في رواية الشيخين..!!
لا أدري لماذا تذكرتُ حكمة البصيرة أم حمد، بعد أن استمعت إلى خطبة الشيخ كمال رزق، عن غابة السنط.. ولمن فاتهم الاستماع أن القوم لجأوا إلى هذه البصيرة بعد أن أدخل ثور رأسه في زير، وفي رواية أخرى بُرمة.. البصيرة نصحت قومها أن يقطعوا رأس الثور.. بعد إنفاذ النصيحة مازالت المشكلة قائمة.. فعاد القوم ورأس ثورهم في الزير.. حكَّت البصيرة أم حمد رأسها وأفتت بكسر الزير.. مات الثور وتحطم الزير ومازالت البصيرة تحتفظ باللقب.
مولانا كمال بعد أن سمع وقرأ الممارسات السالبة في غابة السنط، طالب السلطات بإزالة الغابة وتحويلها إلى حديقة عامة ذات أشجار مثمرة.. استدرك الشيخ أن الغابة تعتبر محمية طبيعية تحمي بيئتنا الملوثة رغم هذه المعرفة طالب مولانا بتجاوز مصلحة الغابات.
هنا يستحضرني أمر مهم وهو كتابة بعض الأئمة والشيوخ وصفات جاهزة لمعالجة المشكلات.. في غابة السنط فئة خرجت عن الوجدان السليم وانحرفت عن المسار القويم.. إزالة الغابة لا يجعل هؤلاء يكفون عن المنكرات.. بل أغلب الظن أن الجماعة سيبحثون عن ملاذات آمنة محمية بجدر عالية.. الأمر الثاني أن اقتراح مولانا الهندسي المفضي إلى حديقة مثمرة غير قابل للتحقق في الغابة هذه.. أرض السنط تغمرها مياه الفيضان لبضعة أشهر.. لا يقاوم هذا الغمر المائي إلا أشجار السنط.. بالطبع الحل الآخر يعني ردميات تجعل النهر يفقد صوابه.
إذا كان مولانا كمال قد اهتم بغابة، فشيخ آخر انصب اهتمامه بشجرة المؤتمر الوطني.. مولانا عصام أحمد البشير، أوضح في خطبة الجمعة الماضية بمجمع النور الإسلامي، من يصوِّت لمن لا يستحق إثم ومطفف.. إلى هنا الأمر مقبول، لأنه يتيح ممارسة أضعف الإيمان الذي هو المقاطعة الانتخابية، إن لم يتوفر الخيار المثالي.. ولكن شيخ عصام يجهز على هذا الخيار ويقول من يكتم صوته فإن قلبه آثم.. ثم توجه إلى الذين يسخرون من شجرة المؤتمر الوطني، ويصفونها بشجرة الزقوم، فقال إن هذا عبث بالدين.
مضى رئيس مجمع الفقه الإسلامي إلى منطقة في غاية الحساسية، حينما حذر من استخدام الشعارات الدينية في الحملات الانتخابية.. أغلب الظن أن الشيخ حاول إبعاد الدين الحنيف من رمال السياسة المتحركة.. وهنا وقع في منطق فصل الدين عن الحياة السياسية وهو منطق دعاة الدولة العلمانية.. حينما يرفض مولانا عصام تشبيه شجرة الحزب الحاكم بشجرة الزقوم، فإنه بذات المنطق أن عليه أن يرفض شعارات شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. وخطاب الحزب الحاكم المبني على اختيار القوي الأمين.
بصراحة واحدة من مشكلات شيوخنا الأفاضل أنهم يفترضون الإحاطة بكل العلوم.. من هذا الفهم يأتون على مقاصد الدين.. مثلا اجتهاد مولانا كمال رزق يجعل الإسلام في صدام مع البيئة رغم أن السلف الصالح كان يوصي الجند بألا يقطعوا شجرة في أرض العدو.. أما توصية مفتي السودان بعدم استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات فذاك أمر يحتاج إلى إعادة تفسير.. إنه ذات التفسير الذي يرسم الحد الفاصل بين مولانا عصام البشير خطيب وإمام مسجد العمارات قبل سنوات وعصام البشير الذي يخطب الآن في علية القوم في مسجد النور بحي كافوري الفخيم.
هذه من المرات النادرة يا ظافر أن نقرأ لك كلاما عقلانيا يحترم العقول كهذا المقال! شكرا لك.
للاسف د. عصام فقد مصداقيته منذ ان استوزر ذات يوم و اكل من ثمار تلك الشجرة فاصابه ما يصيب من ياكل الطعام المسموم ….كلمة الحق تحتاج لتقوى الله و التجرد و لضمير يقظ و للحم لم يناله شئ من سحت …