شهوة السلطة.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. الان البترول 50 دولار للبرميل لو ارتفع وأصبح 51 دولار حكومة الحراميه السفلة حيزيدو البنزين وقولوا ليكم البترول ارتفع عالميا لازم نرفع الدعم