إذا كان هنالك من يهتم! أطفال السرطان.. يا دار هل دخلك شر
تبدو الفكرة بسيطة، لكنها ما تلبث أن تصبح عظيمة، لجهة الخدمة الكبيرة التي تقدمها لأطفال قدرهم أن يبدأون حياتهم مع مرض السرطان وهم لا يزالون مثل نبت الربيع
منظمة (بسمات) رأت أن تؤسس داراً لإيواء الأطفال المصابين بالداء الخبيث، ومعلوم أن مراحل مداواة السرطان هي في حد ذاتها معاناة بكامل تفاصيلها النفسية والجسدية والمادية. ومن تصاريف القدر أن معظم الأطفال المصابين بالسرطان من أسر فقيرة تقطن في الولايات، لذا كانت فكرة دار (بسمات) ملاذاً للكثيرين منهم، الذين تستقبلهم الدار بعد أن تطول بهم رحلة العلاج.
(اليوم التالي) زارت الدار بالصحافة شرق ووقفت على حالها، فإلى التفاصيل:
إيواء.. ترحيل وغذاء
ما أن تدخلها حتى ترى بوضوح كافة أوجه المعاناة وآثار المرض (اللعين) بادية على عيون الأطفال، بينما تعلو وجوه أسرهم خيوط من الألم تتقطع له نياط القلوب، يضاعف منه ألم من نوع آخر، ألم رحلة العلاج الشاقة والمضنية والطويلة وألم القلق والتوتر على مصير صغارهم. ستجد هنا، في هذا الدار عنابر طويلة اصطفت فيها الأسرة صفوفاً طويلة، كما خُصص أحد العنابر للمرضى الذين يصحبهم مرافقون رجال، وآخر للمرضى مع مرافقات نساء.
هناك قابلنا الأمين العام لمنظمة (بسمات)، نزار عباس الذي قال: أسسنا الدار كاستراحة لإيواء الأطفال المصابين بالسرطان، وكان ذلك مهماً جداً، إذ أن علاج السرطان يكاد يكون مركزيا ولا توجد مراكز له في الولايات، وكان معظم الأفراد الذين يرافقون المرضى (رجالا ونساءً) يتخذون من الأشجار خارج مستشفى الذرة بالخرطوم مأوى ًلهم، لذا فكرنا في تأسيس هذا الدار حفظاً لكرامتهم، وأملاً أن يسهم في علاج الأطفال المصابين بالمرض، وأضاف: يتسع الدار لـ(56) طفلاً نجتهد في توفير الغذاء لهم ولمرافقيهم بجانب الترحيل والمساهمة في الفحوصات والعلاج.
من سنار.. منذ عيد الأضحى
من داخل السكن بالمنظمة التقينا بالشفاء والدة الطفلة (عابدة عثمان) والتي قالت لنا: إنهم جاءوا من سنار منذ عيد الأضحى ونزلوا في سكن المنظمة بعد أن أبلغتهم به المستشفى، وأضافت: ليس لدينا أهل في الخرطوم وأقمنا ما يربو عن (4) أشهر في سكن المنظمة، وهي توفر لنا الطعام وكل احتياجاتنا الأخرى.
روشتات على “فيس بوك”
من جهته كشف نزار، الأمين العام للدار، أن جميع مرتادي الدار من الولايات ودائما ما يأتون بعد أن يتمكن المرض منهم ويصلون إلى مراحل متأخرة منه، وأردف: جراء ذلك كثيرا ما تحدث وفيات خاصة وسط الأطفال. وعن مساهمتهم في العلاج قال: الفحوصات الروتينية للأطفال في مستشفى الذرة تكلف ما بين 80 إلى 85 جنيها، لكن العلاج مكلف جداً ولذلك نستعين بالخيرين ونقوم بنشر الروشتة في صفحاتنا على (فيس بوك وتويتير)، وفي الغالب تأتي التبرعات من الخيرين.
وهذا ما ذهبت إليه (مقبولة) جدة الطفلة مريم ذات الـ(5) سنوات، إذ قالت: إنها أحضرت الطفلة التي تعاني من سرطان الدم إلى الدار منذ أغسطس من العام المنصرم، وأردفت: المنظمة وفرت لنا السكن والعلاج وهي تقدم كل ما تستطيع، وقد وفرت لنا حتى تذاكر السفر إلى الفاشر ذهابا وإيابا.
أين الرعاية الاجتماعية؟
إلى ذلك، علمت اليوم التالي أن الدار مستأجرة وأن صاحب المنزل تنازل عن كثير من حقوقه في الإيجار لجهة أن العقار مستغل لعمل خيري، ولكن المفارقة الغريبة أن المحلية تطارد القائمين على أمر المنظمة – بحسب إفادتهم – بسبب ما تسميه متأخرات تتعلق بالعتب والعوائد، قالت لهم إنها بلغت (8) آلاف جنيه. وأشار نزار، الأمين العام لمنظمة (بسمات)، حينما سألناه عن الجهات الداعمة لهم، إلى أنهم يعتمدون على الخيرين، وأردف: المنظمة التي أسسها شباب تتكفل بغذاء الأطفال وأنهم يبذلون جهدا جبارا في سبيل ذلك، واستطرد: أما منظمة أروقة فهي صديقة للدار وتقوم بإحياء أيام ترفيهية للأطفال. وعن دعم وزارة الرعاية الاجتماعية لهم، كشف أن كافة الجهات ذات الصلة لم تكلف نفسها حتى ولو بزيارة خاطفة إلى الدار، ناهيك عن الدعم، وأردف: ناشدنا معتمد الخرطوم التدخل لحل مشكلة مطالبات المحلية، لكننا لم نجد منه رداً، رغم أننا نؤدي دوراً كبيراً في ظل غياب أي دعم حكومي لنا.
الأطراف الصناعية ملائمة
مشهد شديد القسوة، أطفالا بترت أطرافهم بسبب المرض الخبيث، فالطفل المرح المضحاك محمد ذو الـ(12) سنة يعاني سرطان الدم ما أدى إلى بتر إحدى قدميه، رغم ذلك تحدث إلينا مبتسماً وهو يقول: (أنا قاعد مع ناس المنظمة لي سنة، أبي يسافر إلى الجنينة ويتركني هنا مع ناس المنظمة).
أما الطفلة (بترت رجلها) أيضاً، فتحدثت عنها أمها قائلة: (بترت رجلها بسبب المرض ومنذ (4) أشهر ونحن ننتظر أن نتسلم رجلا اصطناعية لكن حتى الآن لم نتسلمها من الأطراف الاصطناعية)، ويواصل أستاذ نزار حديثه: ويقول لدينا طفلان أحمد وعمره (11) سنة، والشفاء (12) سنة، يعانيان من سرطان الدم وبترت رجليهما وحتى الآن لم يحصلان على أطراف اصطناعية من قبل الهيئة القومية للأطراف الصناعية والتعويضية التي ظلت توعدهم لشهور دون أن تفي وعدها.
إلى أهل الخير
إلى ذلك، فإن عددا محدودا من الشباب ربما لا يتجاوز عددهم الـ(10) استطاعوا أن يقدموا خدمة عظيمة لأناس في ظروف بالغة الحرج والتعقيد، أطفال البراءة في أعينهم مشوبة بالمرض الداهم وبالألم المبكر.. الدولة بوزاراتها وموظفيها لم تكلف نفسها زيارة، ولم تقدم لهم مثقال حبة خردل.. المنظمة لا تملك داراً ولا جهاز كمبيوتر، كل العمل يتم من داخل الدار نفسها وعبر أجهزة محمولة تخص القائمين على العمل أنفسهم.. والأمر كله محصور في وجبة لطفل منهك بعد جرعة العلاج الكيميائي ودار يأوي إليه ما تيسر في رحلة العلاج الصعبة.
اليوم التالي