تحقيقات وتقارير

مولانا الصغير: موجة غضب عارمة تحاصر موكب السيد الحسن..ومع ذلك حرص على الذهاب إلى دار المؤتمر الوطني للحصول على نصيب أكبر لحزبه في الحكومة المُقبلة

[JUSTIFY]يوم الثلاثاء الماضي وفي تمام العاشرة ليلاً بتوقيت الخرطوم الشتوي، كانت سيارة السيد الحسن تنزلق في شوارع الخرطوم، يدلف السائق إلى حي المطار، وعلى وجه التحديد إلى مقر المؤتمر الوطني، يهبط الحسن لوحده وهو يرتدي جُبة الختمية وعمامة بيضاء ملفوفة بطريقة تكاد تغطي على قصره البائن، يغادر المشير البشير اجتماع المكتب القيادي مسرعاً ليلتقي بضيفه المهم، يجلس مولانا الصغير على يمين الرئيس وهو يفتر عن ثغر ضاحك، ثمة إشارة متفائلة ومهمة محددة بخلاف ما رشح للصحافة.. السيد الحسن يصغي ولا يكثر الحديث، ولا يكترث للأضواء، هو فقط يسعى للحصول على نصيب أكبر لحزبه في الحكومة المقبلة، عملية التفاوض لم تستغرق زمناً طويلاً، فيما لم يغلق المؤتمر الوطني الباب في وجهها بعبارة (يفتح الله)، ولكن على وجه الدقة لا أحد يستطيع أن يجزم إذ ما كان الاتحادي الأصل قد حصل على نسبة الـ(40%) كما يسعى ويتمنى.

أغنية الشراكة

في اليوم الثاني من اللقاء، كانت ثمة ثورة عارمة تشتعل في دوائر الحزب الاتحادي، أكثر من غضبة تجاه مواقف الميرغني الداعمة للمشاركة في الانتخابات، لم تجد تلك الحملة سوى صدر السيد الحسن لتفرغ فيها رصاصاتها.. أبو سبيب بكل رمزيته من جهة، وعلى السيد بكل ثوريته من جهة أخرى، والشباب في الجامعات، مجموعة أبو سبيب والتي تسعى إلى تكوين مكتب سياسي انتقالي هاجمت على وجه الخصوص محمد الحسن، وقالت: (إنه ظل يعمل على تهميش قيادات وجماهير الحزب ويتفاوض مع المؤتمر الوطني دون الرجوع إليهم) رغم أنها تعلم أنه صوت الوالد بلا ذبذبات.. البعض اعتبر أن مهندس الصفقة الأول هو السيد الحسن، تعزف خلفه جوقة من المقربين أغنية الشراكة المفضلة، من هنا إذن تمر العاصفة، على جنينة السيد علي، وعلى بيوت الخلفاء، فلا تبقى ولا تذر على ما تبقى من شتات الاتحاديين، وإن كانت محاولة الخروج على مولانا قد تنتج لهم الوجع واليتم.! بعض الشباب الغاضبين على موقف نظيرهم السيد الحسن شعروا بمدى العزلة الجماهيريّة التي يعيش فيها الكيان، وسخط الأغلبيّة الذي كاد يطوي (تبروقة) حزبهم العريق، فخرج أشهر قادة الاتحاديين في جامعة الخرطوم خلال الحقبة المنصرمة محمد الفكي سليمان (بهشتاق) موسوم بالعنوان (الميرغني لا يمثلني) ليردد من خلفه العشرات ذات القول. المشهد على العموم هو سرد وعرٌ ورواية غامضة ومفتوحة على الاحتمالات.

بورصة الأخبار

مجدداً صعد اسم السيد الحسن في بورصة الأخبار العاجلة، مكلفاً هذه المرة بمهمة لا تتسق مع مواقفه الجسورة، تحفظ للاتحاديين نصيبهم في السلطة، فلربما تغير هو أو تغير الإطار الذي ظل يحيط بصورته لسنوات خلت، نهض الشاب الأربعيني هذه المرة للقيام بمهمة التفاوض مع الوطني وبمعيته الأمير أحمد سعد.. المفارقة أن الحسن من صقور الحزب وقد ظل يتحصن بمواقف سابقة رافضة للشراكة ومنادية ـ على الدوام ـ بإسقاط النظام، لا أحد حتى الآن يعلم الكثير عن اختيار السيد الحسن بالتحديد للقيام بمهمة الحوار مع المؤتمر الوطني عوضاً عن المكتب القيادي في غياب مولانا، وإن كثرت الأقاويل في لعب الرجل لدور جديد خلال المرحلة المقبلة، ومحاولة الإمساك بكل الخيوط التي كان يمسك بها الخلفاء ووزراء الحزب في الحكومة، ولربما أيضاً يريدونه أن ينضج في المنتصف، محاطاً بالنقد والنيران الهادئة.. بعد لقاء السيد بالرئيس البشير أرهفت المدينة مسامعها للروايات والقراءات، ثمة من يزعم أن مولانا دفع بأحد فلذات كبده المناوئين للمشاركة مرة أخرى ليوحي بالموقف النهائي ويرسل رسائله للجماهير الاتحادية.. وثمة من يمضي على رسل معان أخرى وهى أن ما سيوافق عليه الابن غير قابل للنقاش، لكن المؤكد من وراء ذلك أن اللقاء وما ستتمخض عنه من تفاهمات هو تصدر السيد الحسن بورصة الأخبار كرسول أمين ومفاوض شرس، وبالضرورة خليفة محتمل، بعيد أن تيقن الناس أن شقيقه المساعد جعفر الصادق على أضعف ما يكون.

المستر “ساترويت”

الجوقة التي تعزف الآن لنجل مولانا الميرغني ذي المواقف الصاخبة وهو يدنو من حزب الشجرة تستعيد حكاية أجاثا كريستي (المستر ساترويت) ذلك الرجل المتمرد على كل شيء يضفي على تصوراته للحياة صرامة العمر، جاف العود محني القامة بعض الشيء، ينم وجهه عن فضول شديد، واهتمام بالغ بما تنطوي عليه حياة الناس من أسرار، عاش حياته كلها في الصف الأمامي يرقب ما يجري على مسرح الحياة ويشاهد الطبائع البشرية وهي تتكشف أمام عينيه، لكنه الآن وهو في سن ناضجة وجد نفسه شديد الميل للتخلي عن دور المشاهد والاشتراك في مسرحية الحياة نفسها، وكذا الحال مع محمد الحسن.. اليوم وجد نفسه شديد الميل للتخلي عن مواقفه القديمة، موطئاً كنفه للصوت العالي، محمولاً على أعتاب مرحلة جديدة يطغى على وتيرتها صدى الأمر الواقع، ليكن مولانا الصغير، المثير للجدل، المفرط في الهدوء، صورة لسياسي يقدر الأمور وفقاً لتصاريف الحياة، ينسل من ركام أحلام الاتحاديين وهو أقرب سمتاً لمن يفكرون بصوت عالٍ.

المهندس المكير

ثمة رجل قصير ومكير بمواصفات براغماتية، شديد الانزواء، كثيف الغموض، مقل في الظهور، لا يميل للأضواء على شاكلة الساسة الذين يصنعون من اللا شيء أعراساً لا تنطفئ ثرياتها.. هو محمد الحسن محمد عثمان الميرغني، الابن الثاني لمولانا، متزوج من كريمة السيد محمد سر الختم بسنكات ولديه أطفال، درس هندسة الكمبيوتر في الولايات المتحدة الأمريكية، يعشق لقب المهندس أكثر من السيد لدواع تجديدية، عاش في أمريكا ردحاً من الزمن وهو ينام ويصحو على مخدات الطرب، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، يمتلك بعض الشركات الهندسية ويشرف عليها بشكل مباشر، ﺭﻓﻴقه ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺍﻟﻤطبق ﻭﺫﺍﻛﺮﺓ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺃﺛﻘﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﻴﺘﺔ، يعرف كيف يلامس أحلام الشباب الثائرة. تماما كما يلامس حروف (الكيبورد) الذي يتقنه، في ثنايا هذا الغبار يتصاعد صوته كلما هبط مطار الخرطوم وهو يحث قومه على الصحوة ويجمع أوراقا مبعثرة للمؤتمر العام الذي تطاول عليه الأمد بوصفه نائب رئيس اللجنة التحضيرية.. والآن هاهو يرتدي جبة والده، ويتحرك في كل الجبهات، في مواجهة العواصف، ليس محض ابن ضمن الأبناء فحسب لكنه خليفة محتمل أكثر حداثة ووعي بتصاريف الأمور.

عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي
ي.ع
[/JUSTIFY]

‫3 تعليقات

  1. هؤلا كلهم مصلحجية ومهادنتهم ومسانتدهم لهزا النظام الفاشي رغم انهم والله يعلمون علم اليغين انه افسد نظام عبر التارخ السوداني لكن مصلحتهم الشخصية اهم و اغلي من ضياع الوطن هم والسيد الصادق سواء يدعون الوطنية و افعالهم واطية . اخيرا من ينتظر خيرا او وطنية من هؤلا علية الانتظار طويلا وطويلا جدا لكن والله للسودان رجال