معتز صديق الحسن : رسوم مغادرة للعقول
* ما أن تشرق شمس يوم جديد؛ إلاّ وهى -تكاد-تميل بشمس الجامعات السودانية نحو الغروب، والأفول؛ حيث أنها تخسر المزيد من الأساتذة أصحاب الدرجات العلمية الرفيعة، والمستويات العالية من القدرات، والخبرات الأكاديمية. المضطرون للهجرة بسبب استضعاف الحاجة، وتحسين الحال، وعدم الرضا بأوضاع البيئة الجامعية؛ ليمتثلوا قول الله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).
* فهاجر من هاجر منهم وهم ولا يلوون على وطن، وإن كانوا يتمنون تطوره وتقدمه، لكن تظل (ساقية) الهجرة ( لسة مدورة )؛ بينما المخلّفون من الأساتذة من مجاهدة الإغتراب هم أصحاب أعذار بينة من الخروج، وأقعدتهم الظروف الماثلة فى أنه ليس على المريض حرج، ولا على صاحب الأبناء المراهقين حرج، ولا على صاحب والد مسن أحدهما أو كلاهما حرج؛ لأنه فيه أو فيهما فهو يجاهد.
* وتتبدى هذه الهجرة المرة و(الحلوة) فى آنٍ واحدٍ وذات المعدلات العالية فى كل الكليات بالجامعات الأخرى و(كليتنا) تودع خلال العام الفائت والحالى من كل الأقسام بلا استثناء (أحد عشر كوكباً)؛ بينما بقية الكواكب بكل الجامعات -هذا غير (الشموس والأقمار)- تنتظر جميعها حظها وهى مصطفة بأوراقها، و(ايميلاتها)، واتصالاتها المتواصلة مع أصحاب وكالات الهجرة، وتتمنى دفع ضمانات حريتها، وسعة يدها، وتحقيق أحلامها؛ حالما تدفع رسوم مغادرة الوطن.
* والمجاهدة من المصطفين للهجرة بطلبات مقبولة؛ وتأشيرات مؤجلة تذهب بعيداً إلى درجة الإختيار برضا كامل مع سبق الاصرار والترصد للمخاطرة بالنفس؛ حيث أن بعض الدول تعيش حروباً، وتفقد نعمة (وآمنهم من خوف) ولا يهمهم ذلك؛ بل يودون الذهاب اليها اليوم قبل الغد؛ طالما سوف يجنون منها المال؛ الذى كاد أن يطلب عندهم تحقيقاً لنعمة الله (وأطعمهم من جوع). نسأل الله أن يجمع لنا فى كل بلاد المسلمين نعمتي الإطعام، والأمن.
* وتأكيداً لهذا الوضع المادى المتعسر وجاعل (المضطر يركب الصعب) فدوننا ما نشرته الصحف أن مديرين من جامعات الخرطوم اشتريا أضحيتهما عبر (التقسيط). فما بالكم بكيفية شراء أضاحى بقية أعضاء هيئة التدريس، والموظفين، والعمال فى كل المؤسسات الحكومية المختلفة ويبقى الأصح -من المديرين وغير المديرين- اسقاطها من حساباتهم المحسوبة سلفاً على السلفيات فهى عبادة استطاعة للديان، لا طاعة عادة للمجتمع.
* والأستاذ الجامعي ومن يكن على رأس إدارته وقيادته فهذا حاله ووضعه المادى إذاً لا عجب مرض وسقم الانتاج العلمى بل العجب عافيته وصحته كما أنه وقبل الهجرة لهذه الكفاءات المتميزة تصنف جامعاتنا وفقاً للمقاييس والمعايير العالمية فى المراكز الدنيا مما تزيد -أى الهجرة (الطين التصنيفي بلة)؛ هذا غير زيادة التدهور للمستويات الأكاديمية المتردية، والنطيحة، والمنخنقة أصلاً.
* ووصية خالصة لوجه الله تعالى لمن سبق عليه الكتاب بأن يهاجر والمنتظرون لها لأى دولة كانت فلتكن فى المقام الأول -وفوق ما يريده- هجرة إلى الله ورسوله بغرض نشر العلم لأن من كانت هجرته فقط لدنيا يصيبها، أو وظيفة مرموقة يتقلدها، أو سياحة يرجوها وينشدها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. وإنما الأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى.
معتز صديق الحسن[/JUSTIFY]