وزير المالية الأسبق دكتور “التجاني الطيب” يقرأ خطاب موازنة 2016: الموازنة دائماً تنبني على شقين، شق سعيد ، وشق غير سعيد
منذ بزوغ فجر الإنقاذ وحتى الآن ظل الاقتصاد السوداني في ترنح مستمر رغم الوصفات العديدة التي جربت وكان أولها سياسة التحرير الاقتصادية، لكن كل هذه الروشتات باءت بالفشل، وقادت الى تذمر المواطنين الذين كانوا يحلمون برفاهية اقتصادية، على ضوء الوعود العديدة التي أطلقت من قبل السلطة، وتمثلت في طرح المزيد من المشروعات والبرامج مثل البرنامجين (الخماسي) و(الثلاثي) اللذين قدما لامتصاص أثر صدمة ذهاب ثلث عائدات البترول الى الجنوب بعد الانفصال، واتضح انهما كانا بمثابة مسكنات، مؤخراً، شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً نتيجة ارتفاع سر الصرف، وانعكس هذا الارتفاع على السوق بصورة عامة، الأمر الذي قاد الحكومة الى تعديل سياساتها تجاه الدقيق، بزيادة سعر الصرف للشركات المستوردة حتى وصل 6 جنيهات بالنسبة لها في الجانب الآخر، شهدت بعض السلع خلال الأيام الفائتة ندرة مثل الغاز ربما نتيجة لمضاربات السوق الأسود، وشكا وزير النقط لحكومته عن عجزه عن السيطرة على الجهات التي تتحكم في هذه السلعة، وفي خضم هذه الأجواء جاءت موازنة 2016م وهي تجابه جميع هذه التحديات بالإضافة الى تحدي التنمية الذي كان يتذيل أولويات الموازنة، رغم قناعة أهل الشان والخبراء، بأن الحل يمكن في العودة القطاعات المنتجة من زراعة وصناعة، خطاب موازنة 2016م في عمومياته، تحدث عن بشريات ودعم وزيادة في إعداد دعم الأسر.
كيف قرأت خطاب موازنة 2016م الذي نشر في بعض الصحف؟
خطاب الموازنة العامة للعام 2016م حسب ما اطلعت عليه في الصحف يشير الى أن الموازنة كلها بشريات، وهذه واحدة من سمات كل موازنة، نحن أي موازنة لنا، دائماً كلها بشريات وأمان وبمجرد اجازتها يبدأ مسلسل المعاناة والإحباط.
أين تكمن المشكلة برأيك؟
لا توجد موازنة في الدنيا تبنى على بشريات
على ماذا تبنى؟
الموازنة دائماً تبنى على شقين شق سعيد، وشق غير سعيد، هناك موازنات تكون فيها زيادة ضرائب ، لكن تحتوي على تخفيضات لضرائب أخرى، أو دعم لفئات ضعيفة في المجتمع، في التعليم والصحة، لكن نحن الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم موازنتها على البشريات، ولو جمعنا كل البشريات التي نشرت في خطاب الموازنة لعام 2016م لبعض الصحف، ولو أعطونا كل ميزانية أمريكا لن نحقق هذه البشريات لكن!
لماذا؟
لأنها مجرد أماني نكررها كل سنة ومجرد ما تنتهي الموازنة نرجع لمسلسل المعاناة بل بالعكس، حتى المسؤولين في وزارة المالية قبل أسبوعين، كانوا يتحدثون عن أن الوضع الاقتصادي حرج، فيما كان وزراء سابقون يدافعون عن أن الاقتصاد تعافى، وحتى ميزانية 2016م، قالت إن البرنامج الثلاثي كان ناجحاً جداً والاقتصاد بدأ يتعافى فجأة انقلبت المعادلة وأصبح هؤلاء القوم يتحدثون عن أن الاقتصاد في موقف حرج ولابد من رفع الدعم، وهذه أسطوانة كررناها في العام 2013م، عندما قالوا لو لم تكن هناك زيادات اقتصاد سينهار، والذي انهار هو المجتمع السوداني وليس الاقتصاد.
لكن بمجرد الحديث عن بشيرات يعطي إحساساً بوجودها في محور من محاور الموازنة؟
هذه البشريات في نظري، وبحب القراءة السريعة لما نشر في خطاب الموازنة، تعطيني مؤشراً الى أنه قد لا تكون هناك زيادة في الضرائب أو الجمارك، يعني مافي عبء ضريبي على المواطن، لكن ما لفت انتباهي، انه لم يرد ذكر لسعر الصرف، فمثلاً موازنة 2015م كانت تتحدث عن عدم الزيادات في أي شئ، لكن الموازنة ستستعمل سعر الصرف المرن.
ماذا يعني سعر الصرف المرن؟
سعر الصرف المرن يعني زيادات بطريق غير مباشر، لأنك عندما ترفع أسعار الدولار، بالتالي سترتفع كل الأسعار، لأن الدولار أب الأسعار، قد لا تزيد الضرائب لكن تلقائياً ستكون هناك زيادة في الأشياء.
لماذا لفت انتباهك عدم ذكر سعر الصرف؟
عدم ذكر سعر الصرف جعلني أرجع لموازنة 2015م التي كان واحداً من أهدافها تضييق الفجوة بين السعر الرسمي والسعر والموازي، وهذه الفجوة كانت في بداية العام 2015م حوالي (42%) الآن تضاعفت الى (58%) واذا الحكومة فعلاً تريد تحقيق هدفها الذي لم تحققه في موازنة 2015م فلابد من رفع سعر الدولار الى 8 جنيهات. وبعض تصريحات لمسؤولين خلال الأيام الماضية كانت تتحدث عن أن سعر الدولار الحقيقي هو 7 جنيهات للدولار ولا أدري كيف عرفوا هؤلاء وأدركوا سعر الدولار الحقيقي، واعتقد أن سعر الصرف سيكون رأس الحربة لقتل كل هذه البشريات.
تقصد أنه سيرفع؟
سيرفع والحكومة ليس لها الكثير من البدائل وأتخيل أن بديلها الوحيد والأمثل بعد كل هذه القائمة من البشريات هو المضي في طريق سعر الصرف، واعتقد سيكون أفضل، لأن الفجوة أًبحت 5.3 جنيه بين السعرين، وكلما تأخرت كلما كبرت الفجوة وتعقدت المشكلة.
ماذا عن توقعاتك للتضخم؟
التضخم المتوقع في موازنة 2016م بحوالي (17%) هذا للأسف الشديد لم يأخذ في الاعتبار ما يدور في حركة الأسعار في السوق، نحن ختمنا عام 2014م بمعدل تضخم بلغ حوالي (38%) والفعلي حسب موازنة 2016 سيكون (17%) الدلاور من اول العام الى الآن تحرك أكثر من (30%) واذا كان أبو الأسعار تحرك بنسبة (30%) فما بالك بالاسعار الجانبية، وتأثيرها على معدل التضخم الكلي.
هذا يعني أن الأرقام المقدمة في جانب التضخم لموازنة عام 2016م قد تختلف عن الواقع؟
الأرقام المقدمة في جانب التضخم اعتقد أنها أرقام تعبر عن طبخه، ولا علاقة لها بالأسعار، صحيح أن واحداً من وزراء المالية صرح بانه مافي علاقة بين الأسعار ومعدل التضخم، وحسب حديث هذا العالم، فان الأسعار ستمضي في اتجاه، والتضخم في اتجاه آخر وأعتقد أن هذه مدرسة انقاذية جديدة في الاقتصاد، لأن الطبيعي ان معدل التضخم يعبر عن سعر (الأسعار) بحركة الأسعار صعوداً وهبوطاً فالموازنة لا أتوقع منها أية مفاجآت غير المفاجآت العادية، بأن يكون كل شئ مبنياً على أرضية هشة، بمجرد ما يبدأ التطبيق العملي ستبدأ الموازنة في الانهيار.
صحيفة المجهر السياسي