رأي ومقالات

تشريعات الَضبط الاجتماعى بولاية الخرطوم.. ملاحظات نقدية

مفهوم الضبط الاجتماعى :
جرى التعارف أنه لابدّ من وجود معايير ومبادئ يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك الاجتماعي ودرء المنازعات وفضها والحفاظ على الحقوق المشروعة لكلّ فرد. ذلك أن الإنسان الذى هوكائن اجتماعي بفطرته وجبلته لا يستطيع أن يعتزل الناس لأنه يعجز بمفرده عن الوفاء بحاجاته وذلك يستتبع وجود علاقات متشابكة بين أفراد المجتمع وهي علاقات لا يمكن أن تترك فوضى ينظمها الأقوى وفق رغبته ومشيئته، لذلك لا بدّ من وجود قواعد موضوعة تهدف إلى إقامة التوازن بين الحريات المتعارضة والمصالح المتضاربة . فهذه العلاقات الاجتماعية المعقّدة والمتشابكة تفرض وجود ضوابط تستوعب التناقضات المتداخلة والمصالح المتعارضة، فكلّ فرد يرى أن لحريته وحاجياته الأولوية على حريات الآخرين فأولئك هو الجحيم الذى يؤطر حريته كما يزعم الوجوديون وهذاه الرؤية لا شكّ سوف تؤدي إلى الصدام إن لم توجد هناك مبادئ تبلور مفهوم الحرية بصفة سلوك اونظام اجتماعي عادل و رادع للفصل بين الناس، والإنسان الذي تحرّكه النوازع الفردية والحاجات الاجتماعية لا يخضع تلقائياً للنظام بل لا بدّ من عملية ضبط اجتماعي تحتوي نزعة الإنسان الفردية وتنظم مشيئته فى اطار النظام الاجتماعي العام.
إن عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد وأحكام هو ما تعارف الناس عليه بأسم (القانون) حسب الإستعمال الحديث والذي يرادف أو يشابه مصطلحات أخرى أيضاً مثل الشريعة التي تطابق في معانيها كلمة القانون وتبحث عن غاية واحدة وهي التنظيم الاجتماعي. لذلك يعد «القانون من أهم وسائل الضبط الاجتماعي بل هو الوسيلة الأساس التي يعتمد عليها المجتمع المنظّم في ضبط سلوك أفراده.
فالقانون له الدور الأكبر في حفظ لحمة المجتمع والحفاظ على استقراره وتماسكه عن طريق تأكيد الحرية وصيانتها وتوفير العدالة والأمن ، عبر الإلتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطة الشرعية العليا. بيد ان القانون لكى يكون أداة ناجعة فى الضبط الاجتماعى لابد له من التماهى مع منظومة القيم ومصفوفة الأعراف المرعية فى المجتمع المراد تنظيمه فهو أداة بيد المجتمع لحفظ هويته ونظامه و ليس وسيلة بيد جهة متسلطة لهندسة المجتمع .
بيد ان الواقع العملي أثبت عدم قدرة الكثير من الدساتير الوضعية على تحقيق تلك المثل العليا بل إنها في غالب الأحيان أدت إلى تصاعد الظلم والفوضى والاستغلال لاسيماعندما يتعلق الأمر بسلطة مستبدّة؛ وهذا الأمر يرتبط بالجوهر الذاتي للقانون الوضعي ومفهومه المعنوي ولا يتوقف على الكيفية السليمة التي تتم في تنفيذه، باعتبار أن واضع القانون هو نفس الإنسان المتحيز إلى رؤاه الخاصة ومصالحه الشخصية وخضوعه لظروف الزمان والمكان المحدودة مهما كان هذا الإنسان نزيهاً أو محايداً، ولذا فان مفهوم العدل هنا لا يكون إلا نسبياً وضيقاً يراه واضع القانون من خلال زاويته البشرية الضيقة. والعدل بمفهومه الشمولي غير المحدّود وغير المتحيّز والقادر على توفير تلك الاهداف العليا لا يتحقّق إلا من مشرع غير خاضع لتلك المحددات .
تتميز الشريعة الاسلامية بأنها أقدر على تحقيق الحرية العدل والأمن والاستقرار باعتبارها تمتلك الموضوعية المحايدة في التشريع والتقنين.والمشكلة الأساس التي تواجه قضية تطبيق الشريعة الإسلامية انما تتمثل في أمور منها:
اعراض طائفة كبيرة من أهل المهن القانونية عنها والتمسّك بالقوانين الوضعية التي أنتجنها الحضارة الغربية المعاصرة بعد أن نادت بفصل الدين عن الدولة. وكذلك التطبيق السيء الذي قامت به بعض سلطات الملك الاستبدادى والدكتاتوريات في استغلال الدين واجهة لتبريرسلطاتها الاستبدادية المطلقة.
كذلك عدم وجود رؤية عميقة ولا صياغة حديثة لبعض القوانين الإسلامية التي لازالت بنفس الاسلوب التراثى القديم أو في إطار المفاهيم الكلية التي تحتاج إلى وصف تطبيقى دقيق يستجيب لحاجة المجتمع ويتسق مع طبيعة مشكلاته وهذا الامر يؤدي إلى عدم الملائمة الذى يؤدى للعجز عن استخدام التشريع بالصورة المثلى التى تحقق مقاصد الدين وتلبى حاجة المجتمع
ان مفهوم الملاءمة جوهرى لفهم دور القانون فى الضبط الاجتماعى فبمعرفة لماذا يحتاج الإنسان القانون يمكن معرفة نوعية القانون الذي يلائم الإنسان وحياته، ذلك أن علم القانون الوضعي حدّد الحاجة للقانون في الحاجات المادية وتنظيم العلاقات الاجتماعية، والحال أن الحاجة إلى القانون هي أعم فى المفهوم الأسلامى المتمثل فى الشريعة وإنما إحتاج الإنسان القانون لأنه إنسان له حوائج فردية واجتماعية في مختلف الجوانب. فالانسان فى الرؤية الاسلامية التوحيدية يحتاج الى ضبط ذاتى مسنمد من القانون الشرعى ولو عاش فى كهف أو غابة فهو لكى يسمو من الحالة الحيوانية الى مراقى الانسانية فى حاجة ماسة إلى القانون الذي ينظّم سلوكه مع نفسه مضافاً إلى القانون الذي ينظّم سلوكه مع خالقه ومع الكون بصورةٍ عامة. فالقانون لازم لتنظيم شؤون الفرد والمجتمع مهما كان المجتمع بدائياً أو متوسطاً أو مثالياً حيث أن اللازم أن يكون هناك مقياس لسيروسلوك الفرد فى حالى التوحد والاجتماع وفي مختلف جوانب الحياة.
وادراك معنى القانون مهم لمعرفة دوره فالقانون في اللغة كما في [لسان العرب] يعني: الأصل وقانون كل شيء طريقه ومقياسه. وفي [المعجم الوجيز]: القانون في الاصطلاح أمرٌ كلّي ينطبق على جميع جزئياته التي تتعرف أحكامه منه. فالقانون في اللغة يحمل معنى عام يطلق على «كل قاعدة أو قواعد مطردة حمل اطرادها معنى الاستمرار والاستقرار والنظام»
وقد يُفهم من أهل الاختصاص فى المهن القانونية أن كلمة القانون في المصطلح الحديث تحمل معنى الإجبار والقسر والإلزام بالقوة لأنها «قواعد ملزمة تنظم سلوك الاشخاص في المجتمـــع على أنـــه يُفهم مــن معنى الإلـــزام بأن له جزاءً مادياً توقعه السلطة العليا في الجماعة»

بيد أن القانون المستمد من شريعة هو مسؤولية ذاتية يتحمّلها الإنسان باقتناع ووعي وإيمان حيث ففى رسالة الحقوق للأمام على بن الحسين عُرف القانون بأنه معرفة كل ما يلزم على الإنسان أن يعمله تجاه نفسه وربه وتجاه أسرته وتجاه محيطه وتجاه الطبيعة حيواناً أو نباتاً أو جماداً، وقبل السجاد رضى الله عنه قال علي (كرم الله وحهه): إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم». لذلك فان القانون يحمل معنى جامعاً كلياً لا يقتصر على معنى (الجزاء الرادع) إذ أن «القانون بهذا المعنى يشمل الشريعة بمختلف فروعها الفقهية والأخلاقية والتربوية مما ي الفرد والحكم في مختلف مجالات الحياة»
ما قبل كل قانون هو قاعدته التى يتأسس عليها وتتجلى فى وجود مبادئ أساس ثابتة تحكم النظام الاجتماعي العام وتشكل الغطاء الذي تتحرك في إطاره كافة ابعاد النشاط الانسانى ومن ضمنها القانون والسياسة والاقتصاد. و هذه المبادئ الاساس هى التي ترسم غاية القانون وتؤطر حركته وأولها الحرية التي وهبها الله سبحانه إلى الإنسان وفطره عليها لتكون منهجاً معرفياً وسلوكياً للوصول إلى الطاعة اليقينية والتكامل الإنساني\وأولوية الحرية الفكرية ليس من باب الترتيب الإجرائي والحقوقي وإنما من زاوية الاهمية الذاتية للحرية بصفتها جوهر أنسانية الانسان .لذلك يلزم أن القوانين الاجتماعية هي على القوانين.
الشريعة وحدها فى الفهم الأتم لها هى التصديق لهذا المفهوم فالقانون الوضعي وضع بالدرجة الأولى لتحقيق مصالح وغايات نفعية تخدم قوى النفوذ التي تصوغ القانون، لذلك فإن الحرية عندهم هي حرية نفعية عرضية وليست أصلاً مبدئياً لذلك نرى أن الدول الغربية التي اعتمدت على الاستعمار في تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية تطبّق الحرية نـــسبياً في بلادها لكنها تقمعها في البلاد المستعمرة أو المستتبعة .وأما القنون الذى يتأسس على الشريعة فأنه يكفل الحريات أولوية قصوى وينظمها بشكل تتوازن فيه حريات الافراد مع عدم الإضرار بالآخرين أو سلب حرياتهم.

الحقوق أساس التشريع :
الرؤية التشريعية رؤية حقوقية ومنظورها للمصلحة والمفسدة أنما يتأسس على الحقوق الأساسية للأنسان من حيث هو أنسان لا بأية صفة أخرى . والعقوبة في الإسلام مرتبطة بصياغة الحقوق الإنسانية العامة والمعروفة بالكليات أو الضروريات الخمس التي أمرنا بحفظها ، وهي الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال .
ويتمثل جزاء الاعتداء على الدين في قوله تعالى( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) المائدة 33 كما يتمثل جزاء الاعتداء على النفس في قوله تعالى (با أيها الذين أمنوا كتب عليكم الفصاص فى القتلى النفس بالنفس)وجعل الجلد جزاء الاعتداء على العرض بالقذف والاعتداء على العقل يكون باذهابه بشرب الخمر والمسكر والمخدر والاعتداء على المال بسرقته له عقوبات حدية وتعزيرية. فهكذا تم ريط العقوبة بالاعتداء على خقوق الأخرين ودون ذلك عقوبات دنيوية وأخرويه على سلب الناس حقوقهم أو الانتقاص من كرامنهم أوقدرهم . ومما سبق نرى أن العقوبة في الإسلام تحرص كل الحرص على أمن الجماعة ، فهي جزاء يرد به المجتمع على جريمته . والجريمة هي عدوان على حق المجتمع في الأمن والسلامة ، وعدوان على المجني عليه بحرمانه من حقه في الحياة أو الحرية أو التملك. وهى أيضا عدوان على نسيج العلاقة التي تربط الأفراد فيما بينهم وهكذا يحقق الالتزام الديني وظيفة النظام والضبط الاجتماعي ،من خلال تربية الفرد بنفسه لنفسه على القيم الفاضلة ومن خلال تناصر المجتمع على توطيد ونرسيخ تلك القيم فى حياة الجماعة فالانضباظ الذاتى والضبط الاجتماعى ليس أداة تستخدمها الطبقة الحاكمة لإخضاع المحكومين بل هى أداة فى يد مجنمع المؤمنين يخضع لها الحاكم والمحكوم على حد سواء ، فالدين الإسلامي الحنيف يحقق وظيفة الضبط والنظام ولكن ليس على حساب الحرية والعدالة والمساواة ، ويقيم مجتمعاً متكاملاً متكافلاً من خلال معايير ومبادئ يلتزم بها الحاكم والمحكوم فهى ليست ظنون الحكام وأهوائهم بل هى سبيل الله العليم الخبير الذى شرعه لاسعاد عباده المؤمنين .وحق المحكوم هو ذات حق الحاكم وواجبه هو ذات الواجب فالناس فى شرع الله سواسية كأسنان المشط وكل أنسان له كل الرزمة الكاملة من الحقوق التى تبدأ بالكليات الخمس وتتفرع الى جزئيات مفصلة لا تكاد تحصى وله من الواجبات مثل تلكم الرزمة فما من حق لأحد الا وهو واجب على آخر وهكذا تتوازن الحقوق والواجبات .وقد أجملت بعض هذه الحقوق وفصل بعضها الآخر تفصيلا دقيقا فقد أشارت الآيات إلى بعض حقوق أصناف من الناس كالوالدين والقرابة واليتامى والمساكين والجار القريب والجار الغريب والصاحب الصديق والمسافر المنقطع والعبيد والإماء فأما لأن جزاء الأحسان هو الأحسان فى حال الوالدين أو لتقارب العلاقة مثل الأقارب والأرح
ام والجيران أو بسبب الضعف والحاجة للدعم كما فى الأرقاء واليتامى والفقرا ء ولئن كان القرآن لم يفرد بابا لحقوق الأنسان فانما ذلك لأنه بالمفهوم القرآنى كله أنما هو كتاب لحقوق الانسان بالمعنى الاسلامى لتلك الحقوق . عرف الفقهاء الحق بما يثبت في الشرع سواءاً كان حقاً لله على الإنسان، أم حقاً للإنسان على غيره. أما أركانه فهي أربعة: 1ـ الشيء الثابت، 2ـ من له الحق، 3ـ من عليه الحق (أي المكلف) فرداً أم جماعة، 4ـ مشروعية الحق، أي النص عليه في الشريعة وعدم منعه.
وهذه الاعتبارات الاصولية للحق، من حيث أركانه ومصاديقه المستوحاة من الشريعة الإسلامية، أعطت لموضوع حقوق الإنسان في الإسلام تميزه. كما أبانت عن مرجعية متكاملة ومختلفة في آن عن المرجعية الغربية. كما أظهرت السبق الإسلامي في تشريع هذا المجال وشموليه منهجه بل تفوقه على أحدث التشريعات المعاصرة . ذلك أن التفصيل الذي ذكرته المرجعية الإسلامية لا وجود له في غيرها. فحق الأنسان الفرد مثلاً تفرع بشكل دقيق من الحق الخاص إلى العام. وكذا حقوق الجماعة، وحقوق الله التي لا ذكر لها في الإعلانات الحقوقية الغربية. على أن هذا المفهوم يرتكز أساساً على نظرة الدين المتميزة للوجود الإنساني، في خلقه المتميز، وغائية وجوده. فهو أولاً مخلوق مكرم من طرف خالقه: (ولقد كرمنا بني آدم)(الاسراء/70)، ثانياً، وجود الأنسان كان لمقصود عظيم كريم و لغاية خصه الله سبحانه وتعالى بها، وهي الاستخلاف: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة/30). وبالتالي فقضية الخلق المرتبطة بالتكريم والاستخلاف، تعد أرضية أساسية تحدد مفهوم حقوق هذا المخلوق المكرم المسمى الإنسان فمعنى الكرامة الانسانية هو جوهر وأساس الرؤية الاسلامية لحقوق الأنسان .ان أنسانية الأنسان وكرامنه على نفسه وعلى الناس وعلى الملائكة والخلق أجمعين أنما تقاس بنقاء فطرته وأستقامته على شريعته .
صيانة الحقوق والكرامة هى أساس التشريع:
وأساس التشريع الهادف لتنظيم المجتمع على الاستقامة على الحق أنما تنهض على احترام حقوق الانسان وكرامته . واول الطريق لذلك هو أحسان الظن بالأنسان فلا تجعل التهمة هى الأساس بل براءة الذمة والأحقية فى التكريم هى الأساس . ولا يسعى المشرع ولا المنفذ للتجريم بل للتبرئه حتى ولو تكاثفت الظنون والريب فالبينة على من يتهم وليست البينة على من يُتهم .فلا جرم الا ما جرمته الشريعة بعبارة صريحة لا لبس فيها. فتعريف الجرائم في الشريعه الاسلاميه بانها محظورات شرعية زجر الله عنها بحد او تعريز والمحظورات هي اما اتيان فعل منهي عنه او ترك فعل مامور به وقد وصفت المحظورات بانها شرعيه لأن الشريعه هي وحدها التي تحدد ما هو سوي وما هو منحرف طبقا لمعايير محددة وهذا يعني ان الفعل او الترك لا يعتبر جريمه الا اذا اوضحت الشريعة ذلك ورتبت عليه عقوبه فاذا لم تكن هناك عقوبة على الفعل او الترك لا يعد أي منهما جريمه .
وهذا هو مبدا الشريعه التي وضعته واقرته الشريعه الاسلاميه ثم اخذه عنها علماء القانون حين تحدثواعن مبدأ قانونيه الظواهر الاجراميه وان القانون هو الذى يحدد الجريمة ويصفها ويحدد أركانها فلا جريمة بلا قانون.
خصائص ما يمكن أن نطلق عليه وصف الجريمة أيا كان نوعها :

ولا شك أن هناك مجموعه من الخصائص لابد من توافرها للحكم على سلوك أنسان ما بانه ينطبق عليه وصف وأسم جريمه وهذه الخصائص هي: :
– الضرر وهو المظهر الخارجي للسلوك ، فالسلوك الاجرامي يودي الي الاضرار بالمصالح الفرديه او الاجتماعيه او بهما معا . وهذا هو الركن المادي للجريمه فلا يكفي القصد او النيه وحدهما وقد سبق الاسلام الى تاكيد الأهمية القصوى لهذا الركن المادي للجريمة .
2- يجب ان يكون هذا السلوك الضار محرما قانونيا ومنصوصا عليه في قانون العقوبات وقد سبق الاسلام الى تاكيد هذا الركن الشرعي للجريمه .
3- ضرورة وجود تصرف سواء كان ايجابيا او سلبيا عمديا ام غير عمدي يؤدي الى وقوع الضرر ويقصد من هذا القول توافر عنصر الحريه واختفاء عنصر الاكراه وهذا الركن سبق اليه الاسلام فيما يطلق عليه الركن الانساني للجريمه . فالمسئوليه تسقط في الاسلام في حالات محددة وهي الاكراه والسكر والجنون والصغر وحالة اباحة الفعل المحرم اما بسبب استعمال الحق المسلم به لصاحبه اوبسبب اداء واجب مطلوب أداؤه
4- توافر القصد الجنائي وقد سبق الاسلام الى تاكيد اهميه هذا الركن في الجرائم فالاسلام لا يحاسب الانسان الا اذا كان اهلا للعقاب وهذه الاهليه تتطلب ان يكون الجاني مكلفا ومختارا ومسئولا ز فالجريمه التي يرتكبها الانسان العاقل عن قصد ورغبه وتصميم تختلف عن تلك التي يكره الانسان المجترح لها عليها او التي قد يرتكبها الطفل او المجنون .
5- كذلك لابد من وجود توافق بين التصرف والقصد الجنائي.
6- يجب توافر العلاقه العلية بين الضرر المثبت قانونا وسوء التصرف او السلوك المنسوب للشخص المعين حتى يمكن تجريمه .
7- يجب النص على عقوبه للفعل المحرم قانونا وهذا هو مبدا الشرعيه الذي ينص انه لا جريمه ولا عقوبه الا بنص والشريعه الاسلاميه هى من جلب وأرسى هذا المبدأ العادل للثقافة القانونية ..

تشريعات الضبط الأجتماعى بولاية الخرطوم :
تأسيسا على المقدمات السابقة سوف ندلى بملاحظات نقدية على تشريعات ما سمى بالضبط الاجتماعى بولاية الخرطوم.وقد اختارت الولاية أن نستخدم مصطلحات شديدة العمومية على موضوعات ذات خصوصية وصفة متقاربة أو متشابهة . فمرة أستخدمت أسم قانون النظام العام لضبط مظاهر صنفتها جرمية وهى تدخل باب تنظيم السلوك الفردى والجماعى المعتوهين وامور أخرى متعلقة بالحسمة العامة مثل الاسنحمام عاريا بالنيل أو عمل الرجال بمحلات تصفيف شعر النساء وأماكن نفصيل ملابسهن وأمور أخرى لا رايط بينها مثل تنظيم وترخيص أقامة الحفلات وحظر استحدام مكبرات الصوت والفصل بين الرجال والنساء فى الصفوف وفتح المحلات التجارية ظهيرة الجمعة أو المطاعم نهار رمضان. صيغت كل هذه الأمور المتنوعة تحت عنوان قانون النظام العام لسنة 1996 وصدر بمرسوم مؤقت من والى الخرطوم آنذاك. وصدور القانون بمرسوم مؤقت ينبيك عن الحالة الحماسية التى أوجبت أصداره بالصورة التى صدر بها . فقد صدر أثر ضغط كبير من أئمة ومشائخ وشباب متحمسون أستهجنوا أستمرار بروز بعض الظواهر السلوكية السالبة فى ظل دولة الشريعة فأرادوا القضاء على تلكم الظواهر بتشريع واحد حازم وجازم ضربة لازب . بيد أن القانون ألغى فى العام 2007 وحل محله قانون الضبط الاجتماعى لسنة 2007وعدل الأخير فى سنة 2010ومع قانون الضبط الاجنماعى صدرت حزمة قوانين أخرى كان جلها مضمنا فى قانون النظام العام هى تتعلق بترقية البيئة أو تنظيم الأسواق والأعمال التجارية أو الحفلات العامة وهى موزعة على هذه الأبواب كما يلى:

تشريعات متعلقة بالبيئة والبيئة الحضرية :
قانون 13 مخالفات ترقية البيئة
قانون 17رقم 2007التشجير الحضرى
قانون رقم23 سنة 2007 هيئة نظافة الخرطوم
قانون رقم19 لسنة 2007 السكن العشوائى
قانون رقم 16 لسنة 2007 السكن داخل المؤسسات

تشريعات متعلقة بالسلوك فى الاماكن العامة
قانون رقم 15 لسنة 2007 الضبط الاجتماعى تعديل 2010
قانون رقم 24 لسنة2010 منع تدخين الشيشة

تشريعات متعلقة بتنظيم النشاط التجارى والخدمى

قانون رقم14 لسنة 2007تنظيم المحلات التجارية
قانون رقم 18 لسنة 2007 العقارات المفروشة
قانون رقم21 لسنة2007النقل الداخلى بالركشات
قانون رقم 23 النقل الداخلى المركبات العامة
قانون رقم25 لسنة 2008 ادارة وتشغيل الموقف المركز التجارى
قانون رقم 20 لسنة 2007 البيع تجوالا
قانون رقم 26 لسنة 2008 بيع العملات خارج اماكن بيعها
ومثله مثل قانون النظام العام حمل قامون الصبط الاجتماعى عنوانا يفتقر الى الدقة ويستند ربما على حماسة عاطفية . فالضبط الاجتماعى ينسب للقانون بأجمعه وليس الى طائفة محدودة من التشريعات المحلية بل أن القانون وبخاصة فى الرؤية الأسلامية أنما يضطلع بدور محدود فى عملية الضبط الاجتماعى.فمصطلح الضبط الاجنماعى أنما يشبر الى قدرة المجتمع على التنظيم الذاتى من خلال وسائل غير رسمية وأخرى رسممية والوسائل الاجتماعية غير الرسمية أكثر بكثير من الوسائل الرسمية التى يقع القانون مع السياسات العامة على رأس القائمة منها . تُعد القيم المجتمعية الموجودة لدى الأفراد منتجات من الضبط الاجتماعي غير الرسمي، والذي يمارسه المجتمع ضمنيًا من خلال تقالييد وقيم ومعاييريرعاها الفرد ويتمثل بها وأعراف تحيلها الشريعة الى جزء لا يتجزأ من منظومنها العامة . يستوعب الأفراد قيم مجتمعهم، سواءً كان ذلك بوعي أو بغير وعى ويعتمد المجتمع الاسلامى في غالب وسائله على الضبط الاجتماعي غير الرسمي المرسخ في ثقافته العرفية لتعليم أعضائه الاندماج فيه. فى التجربة الغربية تاريخيًا، كانت المجتمعات قادرة بسهولة على طرد الأفراد غير المرغوب فيهم من الأماكن العامة من خلال قوانين التشرد وغيرها من أشكال الإبعاد. وبعض المجرمين أخرجوا الى جزر قصية جغرافيا فأستراليا أنما بدأت سجنا للمنفيين ولكن الغرب تطور فى مفهومات حقوق الانسان لبقترب من المعايير الاسلامية بينما تدهورت المجتمعات الاسلامية لتبدأمن المفاهيم التى بدأ بها الغرب مفاهيم الطرد والابعاد لا مفاهيم التأهيل والاصلاح . ان تشريعات الضبط الاجتماعى بولاية الخرطوم رغم انطلاقها من دوافع اسلامية ربما متحمسة بعض الشىء الا انها لم تصدر عن رؤية مستبصرة للأصول والمقاصد الاسلامية فى ترقية المجتمع من خلال تمكينه من تعظيم فدرته على الاصلاح والضبط الذاتى .ولاشك ان النسق السريع فى الخرطوم نحو التحول لمدينة حضرية حديثة يدفع بأتجاه الحلول المتعجلة التى جربها الغرب من قبل ثم هجرها الى مفاهيم أقرب لتحقيق حقوق أفضل لجميع المواطنين. وفي المدينة ما بعد الصناعية، تهتم السياسات أولاً ببيع التجزئة والسياحة وقطاع الخدمات, ولا يوجد شك في أن الضغوط المتزايدة لخلق صورة لمدينة منظمة وملائمة للعيش تساعد في الأشكال الأحدث للضبط الاجتماعي. حتى أن هذه التقنيات الجديدة تتضمن محاولات مكثفة بشكل أكبر لطرد بعض الأفراد مكانيًا من الأماكن الحضرية منذ تكليف الشرطة باستخدام سلطة أكبر في فحص الأفراد، على أساس الشك بدلاً من الدليل القاطع عن وجود إجراءات غير مشروعة.
إن أوامر الاستبعاد من الحدائق والاسواق بأسم التشرد والتسول (تمنع الأفراد من ارتياد أحد أو بعض أو كل الحدائق في المدينة لفترة طويلة من الزمن بسبب القيام بمخالفة سابقة) وقوانين التعدي على ممتلكات الغير . وما ذكرناه هو عدد قليل من تقنيات الضبط الاجتماعي الجديدة التي تستخدمها السلطات بالمدن لتهجير بعض الأفراد إلى أطراف المجتمع. ونهدف هذه التشريعات والتقنيات الى تعزبزالقدرة على تقييد الأفراد مكانيًا في مدينتهم. ويعد معارضة أي من القوانين أعلاه جريمة جنائية تؤدي إلى الحبس المحتمل. وبالرغم من أنه لا يتعرض جميع الأفراد لأمر استبعاد يلتزمون به، إلا أن هؤلاء الأفراد، على أقل تقدير، يتم تقييد حركتهم مكانيًا من خلال تقليل حركتهم وحريتهم في جميع أنحاء المدينة.وهذا التقييد المكاني للأفراد يؤدي إلى اضطراب خطير وتدخل في حياتهم. وبشكل عام، يتردد الأفراد المشردون على الحدائق لأنها منطقة توفر لهم مقاعد للنوم ومراحيض عامة وخدمات عامة في بعض الأحيان وشعور عام بالأمن من خلال وجودهم بالقرب من آخرين في ظروف مماثلة لهم.وبدلا من تمثل القيم الأسلامية فى ر التعاطف مع الضعفاء فان الحل الأمنى السهل هو ما يفرض نفسه بدلا من اتباع اساليب تقوم على استحثاث المجتمع ليعين ضعفائه وفقرائه بتوفير الأمن والخدمات الضرورية لهم حيث يعيشون ولو أن الولاية من خلال موسساتها جعلت للرعاية الاجتماعية أولوية قصوى وبنت الشراكات الخيرية مع الأغنياء الأثرياء لكان ذلك أجدى من أعادة بعث قوانين التشرد والتسول الموروثة من الحقبة الاستعمارية. ويدخل فى طائفة المقصيين المستبعدين الباعة الجوالة وضغار مقدمى الخدمات مثل بائعات الشاى المنعرضات ياستمرار للمطاردة بسبب قوانين الضبط الاجتماعى وأحرى بنا ان لم يجرى اصلاحها أن نسميها قوانين الظلم الاجتماعى. وطائفة أخرى من هذه القوانين تتعلق بترقية البيئة الحضرية وهى تشربغات ضرورية ولكنها تكاد تقتصر على الحل الأمنى الذى يسعى لتحقيق الالزام للضعفاء على اطاعة القانون ولوجاء ذلك على حساب مضاعفة معاناتهم وكان يجب أن يشتمل القانون على حزمة من الحلول لمقاربة المشكلات التى يتغيأ ايجاد الخلول لها. ويدخل فى هذه الطائفة محاربة السكن العشوائى وما يسمى بالمهن الطفيلية .كما يدخل فبها تنظيم سكن خفر المبانى الرسمية والخاصة وهو بلا شك سكن للفقراء فى أواسط الأغنياء . وطائفة أخرى منهذه التشريعات تتعلق بمنع اختلاط الرجال بالنساء وعيب هذه التشريعات أنها تعمل بعكس منطق الشرع الذى يفترض براءة الذمم والقانون الذى يفترض البراءة الاصلية فهذه التشريعات تبنى على الريبة والشك وتجعلهما أساسا لتصرف السلطات الماس بحقوق الانسان مثل التفتيش بغر شك معقول وغير أذن من سلطات قضائية ومثل المداهمات الفجائية التى تهتك الخصوصيات بغير مسوغ الا الشك أو سابقة الوقوع فى الجرم الأمر الذى لبس له أعنبار فى الشرع فان سابقة الوقوع فى الجرم لاتحل عرض ولا خصوصية المجرم السابق ما لم يكن مجاهرا .
وهذه التشريعات جميعا تعانى من كونها لا تنطلق عن رؤية شاملة للوضع الاجتماعى والموارد المتاحة للتوظيف فيه لتحقيق معنى الاحاطة والضيط السلوكى بكافة الوسائل الرسمية وغير الرسمية .كما أنها غير قادرة لبناء حزمة متجانسة من التشريعات التنظيمية والجزائية يعضد بعضها بعضا لتحقيق مطلوب استقامة الافراد والجماعات على ما يحقق الأمن والنظام لهم بغير تضييق بأسم القانون على المجموعات الأضعف والأكثر عددا وهنالك وأختلال فلى مفهوم التجريم وخلط بين ما هو مخالفة تستدعى الجزاء وليس العقوبة وبين الجريمة التى تستدعى العقاب المتقصد للردع والمنع والزجر ..كذلك فان هذه القوانين تفتقر الى الصياغة المتينة وتعانى من غموض يتبدى فى أسمائها العمومية مثل النظام العام وأمن المجتمع والضبط الاجتماعى وكلها عنوانين عمومية ليست بمانعة لدخول سائر التشريعات الأخرى فى حدها اللفظى .والمواد المفصلة هى الأخرى تشكو ذات العلة فهى فى أحيان كثيرة حمالة للمعانى قابلة للتفسير من قبل الجهات التنفيذية على وجوه عديدة . وهى تحيل أحيانا تفصيلها الى الجهة التنفيذية من خلال أعطاء تلك الجهة الحق فى اصدار لوائح تعتبر عند صدورها جزءاً لا يتجزأ من القانون وبذلك تتحول الجهة التنفيذية مثل المعتمد على سبيل الشرح الى جهة تشريعية عقابية .
خاتمة:
لاشك ان ولاية الخرطوم لا مندوحة لها من اصدار القوانين المنظمة للحياة الحضرية فيها ولابد لها وهى تفعل ذلك أن تنطلق من الرؤية المقاصدية للشريعة الاسلامية . ولابد لها كذلك أن تنتفع بأفضل الممارسات المتعارف عليها فى تنظيم المراكز الحضرية والتى نجحت فى تحقيق ترقية البيئة والسلوك العام بغير انتقاص يؤبه له من حقوق الانسان . وهنالك لحسن الحظ تجارب لحواضر اسلامية فى هذا الصدد مدينة أستانبول هى الجوهرة المتألقة بينها فهى حققت نجاحا لم تحققه حتى الحواضر الغربية لأنها زاوجت بين تحسين شكل ونظام المدينة وتحسين أوضاع المواطنين الأصعف حالا فى المدينة وتلك تجربة قمينة بأن تدرسها المدائن الاسلامية والغربية على حد سواء .ان تشريعات اما يسمى بالضبط الاجنماعى فى الخرطوم فى حاجة الى حوار علمى وشفيف بشأنها ليجرى أصلاحها بما يحقق مقاصدها فى الرقى الاجتماعى . والفرصة سانحة من خلال المراجعة الكبرى التى أعلنتها الدولة لأصلاح الدولة وتسريع نسق تقدمها لتكون بحق دولة متطورة منقدمة آمنة حرة وموحدة .
والله ولى كل ذلك والقادرعلى هداية المسير اليه.
فله الحمد أولا وآخرا
محاضرة ألقيت فى معهد تدريب القضاة والقانونيين

د. أمين حسن عمر