تحقيقات وتقارير

الشبكة طاشة.. منهم من تجاوزت معاناته الثلاثة أسابيع وبعضهم عاد من حيث أتى..مواطنون يؤكدون أنهم منتظرون لأيام وإدارة الجوازات تؤكد: خطوات استلام واستخراج الجواز تسير بطريقة طبيعية


 الشكاوى تلو الشكاوى بلغتنا في (اليوم التالي)، طرفها مواطنون يحكون فيها معاناتهم مع استخراج الجواز الإلكتروني، كالعادة شرعنا في التحقيق في الأمر وتوجهنا إلى مراكز استخراج الجواز، تأكدت لنا حقائق وتكشفت أخرى جديدة.. ولكن كانت هنالك مفاجأة في انتظارنا وهي ما بدا لنا عندما شرعنا في استكمال التحقيق من الجهات الرسمية أي وزارة الداخلية.. والمفاجأة تمثلت في التضارب الكبير بين الحقيقة التي تلمسناها من الواقع وبين التصريحات الرسمية التي حصلنا عليها.. في ما يتعلق بالواقع كانت جولتنا في مركز العلاقات البينية بالحديقة الدولية الذي يفترض أن يقدم خدمات أسرع وأسهل للمواطنين وجهاز شؤون العاملين بالخارج ومركز استخراج الجواز بولاية البحر الأحمر.. المشهد كالآتي: أعداد كبيرة من المواطنين المتكدسين في صالة المراكز بعضهم يقف في صف طويل علمنا أنهم في بداية سكة استخراج الجواز.. آخرون كانوا وقوفا وجلوسا على المقاعد المتوفرة في الصالة تبين أنهم من يعيشون المعاناة فعليا ولكن بدرجات متفاوته وهم في انتظار أن يتسلموا جوازاتهم أو يباشروا إجراءات استخراج الجواز.. في هذا التحقيق سنعرض حال هؤلاء وإفاداتهم ثم سنورد تصريحات مدير إدارة الإدارة العامة للجوازات والهجرة أحمد عطا المنان وإفادته التي كان مجملها أن الأمور (عال العال) ولا توجد مشكلة أصلا.

** في مدخل العلاقات البينية وقفت سيدة تحمل طفلها يبدو عليها الحيرة والتعب قدمنا لها أنفسنا بأننا نعمل على ظروف استخراج الجواز الإلكتروني.. تهللت أساريرها لأنها (وجدت أخيرا من تحكي له معاناتها) على حد تعبيرها ـ قالت: اسمي رندا صلاح ولثلاثة أسابيع فائتة وأنا أتردد على مكتب الجوازات غرضي استخراج جواز لطفلي الصغير بغية اللحاق بوالده المقيم خارج السودان.. ومضت قائلة: (المشكلة هنا تتعلق بأمرين عدم توجيه المواطنين التوجيه الصحيح والمشاكل الفنية المتعلقة باستخراج الجواز) وبعد أن حكت أنها ترددت أكثر من مرة على مكتب الجوازات لاستكمال الأوراق وإحضار شاهد ويجب أن يكون عما للطفل بدأت معاناتها مع الإشكالات الفنية وقالت: (في أول الأمر مضت الإجراءات بيسر بعد أن أكملت المستندات وأحضرت الشاهد ولكن بعد ذلك لم أتمكن من إدخال المعلومات والبيانات بسبب أن الشبكة طاشة ثم بعد أن ترددت على المركز أكثر من مرة تمكنت من إكمال الإجراءات وقالوا لي تعالي بعد أسبوع للاستلام وهذا الموعد كان قبل عشرة أيام وحتى اليوم لم أستلم الجواز وقالوا بسبب المصنع وأكملت ثلاثة أسابيع اليوم).

* الشبكة طاشة

الشاهد الثاني ـ ولو شئت الضحية ـ كان طالبا يدرس في ماليزيا اسمه مهدي إبراهيم وباستهجان شديد كان يتحدث لـ(اليوم التالي) وقال: (كاد الأمر يبلغ الشهر وكل يوم هنالك عذر جديد وبعد أن كرهنا عذر الشبكة طاشة نسمع بأن الجوازات لم تأت من المصنع).. سلناه مباشرة: كم من الزمن وأنت على هذه الحال؟ قال: اليوم بالضبط اكملت ثلاثة أسابيع وأنا انتظر..

في انتظار البداية

الشواهد السابقة كانت لمن هم في انتظار استلام الجواز.. ولكن هنالك من هم في انتظار بدء الإجراءات وأمضوا ثلاثة أيام منتظرين أن تتحسن الشبكة وحلمهم أن يقفوا في صف انتظار استلام الجواز.. المواطن (محمد علي) من أهالي الجزيرة حضر للخرطوم مؤملا في استخراج الجواز الإلكتروني بأسرع مما عندهم في الجزيرة، وقال: (في الجزيرة يقولون إنهم لم يستلموها من المصنع لذا حضرنا هنا) ثم يمضي محمد قائلا: (ثلاثة أيام ونحن ننتظر تحسن الشبكة الطاشة لنبدأ إجراءات استخراج الجواز ولكنها لا تزال طاشة حتى اليوم).

 بعض الذين استنطقتهم (اليوم التالي) قالوا إن هنالك عددا من ضعاف النفوس يمشون بين المنتظرين بأنهم يمكن أن يسهلوا لهم استخراج الجواز ويتحصلوا على أموال تصل إلى (100) جنيه.. سألناهم: وهل يتمكنون فعلا من تسهيل استخراج الجواز بعد أن يدفع لهم؟ تضاربت الإجابات، بعضهم قال إن هنالك من تسهل أموره وبعضهم نفى ذلك وكثيرون قالوا إنهم لا يعلمون بهذا الأمر.

مصالح الناس

مصدر من جهاز شؤون العاملين بالخارج فضل حجب اسمه قال لـ(اليوم التالي): الجواز الإلكتروني بات يتسبب لنا في مشاكل كبيرة بسبب الأعطاب الفنية التي تعتوره من حين للآخر، وأضاف: (الزحام هذه الأيام بسبب الشبكة ومشكلات تتعلق بالمصنع) وقال مستدركا: (هذا ما نسمعه ولكن لا يوجد رد رسمي على ما يحدث) وأفاد بأنهم في جهاز المغتربين لديهم مواطنون منتظرون لأكثر من عشرة أيام لاستلام الجواز.

المواطن (عمر محمد الصديق) ليس ببعيد عن ذات المعاناة، أدركناه بأحد المراكز ويبدو عليه الإرهاق والتعب فهو يأتي يوميا لمدة اربعة أيام منذ الخامسة صباحا وأخيرا سحب الأورنيك وبدأ إجراءاته ولكنها توقفت بسبب البصمة والصورة لعطل في الشبكة، وقال عمر لـ(اليوم التالي) إن المكان غير مهيأ، وإن تأخير استخراج الجواز أدى إلى تأخير إقامته وتعطيل مصالحه، مشيرا إلى أن مصالح كثير من الناس تعطلت، ويرى عمر أن حجة تعطل الشبكة هي حجة لكي (يزوغ) أصحاب الشأن من أداء مهامهم.

* رشوة ومحسوبية

بعض المواطنين تذمروا من ظاهرة المحسوبية، مشيرين إلى أن بعض المواطنين تسلم لهم جوازاتهم بسرعة خلاف الآخرين متهمين بعض ضعاف النفوس بتسلم أموال (رشى)، كما أفاد بعضهم بأن من لهم معارف وواسطات أيضا تستخرج لهم جوازات قبل الآخرين.. غير أن (اليوم التالي) خلال بحثها وتقصيها عن هذه الظواهر لم تتمكن من ضبط حالة أو العثور على ما يفيد بذلك كما لم يتمكن واحد من المواطنين الذين اشتكوا إثبات هذا الادعاء.

مركزية الطباعة

الولايات بجانب ما تعانيه مراكز استخراج الجوازات في الخرطوم من ضعف في الشبكات وتأخر استلام الجواز من المصنع، تعاني مشكلة خاصة وهي مشكلة مركزية طباعة الجواز.. مصدر من ولاية البحر الأحمر يعمل في مركز جوازات ببورتسودان وبعد أن أكد على وجود مشكلة في استخراج الجواز يرى أنه من المشاكل الأساسية التي تعاني منها مراكز الجوازات تعطل الشبكة بين الحين والآخر بجانب مركزية طباعة الجوازات التي هي السبب الأساسي في تأخير استلام الجوازات في الولايات وأيضا وجود مشاكل في التجديد حيث تعقدت إجراءات التجديد وتغيير المهنة، وأضاف خلال حديثه لـ(اليوم التالي) أن عطل ماكينة الطباعة يشكل هاجسا كبيرا بجانب ارتفاع سعرها حيث تبلغ سعر الماكينة حوالي سبعة ملايين جنيه ولكن الحسنة الوحيدة هي عدم تزوير الجواز الإلكتروني.

سؤال مباشر

بعد هذا السؤال أو الإجابة عليه سنورد إفادات مدير إدارة الجوازات.. والسؤال البسيط والمباشر الذي توجهنا به للجالسين خلف زجاج الشباك الذي كتب عليه (الاستلام) في كم يمكن أن نستلم الجواز؟..

كان الرد: (اليومين دي في مشاكل في الشبكة) أعدنا السؤال بذات المباشرة والبساطة – بالمناسبة سألنا كمواطنين دون الحاجة لإبراز الهوية الصحفية – قالت (في العادة في أسبوع، لكن اليومين دي في مشاكل) ما يهمنا من هذه الاجابة (في أسبوع)..

اللواء أحمد: نعم لكنها فردية

كل ما شاهدناه وسمعناه من المواطنين نقلناه لإدارة الجوازات وتحديدا مدير الإدارة اللواء أحمد عطا المنان.. قلنا له إن المشكلة التي تتحجج بها مراكز استخراج الجواز لتأخير التسليم أو الإجراءات دائما ما تكون الشبكة (طاشة أو الشبكة ضعيفة وعدم استلام الجوازات من المصنع) أقر بذلك وقال إن الشبكات التي تستخدمها المراكز وتربطها ببعضها البعض تعتورها مشاكل، غير أنه نسب ذلك للماضي وقال: (صحيح في السابق كانت بها مشاكل وأعطال تقنية ولكن الآن لا توجد بها مشاكل) وقلل اللواء أحمد من حجم المشكلة موضحا أن هنالك مشاكل في البصمة ولكنها لحالات فردية ولكبار السن.. وعندما سألناه عن سبب تأخر استلام الجوازات هذه الأيام، قال إن خطوات استلام الجوازات واستخراجها تسير بطريقة طبيعية ولا توجد مشاكل في ذلك.. توجهنا إليه بذات السؤال المباشر (كم يستغرق استخراج الجواز الإلكتروني) قال: (72 ساعة ونسعى لأن يكون 48 ساعة فقط) مشيرا إلى أن المصنع الذي يقوم بطباعة الجواز الإلكتروني يتبع لوزارة الداخلية، غير أن الشركة التي تقوم بتنفيذ العمل والمسؤولة عنه هي شركة (مول بور) الألمانية كما أن هناك شركة ألمانية أخرى تعمل كاستشاري.

عفوا: إنه موسم الحج

يكاد هذا العذر يتكرر كل عام حينما يتكدس الناس ويشتكون من تأخير استلام الجوازات، حيث تقول الجهات المسؤولة (السبب هو موسم الحج والعمرة) وفي بعض الأحيان تعترف بأن هنالك عطلا في الشبكة ولكنها تستدرك وتقول: (لكن تم إصلاحها) هذه المرة حينما سعينا للحصول على إجابة حصلنا على الاجابة القديمة.. مصدر شرطي بأحد المراكز فضل حجب اسمه أرجع سبب الازدحام في مكاتب استخراج الجواز الإلكتروني لتداخل المواسم من الحج وعودة المغتربين وسفر طلاب الدراسة وقال لـ(اليوم التالي): يمكن معالجة ذلك بزيادة ساعات العمل في مكاتب خدمة استخراج الجواز بجانب زيادة عدد المراكز وإضافة وحدات متحركة للمساعدة في تقليل الازدحام على أن توزع على حسب الكثافة السكانية وحسب الفئات المستهدفة ومضى قائلا: (الزحام هذه الأيام يعود لقرب موسم الحج والعمرة والطلاب الذين يدرسون في الخارج وأعطال في الشبكة ولكن تم إصلاحها) وسبق وأن قال اللواء أحمد عطا المنان نفسه في حوار مع الزميلة (السوداني) في (2012): (نعم توقف الجواز لأكثر من مرة في الفترة السابقة، ولكن كان ذلك بموجب توجيهات الشركة المنفذة والتي تطلب إيقاف إصدار الجواز الإلكتروني بغرض إجراء بعض التعديلات عليه وهذه آخر مرة يتوقف فيها الجواز الإلكتروني ولن يتوقف بعد الآن خاصة وأن كل التعديلات والمعالجات قد اكتمل إجراؤها على الجواز الإلكتروني الذي أصبح مطابقاً لكل المواصفات العالمية كما أنه ليست هنالك أي صعوبات تواجه الجواز الإلكتروني وما تشهده مراكز الخدمة من اكتظاظ بالجمهور يعزى إلى أن هذه الفترة تعتبر موسماً للحج والعمرة وعودة المغتربين بجانب فترة توقف استخراج الجواز التي أسهمت في زيادة أعداد طالبي الجواز).

أين الحقيقة؟

المواطنون الذين تحدثوا لليوم التالي أكدوا أنهم منتظرون لأيام استلام جوازاتهم.. بعضهم تجاوزت معاناته الثلاثة أسابيع، بعضهم عاد من حيث أتى ليبدأ رحلة جديدة لاستخراج الجواز في ولايته عندما وجد الحال في العاصمة الخرطوم لا يختلف عن ما يتكبده هناك.. الإجابات والتبريرات التي كانوا يسمعونها لا تخرج عن (الشبكة طاشة) و(الشبكة ضعيفة) و(الجوازات ما جات من المصنع).. الجهات الرسمية أكدت أن الأمور (تمام التمام).. رغم أنها تعترف بالأزمة و(لكن في السابق فقط) وغدا نلتقي في مراكز استخراج الجوازات.

عرفة وداعة – تنزيل عبد المنعم: صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. عندنا نفس المشكلة في السفارة في الرياض، مشينا مرتين مع الأولاد من الدمام إلي الرياض- مسافة 400 كيلومتر- لاستخراج الرقم الوطني ومن ثم الجواز الإلكتروني ورجعنا بخفي حنين. زحمة ويقول ليك لازم تجيء الساعة 7 صباحا عشان تستلم استمارة الرقم الوطني وفي اليوم يوزعون فقط حوالي 120 استمارة. والله العظيم فضيحة.