الخرطوم ذلك السودان الصغير
الخرطوم عاصمة السودان والتي نبتت شجرتها بين الرافدين الازرق والابيض وتمددت حتى جعلت الملتقى او المقرن هو قلبها ..
تفردت الخرطوم دون سائر مدن السودان بانك ان اردت الذهاب لأي مدينة من مدنها او احيائها ان تعبر مياها زلالا جارية صافية في الشتاء و عكرة في موسم الفيضان والخريف ومتعكرة المزاج ما بينهما .. قليلة هي المدن في العالم التي حباها الله بموقع جغرافي كما الخرطوم التي تمددت شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بل في كل الاتجاهات وكانت على ضفاف المياه الجارية ..
ينخفض مستوى المياه في النيل وجوفيا ولكن لا يزيد هذا الانخفاض عن عدة امتار في اليابسة وبالإمكان ان يصله اهل الخرطوم بكل سهولة.. بل بعض سكان الاحياء يمكنهم بأياديهم ان يحفروا ويجدوا ماء نظيفا حلو الطعم لا يوجد مثله الا في العراق وسوريا او ما يسمى حوضي دجلة والفرات . حين نعبر هذه الاذرع المائية ويتلاعب الهواء بثياب وشعر الحسان وعمم الشباب وتحتاج الى ما يقارب العشر دقائق لتعبر لا يخطر على بالك ان هذه المياه اغلى من البترول احيانا وانها اعز ما يبحث عنه انسان الخرطوم وانها بهذه القوة والعنفوان في المسير لا تجد طريقا يقودها الى اواني الكثيرين .. .. هذه المياه العذبة الجارية والتي هي معروفة بالاستحالة ان تسبب امراضا معدية او مزمنة ومع هذا فهي غالية !! غالية لا بعد حد ..
الخرطوم بعد هذه الكمية من المياه تعد من الدول المتدنية في مستوى استهلاك الفرد للمياه بل يعد نصيب الفرد مقارنة بالدول الصحراوية فضيحة وعيب علينا .. عيب يحتسب على الامة وليس على حكومة . لان الحكومات تعاقبت وتغيرت اكثر من أي دولة ولم تفلح أي واحدة ان تحل المعضلة او تزيل هذا الهم الذي اصاب ساكني الخرطوم ..
ولكن يا ترى ما السبب في ذلك ، ؟؟ في اعتقادي: اولا عدم الاحساس بالتوسع السريع والتمدد الافقي الذي تسير فيه الخرطوم فهي تزحف من غير هدى ولا من يقول لها هدي من السرعة قليلا ..
اصيبت الخرطوم بمرض عضال وهو هجرة الاقاليم اليها . وذلك يرجع الى عدم التوازن في التنمية وتطوير الريف ليستقر المواطن فلا مناص من الزحف على الخرطوم .. فتكونت الاحياء الغير رسمية وبعد قليل اصبحت رسمية والتحقت بها غير رسمية ومن غير خدمات ..
وتطلب ذلك تمديد مواسير وخراطيم مياه لتصلها المياه الغالية .. يتم التمديد والتوصيل والمضخة هي تلك المضخة التي كانت تكفي لثلاث او اربع كيلومترات ..
تنفجر المواسير من وقت لآخر بسبب الضغط العالي كما يقال ولكن وربي انه لسوء المواصفات والتخطيط ونوعية الانابيب المستخدمة
الملاحظ معي انه يتم الحفر والتمديد دون عمل قياس مناسيب ارتفاعات وانخفاضات للأرض من منكم رأى مساحا بمناظر يحدد عمق الحفر لهذه الانابيب انا شخصيا لم ارى .. فتعجز المياه من الصعود الى الاعلى وتتمركز في المنخفضات ويؤدي ذلك الى تكسير الانابيب وانفجارها والناس لا تجد الماء في المواسير داخل البيوت ..
سيظل الريف هو المغذي البشري الذي يتعب الخرطوم في كل شيء وفي كل الخدمات مالم ينظر ويفكر في تنمية تعيد الريفي الى بلده ويستقر وينتج ويكون اكثر راحة من الخرطوم كأن يجد العلاج والتعليم والترفيه المناسب الذي يحظى به ساكني الخرطوم ..
الغزو البشري الذي اطاح بخدمات الخرطوم ولّد ظاهرة الاحتجاجات من سكان هذه الاحياء والذين هم اصلا اتوا عبئا على ما هو موجود لسكان الخرطوم وقاسموهم في الحصة..
اصبحت ولاية الخرطوم هي كل السودان واصبحت دولة داخل دولة فهي لها خصوصياتها ولها كل شيء والدولة الباقية أي ما تبقى من السودان لا يجد الا النذر اليسير .. فالشمال لا توجد به مقومات حياة كما للخرطوم وانما ظل المزارع يعاني في تعليم ابنائه وعلاجهم .. وظل اهل الشرق ايضا يرتحلون الى مدنهم لعلهم يجدون حياة افضل .. حتى اهل الجزيرة الذين كانوا نادرا ما يأتون للخرطوم الا للتبضع اصبح الرحيل والاستقرار في الخرطوم ظاهرة لهم وافرغت كثير من القرى والارياف من سكانها ..
الان والي الخرطوم اصبح رئيسا للسودان الصغير بينما الرئيس يراس باقي السودان فيتحمل والي الخرطوم اعباء علاج وتعليم وترفيه واطعام وسقاية كافة السودان وباقي السودان لا يهمه شيء ولا يسعى الى تحسين حاله حتى لا يرحل مواطنيه ..
ولدي اقتراح لأهلنا في الشمال يا ترى كم يبلغ عدد سكان الولاية الشمالية من شمالها الى جنوبها ؟؟ في احصاء عام 2008 ما هم الا 667 الف نسمة ومساحتها 348,765 كم2 تخيلوا كل هذه المساحة يقطنها هذا العدد القليل والذي لا يمثل حي من احياء بعض العواصم .. ورغم هذا يعانون ولذا اقترح عليهم ان نبني مدية كاملة في الخرطوم ونسميها الولاية الشمالية وتكون من وحدات سكنية تسع الوحدة لمعدل عشرة اشخاص ونستفيد من انتاجنا ببيعه في الخرطوم كما يفعل الغير وننعم بخدمات كأهل الخرطوم ونريح الدولة من اعباء ولاية كاملة .. ونفس الشيء يمكن ان يعمل لباقي الولايات ونجمع السودان بطريقة جميلة وحضارية في الخرطوم ونأجر باقي السودان لدول تستفيد منه تأكل وتأكلنا معها..
المصيبة ان من يأتي اليوم للخرطوم ويستقر ثاني يوم يبدا في احداث المشاكل انه ما لاقي وما لاقي .. ماذا يفعل لك اذا تخليت عن حصتك هناك واتيت لتزاحم غيرك في ميزانية ولايته وخدمات ولايته وولايته نائمة في العسل ..
التنمية المتوازنة خارج الخرطوم هي التي ستريح الخرطوم ولكن طيلة ما نحن في الريف نعاني فلن تنعم الخرطوم براحة
كان الله في عون رئيس السودان الاصغر