هجرة الأطباء.. بين مباركة الدولة وخسارة المواطن
اتجه الكثيرون من الأطباء للهجرة لأسباب اقتصادية واجتماعية ، مما يؤثر على العملية التدريبية للأطباء، طبقاً لإفادات بعضهم ويزيد من معاناة المرضى، وفي الأثناء تجد الهجرة مباركة من وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة بحجة وجود فائض في العمالة، مصرحاً بعدم انزعاجه من تزايد هجرتهم، دون البحث في أسباب الهجرة ووضع حد لنزيفهم، في وقت يطالب فيه مركز دراسات الهجرة بجهاز المغتربين بالالتفات للآثار المترتبة لهجرة الكفاءات.
وفي تصريح صحفي سابق أبدى وزير الصحة الإتحادي بحر ادريس ابوقردة قلقه من الهجرة، واعتبر أن الظروف الإقتصادية تأتي في المقام الأول، ونوه لعدم قدرة الدولة على إيقاف الهجرة، لأن الدول المستضيفة تدفع لهم ثلاثة اضعاف ما يتقاضوه بالسودان، والجدير بالذكر أن القطاع الصحي من القطاعات المهمة والمؤثرة، لأنها ترتبط بالمواطن بشكل مباشر، ولكنه في الفترة الأخيرة أصبح مثار الكثير من الجدل واللغط بعد السياسات القاضية بتحويل المستشفيات من اتحادية إلى ولائية، أو ما يعرف بالأيلولة.. (آخر لحظة) سلطت الضوء على قضية هجرة الأطباء فإلى ما جاء بالافادات.
حالة حرجة:
لا تتوفر جراحة الأطفال للمواطنين في اي مستشفى عدا الخرطوم، بهذه العبارة بدأ اختصاصي جراحة الأطفال بمستشفى الخرطوم الصادق كورينا، مواصلاً.. هناك تسعة أطباء اختصاصيين في جراحة الأطفال (اثنان بمستشفى الشرطة ومثلهما بالسلاح الطبي) و(ثلاثة بمستشفى مدني وواحد بمستشفى ابراهيم مالك).. ولا تتوفر له أي معدات أو اصطاف من مخدرين ومحضرين، وذكر الجراح بأنه آخر التسعة ويعمل بمستشفى الخرطوم، ونوه إلى أنهم كانوا خمسة بمستشفى الخرطوم وجميعهم هاجروا عدا هو، وعن حالة الطفلة علا قال إنها تعاني من انفجار الزائدة نسبة للتأخر في اجراء العملية لها، وحمد الله على اجرائها في اللحظات الأخيرة، بعد أن تسبب انفجارها في تسمم بالمعدة، وأشار إلى سهولة مثل هذه العمليات ووصفها بالصغيرة، وأنها لا تحتاج لتحويل أو انتظار، ولفت إلى أن المعاناة لم تقتصر على هذه الطفلة فقط، بل هناك العشرات مثلها، يبحثون عن خدمات ولا يجدونها، وطالب الجهات المعنية بالاهتمام بالقطاع الصحي خاصة هذا التخصص الدقيق حفاظاً على أرواح شعبنا وأطفالنا.
أسباب معلومة:
قال اختصاصي التخدير د.سيد قنات أن أسباب الهجرة واضحة ومعلومة لدى أي مراقب، وأولها العائد غير المجزي وبيئة العمل الطاردة لكافة الأطباء والكوادر، فضلاً عن عدم توفر التدريب والتأهيل وسبل البحث العلمي حسب طموحات الأطباء والكوادر، هذا خلاف الصرف على المعيشة- والحديث يعود لقنات- مضيفاً هجرة الكوادر خسارة للدولة والمواطن، وعدم اهتمام المسؤولين بما يحدث يجعل بقية الكوادر تفكر في الهجرة.
مشكلة ضمير:
أوضح دكتور سيد أن هجرة الأطباء والكوادر المؤهلة تؤثر على الخدمة في الاقاليم، مما يجعل المرضى يهاجرون منها للبحث عن علاج، ووصف حديث وزير الصحة عن تشجيعه للهجرة بغير المسؤول، بدليل النقص الكبير بالمستشفيات، وأشاد بالكادر السوداني مستدلاً باجراء رئيس الجمهورية عمليته تحت إشراف طبيب وطني و(صفرية) نسبة أخطاء الأطباء السودانيين بالسعودية، داعياً للحفاظ عليه وقال إن القطاع الصحي بالسودان يحتاج لتوطين الضمير قبل العلاج.
بيئة طاردة:
أوضح اختصاصي الجراحة دكتور وليد محمد سليمان أن بيئة العمل غير مشجعة، فضلاً عن ضعف الرواتب التي لا تغطي ابسط الإحتياجات، وقال إن الدولة تطالب نائب الإختصاصي بدفع مبالغ لها حتى يكمل تدريبه، وبالطبع هذا صعب للظروف المعلومة والتي لا تخفى على أحد، وقال إن الطبيب هو باحث ويسعى لتطوير ذاته، إذ أنها مهنة تختلف عن غيرها من المهن، فالتشخيص الجيد يحتاج لإمكانات بالمرفق الصحي لتساعد في انقاذ المريض، وأيضاً تحتاج سبل التدريب إلى البحوث التي تكلف ما تكلف من أموال طائلة، وقطع بتأثير الهجرة سلباً على المواطن بخروج الكفاءات وارجاعه لدائرة العلاج بالخارج للمقتدر، وإذا استمرت الهجرة بهذه الطريقة سيكون هناك أطباء لا يفقهون شيئاً ويحتاجون لتأهيل، ووضع دكتور وليد حلولاً للحد من ظاهرة الهجرة بتخصيص راتب مغري للأطباء بالإضافة لتحسين بيئة العمل داخل المستشفيات، وتوفير المستهلكات التي تمكن من التشخيص بصورة سريعة وصحيحة، وتوفير وظائف للأطباء بصورة دائمة وتوفير معينات البحث.
تؤثر على تدريبنا:
أشارت نائبة اختصاصي بمستشفى البلك- فضلت حجب اسمها- بتأثير هجرة الأطباء على عملية تدريبهم المستمرة، ورددت الاختصاصيون هم المسؤولون عن تدريبنا ومتابعتنا بشكل مباشر، ونرجع لهم في كل كبيرة وصغيرة، وفقدانهم يعني عدم تأهيلنا بصورة جيدة، مما يؤثر على الخدمة المقدمة للمرضى، وأشارت النائبة الى المشكلة التي تواجههم كنواب.. وقالت إنها تكمن في عدم تواجدهم بصورة دائمة بالمستشفى، ناهيك عن هجرتهم خارج البلاد، ودعت لتحسين أوضاع الأطباء بصورة عامة والاختصاصيين بصورة خاصة حتى تكتمل عملية تأهيلنا بسلاسة.
ظاهرة عالمية:
(الظاهرة عالمية وكل الدول تأثرت بتداعيات الهجرة الإيجابية والسلبية)، بهذه العبارة بدأ مدير عام مركز دراسات الهجرة بجهاز المغتربين خالد لورد، حيث ارتبطت بوجود الإنسان منذ الأزل، والحراك الإنساني الطبيعي هذا الوضع جعل الدول تهتم بالهجرة، وأنشئت المنظمة الدولية للهجرة بجنيف، والهجرة موجودة على المستوى الدولي ومرتبطة بمؤثرات تتمثل في العوامل الدافعة والجاذبة، والأخيرة متعلقة بالبلاد المقصودة بما تقدمه من اغراءات، وأوضح لورد أن العوامل الاقتصادية تأتي في مقدمة الأسباب، ثم اجتماعية سياسية، أكاديمية، ثقافية، والمعلوم أن البلد المضيف يوفر فرص عمل بمعدلات دخل أعلى.. والهجرة إما أن تكون داخلية بذات البلاد أو خارجية، وتكون إما قسرية أو فردية أو طوعية ونظامية وغير نظامية (الهجرة الشرعية).
برنامج نقل المعرفة:
نوه مدير مركز دراسات الهجرة إلى ما أقدمت عليه المؤسسات الدولية والاقليمية للبحث عن حلول بعد نزيف الكفاءات وتزايد أعداد المهاجرين بابتكار برنامج (توك نت)، لنقل المعرفة عبر المهاجرين، وفي السودان لنا تجربة لها عقود باعتبار أننا لا نستطيع إيقاف الهجرة، بل يمكننا الاستفادة عبر المؤسسات بالمساهمة الإيجابية من خبرات المهاجرين، وأعلن عن تنظيم جهاز المغتربين لمؤتمر نقل المعرفة عبر المهاجرين في منتصف العام الجاري.
رفد الاقتصاد:
قدر مدير المركز هجرة السودانيين من الأطباء والمهندسين والفنيين وأساتذة الجامعات خلال السنوات الماضية بحوالي (40) ألف تقريباً، وأبان أن هناك إيجابيات وسلبيات للهجرة، والأولى متمثلة في رفد الاقتصاد العالمي بحوالي (600) مليار دولار في العام الماضي، وتأسف على ضعف نصيب افريقيا بينما بلغ نصيب الهند بحوالي 70 مليار دولار، والصين حوالي 61 مليار، وفي السودان اعلى نسبة كانت مابين (2007 – 2009) إذ بلغت 3.178 مليون، ورهن دعم المغتربين للاقتصاد بالتحويل عبر القنوات الرسمية وتوفر الحزم المشجعة كالاعفاءات الجمركية للسيارات، واجراء التسهيلات في الأراضي والمنازل، وتعليم أبناء المغتربين، ونوه إلى إعفاء الطبقة العمالية من الضريبة التي فرضت مؤخراً بنهاية العام الماضي.
وردد خالد أن أكثر الهجرة تأثيراً هي هجرة الكفاءات من الأطباء وأساتذة الجامعات وغيرهم، ودعا إلى الالتفات للآثار المترتبة لهجرة الكفاءات، وطالب بالضغط على المؤسسات الدولية والبلدان المتقدمة التي تسن التشريعات الجاذبة للكفاءات، خاصة من الدول النامية بما يحرمها من تحقيق الاستفادة منهم، ودفع عجلة التنمية بهذه البلدان.
انزعاج من الهجرة:
كشفت جمعية اختصاصي النساء والتوليد عن هجرة أكثر من 4 آلاف طبيب خلال العام الماضي، وأكد نائب رئيس الجمعية معاوية الصادق خلال حديثه في مؤتمر صحفي أن 80% من الولادات تتم في المنازل و15% بالمستشفيات، وشدد على ضرورة تقليل المخاطر ببناء القدرات والتنسيق بين المستشفيات.
وفي السياق كشف اتحاد اختصاصيي البصريات عن هجرة (750) من الاختصاصين البالغ عددهم (1500) اختصاصي، مما أحدث فجوة في انتشار اختصاصي البصريات.
حبيس الأدراج:
توجهت الصحيفة بخطابات من إدارة الإعلام بوزارة الصحة الإتحادية إلى إدارتي الطب العلاجي والتدريب، وذلك منذ ثلاثة أشهر بخصوص احصائية الأطباء المهاجرين والفئات الأكثر هجرة، وكيف تتعامل الوزارة لسد النقص، وهل هناك حلول للحد من الظاهرة، وما هو أثر الهجرة على التدريب وغيرها من الأسئلة، ولكن الإدارتين لم تردا على الصحيفة بالرغم من مراجعتهما لمرات عديدة.. فضلاً عن ملاحقتهما بالهاتف، وكان رد الطب العلاجي على شاكلة (المدير مافي أو في اجتماع، أمشي نحنا بنضرب ليك).. وفي إدارة التدريب وعدني المختص بالبعثات بالجلوس معي، ولكن لم يرد حتى اللحظة، لا في مكتبه ولا على هاتفه.. مما دعاني لإرسال رسالة ولكنها لم تحرك ساكنه، وما تزال الخطابات حبيسة لأدراج إدارتي الطب العلاجي والتدريب.
محاولة أخرى:
وفي محاولة أخرى ذهبت (آخر لحظة) لإدارة الإعلام لتلتقي بمديرها الأستاذ خالد حامد الذي رحب بنا وقام باجراء اللازم بكتابة خطاب للمرصد القومي الصحي للموارد البشرية، بمدنا باحصائيات ومعلومات متعلقة بهجرة الأطباء، ولكن مديرة المرصد رفضت بحجة أن هناك توجيهات بعدم التصريح للأجهزة إلاعلامية، إلا بعد إذن من وكيل وزارة الصحة أو مدير عام تنمية الموارد البشرية، الذي سبق له وأن حولنا للمسؤول عن هذا الملف ولكنه لم يهتم بتوجيه المدير، لأجد نفسي أدور في حلقة مفرغة من جهة لأخرى داخل أروقة وزارة الصحة الاتحادية، مما يضع استفهاماً حول تعامل تلك الجهات وتعتيمها على المعلومات المتاحة، بالرغم من التعميم الذي ورد من وزير الصحة الاتحادي في نهاية العام الماضي لجميع الإدارات بالوزارة، بالسماح بمد المعلومات أو الإدلاء باي تصريح بعد توجيه من إدارة الإعلام، وبهذا التصرف تخالف هذه الجهات توجيهات وزير الصحة الإتحادي بحر إدريس أبوقردة.
تحقيق: معاوية عبدالرازق
صحيفة آخر لحظة
هجرة الأطباء وهجرة المُعلمين، ضربة قوية لإستقرار البلد في صحة وتعليم المواطن. حسبُنا الله ونعم الوكيل.