نبيل غالي

حجيتك ما بجيتك


في حكاياتنا “شبونة”!
في اعتقادنا أن الكتابة لا تحتاج إلى (مفرمة) بقدر ما تحتاج إلى (عصف مزاجي)، لذا ما نكتبه هنا (حكاوي) نهز شجرتها ليتساقط منها (زمن ماشي وزمن جاي) بين آونة وأخرى.
(أن تعيش لتحكي) قالها الفذ الأسطورة ماركيز.. الآن صارت (الآلة) هي التي تحكي.. سواء أكانت هاتفاً ذكياً أم مرئيات فضائية!!
وسنار كانت في القلب.. حينما كان القلب يحتمل بداخله (مدينة) كاملة، والآن ما عاد يحتمل هبَّة نسيم مع تقدُّم العمر.. فتأمل!! و(القلب) كان هو الذي نسعى إليه حفاة وفي سرعة حينما كانت (لواري) البطيخ الممتلئة به تمر بشارعنا، فيرمي لنا الجالسون عليه عدداً من (البطيخات) على الأرض وهم يقهقهون.. إذ كان البطيخ يباع بـ (الكوم) ولم تصادفنا آنذاك ونحن في شرخ الصبا أي بطيخة (بيضاء.. فجميعها (حلا وحَمار) و(الأبيض) لا يوجد إلا بدواخل الناس، وهذا لا يعني أنهم كانوا أقرب إلى الملائكة بل كانوا صادقين.
وعثمان شبونة كان جزءاً من (بيت كلاوي) سنار من ثم كان جزءاً من القلب، ولذا كانت نصوصه الشعرية والقصصية تضارع البطيخ في (حماره وحلاوته) منذ أن مشى في موكب موهبته، وكان شبونة جاراً لنا ليس (الحيطة بالحيطة)، ولكن الباب (قُصاد) الباب في تلك المدينة الباذخة (سنار) قبل أكثر من عقدين من الزمان، مبتغاه كان أن يصبح واحداً من مجموع الذين يقطنون الهرم الأدبي (رابطة سنار الأدبية)، لذا كان يأتي إليَّ بنصوصه الأدبية للنظر فيها حتى ولو كانت عصافير بلا أجنحة. شبونة منذ أن عرفته كان يريد أن يكمل دورة عشقه في الكتابة بأن يصبح (صحافياً)، تلك الجرثومة سكنته كما سكنه (التمرد) على ما هو (ساكن) إلى ما هو (مغاير)، وهذا ما جعله يوحد ما بين موهبته في الكتابة وبين خطواته الحياتية أو العوالم التي يعيشها،.. ألم يقل الشاعر محمود درويش “أنا البلاد وقد أتت وتقمصتني/ وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد/ وجدت نفسي ملء نفسي”. هل يكشف هذا لماذا كان شبونة مشدوداً وتره إلى (الحدة) في عباراته من خلال الأعمدة التي كتبها ويكتبها في عدد من الصحف؟! هل أصبحت (الحدة) لديه هي حضور مقاومة لكل ما هو شائه؟! لذا لم أستطع أن أقول له طوال علاقتنا: كن مثل قوس قزح للمطر؟!
ومما تسرب إلى أوصال إبداعه وجدت هذا (الجزء) من نص قصيدة ظلت بطرفي حتى أكل منها الدهر وشربت منها العناكب، وتعود إلى التسعينيات من القرن الماضي.. ولا أدري أين ذهب باقيها!!
ولعل عثمان شبونة حينما كتبها صرخ “الآن أصبحت شاعراً”! ونستعير هذه العبارة أيضاً من محمود درويش لحظة أن أكمل كتابه النثري (في حضرة الغياب).. ربما يكون عنوان قصيدته (الزمن اليتيم).. إن أسعفتني الذاكرة، ومن المؤكد أن شبونة سوف يختار عنواناً لها الآن (الزمن اللئيم)!!
“عند الشفق/ يأتي طائري كل يوم/ يا شاعري لماذا غياب الاحتفال؟/ فيلجمني السكون/ ويمضي طائري مضضاً/ وفي مواله شجون/ مرة يصيح يصدح.. أو يغني/ ليهدي الصياد لحنه/ لكنها شباكه!/ وكان لا يكف عن عراكه/ لكنه طائري/ يتيم الأبوين/ فمن تُرى أينا حزين:/ فراخه.. شراكه/ أم شدوه الشجى؟/ أم هي المقل استبد بها الحنين؟!”.
والدعوة مبذولة لك أخي شبونة لننشد معاً أمام ابنك (نبيل): لن ننسى أياماً مضت مرحاً قضيناها..