رأي ومقالات

د. ناهد قرناص: شاحنتين (دفارين ) يحملان مجموعة من (الحلل) والصواني المزينة وعلب العطور وكمية من الصناديق المزينة

لسعتني النسمات الباردة وانا أعود الى الشارع بعد طول غياب ..لا زال الشارع كما هو .وكانني لم أغب عنه ما يقارب الشهر او يزيد…ادم وهو منهمك في مزج عجين الطعمية والتجهيز لوقت الفطور قال تحيته المعتادة (كيف هاجة ام عبدالقادر)..عم حسن مرتديا فانلة البرد الثقيلة ويلف رأسه بشال من الصوف ..ألقى تحيته من خلف حجاب ..فقد كان الشال يغطي نصف وجهه…اطفال الروضة الانجليزية يتقافزون فرحين …طالبات الداخلية يقفن مجتمعات مع بعضهن في انتظار الترحيل …عندما وصلت الى الشارع الكبير ..كان المرور شبه متعطل وقبل ان أسأل عن السبب ..سمعت صوت موسيقى (القرب) من على البعد فتوقفت كما الكثيرين الذين اوقفهم حب الاستطلاع..قلت في نفسي (زفة المولد وانتهت ..وكذلك عيد الاستقلال ..ترى ماهو هذا الاحتفال)..لم تدم حيرتي طويلا ..فقد ظهر موكب لسيارات من نوعية الدفع الرباعي بداخلها مجموعة من نساء المجتمع المخملي (ظاهر لان مافي واحدة بتزغرد ..الزغاريد أصبحت مرتبطة بالناس اللوكال وكدا )…ومن الخلف شاحنتين (دفارين ) يحملان مجموعة من (الحلل) والصواني المزينة وعلب العطور وكمية من الصناديق المزينة ..لم اتعب كثيرا لاجزم بانه (فطور عريس كارب) ومن الدرجة الأولى..كان الموكب يسير متهاديا وسط أنغام موسيقى القرب التي تفاعل معها أغلب من يسير في الشارع فتوقفوا منتشين ومندهشين ..وكالعادة انشغل ذهني بالتفكير في طقس فطور العريس الذي كان مظهرا من مظاهر التكافل وحب المشاركة مع اهل العريس ..يرسله اهل العروس يوم الصبحية ملاح وعصيدة ولحمة وشعيرية ..فتشعب وتمدد وصار يحوي أصنافا لا تعد ولا تحصى واشكالا وانواعا مما لا يتسع المقال لحصرها..شيئا فشيئا صار أحد الهموم التي تضاف الى تلك الحلقة المفرغة التي ندور فيها والتي لا يستثنى منها متعلم او جاهل ..فالامر في الطقوس وبالذات طقوس الزواج تلغى فيه أي تفكير او درجة علمية ويصير الأمر سيان ..بل الأدهى والامر ان (الفشخرة والبوبار) تاتي من حملة العلم والدرجات العليا فينطبق علينا المثل بان (القلم ما بزيل بلم). وانا في غمرة تفكيري هذا ..واثناء مرور الموكب من امامي ..لفت نظري طفلين من أؤلئك الذين نطلق عليهم لفظ (الشماشة) وفي رواية اخرى وعندما نلبس نظارة المثقفاتية نسميهم (اطفال الشوارع)..كان الطفلان يرقصان بحرفية عالية رقصات (البريك دانس) على انغام الموسيقي …لا يهمهما احد ..يرقص احدهما ويقوم بعدة حركات ابداعية ..بينما يراقبه زميله الذي يتبادل معه الموقف ويرقص بعده..تركت كل شئ وطفقت أرقب حركاتهما الطفولية وضحكاتهما الجزلة في الهواء ..لم يؤثر فيهما البرد مع انهما كانا يرتديان اقل ما يمكن من الثياب البالية والممزقة .. حفاة الاقدام يرقصان بخفة وفرحة تحسدهم عليها ..كنت أضحك وانا أراقبهما واتساءل في نفسي ..ترى من أين تعلما تلك البراعة في الرقص؟؟ كذلك استغربت في تلك السعادة التي تبدو على ملامحهما رغم كل المعاناة التي يقاسيانها…المهم في الامر أنهما منحا يومي معالم تفاؤل وامتلات نفسي بالامل ..ورسما على وجهي ابتسامة واسعة ..اختفت بمجرد وصولي الى المعمل ..ليه؟؟لاني وجدت ان نظام الدخول صار بالبصمة منذ بداية العام الجديد…ولنظام الدخول بالبصمة قصة اخرى ..اما مسجل ادم فقد استمرأ عدم المواكبة فقد كان يغني مع البلابل (ياما طال مشواري ..بقى مشاوير )…وصباحكم خير

د. ناهد قرناص