عمال تجار وخضرجية أصحاب رزق اليوم باليوم.. السباق مع الشمس عند الفجر
عندما يرسل الفجر أشعته السرمدية، وتبلى خيوط الظلام، يجر الليل أذياله متثائباً ويخطر في مشيته لأنه لم يهنأ بنوم هادئ، فيظهر الفجر بثوب الأمراء ومعه جيوشه ليرسل هؤلاء الجيوش إلى كل مكان، الأسواق الشوارع والبيوتات التعسة منها والفرحة، والأزقة وأوكار الطيور وأعشاش العصافير، والمجاري والجحور، ليدخل النور، نعم ليدخل النور الذي يفقده الكثيرون في هذه المدينة، وأقصد مدينة الخرطوم، هناك أناس ينتظرون بزوغ الشمس بنفاد صبر لأنهم يعتقدون أن في الصباح بركة ورزقاً، وعلى النقيض يظن البعض أن شروق شمس كل يوم جديد لا يحمل لهم سوى الحزن والهم وضيق العيش والرزق .
عندما تسوقك الأقدار أو الظروف إلى أحد أسواق العاصمة، ستشاهد بأم عينك كيف يقضي بعض الناس الليل، وكيف يستقبلون الصباح، سترى كيف يتسلل أولاد الشوارع من المجاري والجحور، وكيف تبدو عليهم علامات الإعياء، ويبدو عليهم أنهم أفاقوا من كابوس مرعب ليستقبلوا كابوساً أرعب في الصباح، وسترى كيف يجمع التجار وصغار التجار (الباعة المتجولون) بضاعتهم من أماكن تخزينها التي لا يعلمها أحد سواهم، وتراهم يكنسون عقاب النفايات والأوساخ التي كانت في الليلة الماضية، مع أن الأماكن المخصصة لهم لا تكاد تسع لشخص واحد لكن تطايب النفوس؛ جعل منهم نفساً واحدة والمكان يسع الجميع، وسترى بعد فترة قصيرة كيف ترهبهم كشات المحلية التي لا ترحم حتى الأطفال العاملين، وتجد أن الواحد منهم لا يستطيع – لنحول جسده – أن يحمل بضاعته ويركض كي لا تلحق به عربة المحلية، وسترى كيف تتدفق الفواكه والخضار وكل أصناف السلع والمنتجات، نعمة الله تداس بالأقدام وتهرسها إطارات السيارات، كل ذلك جراء الكشة، وسترى أيضاً – عزيزي – تدافع المواطنين الكادحين والطلاب الذين كثيراً ما يعانون أشد معاناة ويتعاركون ويتزاحمون عند أبواب الحافلات والمركبات العامة كي يجد أحدهم مكاناً لا ليجلس عليه بل ليضع فيه قدمه ليصل إلى حيث يريد، وسترى أكثر من ذلك، ونحن لا نملك سوى أن نقول .
صحيفة التغيير