حوارات ولقاءات

عميد الصحافة السودانية يطلقها داوية: الإنقاذ هي أسوأ نظام مرّ على تاريخ الصحافة السودانية

في عام 2004م نال الصحفي المخضرم محجوب محمد صالح جائزة القلم الذهبي من قبل الجمعية العالمية للصحف بباريس، وهي أرفع جائزة ينالها صحفي سوداني غير ان صدر محجوب مزين بكثير من الاوسمة والجوائز وهو الصحفي الملقب بـ”عميد الصحافة السودانية”
وهو مؤسس صحيفة “الأيام” ذات المدرسة المتفردة إلى جانب بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان .. عرف عنه مهنيته الصارمة صحفيا ، فصارت “الأيام” شامة في خد الصحافة السودانية ، فكان أن تأثرت بالتحولات السياسية في البلاد و ظلت الأيام تتعرض للإيقاف والإغلاق فأغلقت مرتين .. في الحكم العسكري الأول بمجموع ثلاثة أعوام.. ولأن الصحفي هو سياسي كذلك لا ينفصل عن قضايا مجتمعه ، فقد لعب محجوب أدوارا بارزة في السياسة السودانية ومنعطفاتها الكبرى مثل ثورة أكتوبر 1964 م حيث لعب فيها محجوب دورا كبيرا ، وفي عام 1969 م وقع انقلاب مايو بقيادة الرائد جعفر محمد نميري وتم تأميم الأيام في 1970 وابتعد مؤسسوها عنها وأعاد الاستاذ صحيفته بعد 1985 ثم انقطعت المسيرة بانقلاب 1989 م لتعود مرة أخرى عام 2000م ، وظل مشاركا على الدوام في الدفاع عن حرية الصحافة ، وما زالت زاويته بأخيرة الأيام تجد مقروئية عالية من قراء الصحف الذين يريدون معرفة رأي عميد الصحافة السودانية في كل قضية تقذف بها الساحة السياسية.

لماذا فصلت من الجامعة في نهايات الاربعينات من القرن المنصرم ؟
في يناير من العام 1947 دخلت إلى كلية الآداب .. كان ذلك في بداية إنشاء كلية الخرطوم العام 1948 وكنت نائبا لسكرتير اتحاد الكلية ، ثم في العام 1949 أصبحت السكرتير العام ، حينها قررنا إقامة مؤتمر يجمع كل طلاب السودان وكل المراحل الدراسية وحتى الجامعة ولأجل هذا دخلنا في مواجهات و صدام مع الحكومة البريطانية التي لم توافق على مثل هذا الأمر ، لأنها كانت تعتقد بأنه لا يمكن أن يكون هناك اتحاد يشمل هذه المراحل ، لذا قمنا بإضراب عام وحقق نجاحا كبيرا واستمر لمدة ثلاثة شهور .. تم فصلنا أنا ورئيس الاتحاد دكتور مصطفى ونائب رئيس الاتحاد دكتور الطاهر عبدالباسط ،
هل كانت هنالك أحزاب داخل مكونات الاتحاد ؟
كان هناك أحزاب.. القيادة الموجودة في1949 أغلبها من الحركة السودانية للتحرر الماركسي في بداياتهم أنا كنت عضوا فيه ، وكان هناك حزب الأشقاء الذي تحول لاحقا الى الاتحادي ،
من الذي نفخ فيك هذه الروح الثورية ؟
في ذلك الوقت الروح الثورية كانت موجودة في كل المواقع ، في الجزيرة بدأت حركة المزارعين العام 46 ، الحركة النقابية وإضراب العمال في عطبرة كان في 47 ، وكانت هناك حركات الاحزاب السياسية داخل المجتمع من العام 45 .
لماذا اخترت مجال الصحافة ؟
الصحافة السودانية في ذلك الوقت كانت المنبر الوحيد لصناعة الرأي وبعد امتلاك الصحافة لسودانيين في الأعوام 1917 و1918 و1918 ، لم يكن هناك نقابات ولا جمعيات ولا مجالس بلدية ، لذلك تعلق الناس بالصحافة ورأينا أنها المدخل للعمل العام لذلك كان من الطبيعي أن ادخل هذا العالم ، لأن قدراتي كانت تسمح بذلك .
من الذي شجعك على العمل الصحفي ؟
هذا سؤال كلاسيكي .. عندما فصلت من الجامعة كان من الممكن أن أعود الى الدراسة مرة أخرى في مصر، خاصة وأن الباب كان مفتوحا ، لكنني لم اذهب ، وكان لدي خيار أن أعمل بالتدريس ، إلا أن مصلحة المعارف والسكرتير الاداري رفضوا تعييني لأنهم يعتقدون أنني سوف أسبب لهم ( جوطة ) لذلك رأيت أن أعمل صحفيا .
كنت أول من سافر الى الجنوب وكنت تعد تقارير من هناك ، ؟
الجنوب في ذلك الوقت كان يحكم بسياسة المناطق المقفولة من العام 1922 ، وأنا ذهبت المرة الاولى في 1951 _1952 وكان الدخول بالتصديق من المفتش الانجليزي ولاتمنح تصديقا بالدخول إلا بهدف، وفوق هذا ينبغي ان يكون الهدف مقبولا .. الإنجليز كانوا يحاربون انتشار اللغة العربية والثقافة الاسلامية ، و استمر الوضع كذلك حتى العام 1947 ، في ذلك الحين لم يكن هناك إلا ثانوية واحدة هي كلية غوردون ، ولم يحدث أن دخلها طالب جنوبي منذ إنشائها مع أنها كانت تقبل الطلاب من كل أنحاء السودان شرقه وغربه وشماله . أول طالب جنوبي دخل غوردون كان في سنة 48 وذلك لرفع الحواجز و وحتى يتعامل الجنوبيون كجزء من السودان وليتم إشراكهم في العملية السياسية .. التقينا بأول جيل هناك منهم كليمنت أمبورو وكان وزير الداخلية في أكتوبر ، حيث كان باشكاتبا بالمديرية ، ثم تم انتدابه حتى يدرس علم الإدارة لمدة سنة واحده كما كان هناك أقري جادين قائد التمرد السابق ، في 46 كانت هناك مدرسة ثانويه واحده قسمها الانجليز إلى قسمين : وادي سيدنا وحنتوب ، وأعطي اسم كلية غردون الى المدارس العليا التى كانت تدرس الحقوق والآداب والعلوم والبيطرة والزراعة وكانت هناك كلية كتشنرالطبية التى دمجت مع كلية غوردون وسميت بكلية الخرطوم الجامعية التى تغيرت في العام 56 ، إلى جامعة الخرطوم
لماذا سافرت الى الجنوب ؟
ذهبت الى هناك لاقرأ الاوضاع .. الإنجليز كانوا يقولون للجنوبيين اننا لا نشبههم لا ثقافة ولا لغة ولا دينا ، وكذلك كان الانجليز يرددون هذا الأمر للشماليين ، عندما ذهبت الى الجنوب في المرة الاولى كان هناك حوار حول الدستور ، وسأعيدك للوراء قليلا .. في العام 43 اقام الانجليز المجلس الاستشاري لشمال السودان ، ولم يضموا فيه الجنوب إطلاقا ، لكن مؤتمر الخريجين اعلن المقاطعة ، والحركة الوطنية قررت المقاومة ، لذلك كان المجلس ضعيفا ولم ينجح بالنسبة للإنجليز ، فأقاموا مؤتمر إدارة السودان في العام 46 ، وكان مجلسا تشريعيا يضم الشمال والجنوب وأعطي المجلس التشريعي سلطات اكثر وعندما افتتح لاول مرة عام 48 كان به 13 جنوبيا وكان هناك في كلية الخرطوم الجامعية اربعة طلاب جنوبيين فقط ،
هل كان الجنوبيون يريدون الانفصال في ذلكم الوقت ؟
الجنوب لم يكن فيه حركة سياسية أصلا وإنما بدأ نشاطهم في عامي 47 و 48 . لم يكن هناك احزاب ولا جمعيات ولا غيره . صوت الإنجليز كان هو الأعلى ، وكانوا يغذون الجنوبيين بفكرة أن الشماليين لا يشبهونهم اطلاقا لا عرقا ولا ثقافة ولا دينا ولا لغة ، لكننا كنا في العام 52 نسمع من الجنوبيين انهم لا يريدون وحدة مع الشمال .
عاصرت ثلاثة أنظمة عسكرية ، بالنسبة للصحافة ، ما هو أسوأ نظام مر على تاريخها .
الإنقاذ هو أسوأ نظام مر على الصحافة السودانية وأسوأ حكم عسكري ،
بالرغم من زيارة علي عثمان لك في منزلك ؟
الحكاية ليست زيارات ولكن مواقف.. نميري تفادى الصحافة عندما قام بتأميمها .
تقول هذا لأنك كنت عضوا في لجنة التأميم ؟
انا لم أكن عضوا اطلاقا .. لقد صدر قرار من مجلس الثورة عبر لجنة سرية رفعت تقريرها عبر اناس معروفين .. انا استدعيت حتى أتولى رئاسة المؤسسة العامة للصحافة السودانية ، ورضيت بهذا حتى أعيد للناس حقوقهم .. هي مؤسسة الايام وكان على رأسها موسى المبارك ، ودار الصحافة وبها جمال محمد أحمد ، وعندما ترأست المؤسسة العامة للصحافة اعدت للناس حقوقهم أعطينا الصحفيين والعمال ، هناك من يستلم معاشات إلى تاريخ اللحظة .
هل اعطوك هذا المنصب حتى يرضوك ؟
لم اجلس به سوى 8 أشهر فقط ، ولم يكن هناك ما يغري في المنصب سوى أنني خدمت الصحفيين .
ونظام عبود .؟
عبود اصدر قرارين فقط بعد وصوله الى السلطة بشهرين .. القرار الأول أغلق الأيام بسبب مقال انتقدنا فيه تقديم السياسيين لمحكمة عسكرية وهاجمناها بعنف ، غضبت الحكومة واغلقت الصحيفة لمدة 5 شهور ثم عدنا في مايو 59 ثم أغلقت مره اخرى في 61 .. على أي حال هذا ما حدث أيام عبود ونميري أما هذه الحكومة الان فهي على استعداد لأن تخرج اربعين قرارا .
لماذا تراجعت الايام ؟
لأنها لا تمتلك الأموال والحكومة تحاصرنا الآن في سوق الاعلان
ألم يعوضك نميري ؟
أعطانا تعويضا ليس بقيمة الايام الحقيقية بدارها وأجهزتها واثاثها الضخم .. التعويض كان اقل من ذلك بكثير ، وقد كان بالسعر الدفتري ولذلك حتى عندما عادت الايام عادت ( تعبانة )
الم تحاول الدخول في شراكة ذكية ؟
الأسلوب الذي تنتهجه الانقاذ لا يدع الصحافة تستمر ولو كنت تملك مال قارون .
ألم تنضم إلى أي حزب سياسي ؟
لا يوجد حزب سياسي يناسبني .كنت في حركة التحرر الوطني الماركسية والجبهة المعادية للاستعمار التى تاسست في العام 56.. حاولنا إقامة حزب المؤتمر الاشتراكي ولكن لم ينجح .
أي فكر تحمل ، إذأً ؟
أنا اشتراكي ، من جيل لديه علاقة مع كل القوى السياسية .
لمن تقرأ يا استاذ محجوب عموما ؟
اقرأ كثيرا وفي مجالات شتى ، حوالي ثلاث أو أربع ساعات يوميا ، وأستفيد من الانترنت كثيرا .. أنت الآن تحدثني وقد كنت أقرأ مذكرات هنري كسنجر .
من هم السياسيون الذين يعجب بهم محجوب ؟
الحقيقة هم كثر ، ولكن اسماعيل الازهري رجل وصل مرحلة ليكون رجلا منتخبا ورئيسا بالاغلبية وقد كان شعار وادي النيل حينها الوحدة مع مصر ، ولكنه استجاب للضغوط مجتمعة فعكس توجهه إلى استقلال السودان ، كل مرحلة وبيئة لها أهلها ورجالها .
في الفكر السوداني ؟
عملية الفكر هذه مستمرة ومتجددة ، ولكن كل في مجاله ، قد يكون هناك مفكر أنا لا اعرفه ولكن في مجاله هو مفكر عظيم ، في الشعر مثلا هناك محمد المهدي مجذوب وهكذا .
كيف تزوج محجوب محمد صالح ؟
بالطريقة التقليدية بالاختيار من الداخل ، بمعنى الأسر والأصدقاء .. مجتمعنا كان تقليديا وقتها .. عندما دخلت إلى الجامعة في 47 لم يكن هناك سوى أربع طالبات فقط ، لم يكن لدي زميلات.. كنا نتعرف إلى المرأه داخل الأسر المجاورة ، عمري الآن 88 عاما ، كم هي المسافة إذاً..
هل أقمت حفل زفاف ؟
نعم وأحياه الفنان عبدالعزيزمحمد داود ، وحسن عطية .
هل تسمع لهم باستمرار ؟
انا شغوف بهم وبإبراهيم الكاشف ومحمد وردي والكابلي وإسماعيل حسن .
على ذكر وردي هناك من يقول إن أكتوبر لم تكن إلا مجموعة أهازيج واناشيد ؟
الذي يقول مثل هذا الحديث لم يدرس الواقع السوداني ، وليقرأ الكتب التى كتبت عن اكتوبر . المعارضة بدأت منذ اليوم الذي أعلن فيه عبود انقلابه .. حين اعتقل الزعماء الكبار ازهري وخليل وغيرهم ، الانصار قُــتلوا والعمال شرِّدوا ، فكيف تقول عن أكتوبر إنها مجموعة أهازيج؟

حوار / عطاف عبدالوهاب- التيار السودانية

‫3 تعليقات

  1. فعلاً عهد الإنقاذ أسوء عهد للصحافة، لأنو أطلقوا ليكم العنان وبقيتوا تكتبوا عن الأمن كمان. ويا حليل النميري ،

  2. [SIZE=6] الكثير من الصحفيين يستحقوا تلك الجائزة ولكن الذين منحوا له تلك الجائزة ايقنوا تماماً بأن محجوب يسير على هواءهم مثله ومثل نجيب محفوظ .. وهكذا هي معادلة العدالة الدولية ..

  3. اسوا تاريخ هذا ياعم محجوب .. سمح بإصدار سته وستين (صحيفة) حتى اصبحت الصحف كصفائح الطماطم في الموسم. وكثير منها لاطعم لها.. واصبحت الصحافة مهنة المهندس والطبيب و(الطبال).. فما ذنب الإنقاذ هنا؟