الإمام في المقام الصحيح ..!!
قبيل زيارة المشير عبدالفتاح السيسي، الأخيرة بالمانيا كانت السفارة المصرية تستقبل رسالة محرجة.. البروفيسور نوربيرت لاميرت، رئيس البرلمان الألماني، اعلم البعثة الدبلوماسية أن برلمانه سيكون منطقة محظورة لن تطأها أقدام الرئيس المصري الزائر.. لاميرت برر قراره بسبب تردي حقوق الإنسان في مصر وبطء تنفيذ خارطة الطريق التي من المفترض أن تنتهي بقيام مؤسسات ديمقراطية منتخبة.. الموقف الأخلاقي والمبدئي للبروفيسور الألماني أحرج حكومة المستشارة ميركل وأغضب الحكومة المصرية.
الإمام الصادق المهدي من مقر إقامته في القاهرة ارسل رسالة مفتوحة للرئيس المصري المشير السيسي، يطلب منه انتهاج سياسة العفو والتسامح في تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين.. حشد الإمام المهدي أدلة سياسية وفكرية وواقعية في رسالته تلك.. ولم ينس أن يذكر الرئيس السيسي أنه خبير بالإخوان الذين قلبوا عليه الطاولة ذات فجر مر عليه من الزمان ربع قرن.
أعاد الإمام المهدي تلك المناشدة في لقاء أجرته مؤخرا صحيفة الوطن المصرية.. صحيح أن الإمام حاول أن تكون لغته هادئة هذه المرة وذلك استجابة للغضبة المصرية التي عبرت عنها أقلام مصرية قريبة من قلب المشير السيسي.. من ذلك تهوينه من أمر الرئيس محمد مرسي ووصفه بالسذاجة السياسية.. كانت تلك محاولة من الإمام لامتصاص الغضب الرسمي المصري.
في تقديري أن الإمام تعامل مع الأزمة المصرية بروح المفكر الإستراتيجي.. عدد من العوامل كانت تجعل في فم الإمام ما يمنعه من الجهر برأيه.. منها أن مصر الآن تستضيف الإمام المطارد من حكومته.. ثانيا أن في قلب الإمام مواجد على الإسلاميين الذين سطوا على سلطته بليل.. كما كان من اليسير على الإمام أن يركب الموجة العامة التي تحاول أن تشيطن من الإخوان المسلمين في كل مكان.
بصراحة.. يحمد للإمام أن فكر بمنطوق العقل ولم يراع العوامل الوقتية المحيطة بالأحداث.. بل إن نصيحته سيدركها النظام المصري ولكن بعد حين.. الإخوان المسلمين كيان سياسي راسخ في التربة المصرية.. محاولة اقتلاعهم صعبة جداً.. بل في أغلب الأحيان ستزيد من وتيرة العنف والإرهاب.. ليس من الجماعة نفسها التي مازالت تتمسك بالسلمية بل من المتطرفين من الجماعات الأخرى الذين سيجدون في العنت المصري تبريرا لأعمالهم الإرهابية.. وقد بدأت مصر الآن تحصد نتائج سياسة الإقصاء.
على الصعيد الوطني جراءة وصراحة الإمام ستكتب في صحائفه الوطنية.. السودانيون مقرمون بالشخصيات التي تصدح برأيها مهما كان الثمن.. داخل صفوف الإسلاميين بالسودان سيجد موقف الإمام التثمين.. حكام الخرطوم ومن ورائهم طائفة واسعة من الإسلاميين كانوا يعيبون على المعارضة السودانية تهليلها وتمجيدها لانقلاب المشير السيسي وكل إجراءاته التعسفية ضد حكومة منتخبة ورئيس شرعي.. بل أحيانا يأخذون من الوضع في مصر مبررا على استيلائهم على السُلطة في السودان.
بصراحة.. الإمام اختار أن يقف الموقف الصحيح حتى لو كان في المكان الخطأ وتلك شجاعة تستحق الإشادة.
جاء في هذا المقال في السطر الأول من الفقرة قبل الأخيرة : ( السودانيون مقرمون بالشخصيات … ) والصحيح أن تكتب الكلمة بالغين (مغـــــرمون ) والفرق بين الكلمتين ومعناهما هما هذان الحرفان : (غ ر م ), (ق ر م ) فمن معاني الكلمة الأولى نقول : غـــرم الدين أي سدده على مضض ومن ذلك قوله تعالى : أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون ) ونقول :غرمته لكنه ماطل , والغارم المديون ومنه قوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغـــارمين … الآية ) , ومن المعاني ما هو مقصود في المقال نقول : له غرام بالشيء هو كلف به وهو درجة من درجات الحب الشديد , أما قرم بالقاف فلها معنى آخر لكنه ليس بعيداً فالكلمتان بينهما تداخل أو ترتيب في المعنى : فنقول قرم من الشيء أخذ منه قليلاً بأطراف أسنانه ونقول في المثل : فلان ما عندو قرمة أي قليل الأكل , وفلان ما منه قرمة أي لا عشم فيه , وفلان به قرم إلى اللحم , وتستعمل عندنا في السودان في شدة الشوق إلى أكل اللحـــــم , فنقول فلان قرمان وهي فصيحة , مثلما نقول عطشان وجوعان وصرمان وسودان ( أي شديد السواد ) وعرمان ( أي به عرام إلى الشيء ) ( ونقول بالدارجي : خرمان .. . وكان حرياً بالكاتب / أي كاتب / أن يزود نفسه بالثقافة اللغوية الجيدة أو أن تعرض المقالة أو الكتابة على النقاد والمدققين اللغويين قبل نشرها . والله أعلم